الدليل العقلي عند السلف ج1

الدليل العقلي عند السلف ج1 | مرابط

الكاتب: عيسى بن محسن النعمي

387 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

«وكانوا - رضي الله عنهم - [يعني السَّلف] يَنْهَون عن التَّعرُّضِ للغَوامِضِ، والتَعمُّقِ في المشكلاتِ، والإمعان في مُلابسةِ المُعضلاتِ، والاعتناء بجمع الشُّبهات، وتكلُّفِ الأَجوبة عمَّا لم يقع من السؤالات. ويَرون صَرفَ العناية إلى الاستحثاث على البِرِّ والتَّقوى، وكفِّ الأَذى، والقيام بالطاعة حَسَب الاستطاعةِ.

ومَا كانوا ينكفُّون - رضي الله عنهم - عما تعرَّضَ له المتأخِرون عن عِيٍّ وحَصَرٍ، وتَبلُّدٍ في القرائح، هيهات! قد كانوا أَذكى الخلائقِ أَذهانًا، وَأَرجحَهم بيانًا؛ ولكنَهم استيقنوا أَنَّ اقتحام الشبهات داعيةُ الغَوَايات، وسبب الضلالات، فكانوا يُحاذرون في حقِّ عامة المسلمين ما هم الآن به مُبتَلَوْن، وإليه مَدفوعون».
إمام الحرمين الجويني رحمه الله، الغياثي (ص333 - 334)

الحمد لله وحده، والصلاة والسَّلام على مَن لا نبيَّ بعده، وبعد:

فهذه لَقطة عَجْلان، آمل مِنها أن تُميطَ اللِّثام عن قَدْرٍ يسير من سموق بصر أئمَّة السَّلف، ومَوفور فِقْهِهم في الدَّلائل الشرعية. وهذا السُّموق والعُمق كلاهما دالٌّ على أَحقيَّة المنهج السَّلفي بامتلاك الحقيقة؛ لاستمداده - أي المنهج - من الوحي المالك للحقيقة.

وجميعُ ذَرَّات هذه المقالة وجزئيَّاتها تأرز إلى أَصْلٍ جامعٍ، وأُسٍّ كُليٍّ، وهو (أَنَّ الدَّليلَ العقليَّ عند السَّلفِ ليس بمهْمَل ولا بِمُرْسَلٍ).

مقاصد البحث

وتَفْتنُّ إلى جُملةٍ مِن المَقَاصد التي تُساق ابتداءً عاريةً عن التمثيل والتوضيح، ثم يجيء التفصيل المراعي للمقام تِباعًا بإذن الله.

المقصد الأَوَّل: الدليل العقلي عند السَّلف... الدلالة والمفهوم.
المقصد الثاني: حقيقة التَّسليم عند السَّلف.
المقصد الثَّالث: النَّظَرُ العقلي عند السَّلف تمعقلٌ أم تعَقُّلٌ؟
المقصد الرابع: النَّظرة الشُمولية السَّلفيَّة لفقه العلاقة بين العقل والنَّقل.
المقصد الخامس: سَبر بعض المَقولات التي يُتوَهم شخوصها عن المنهج.

وإني لأَبسطُ يد الاعتذار عما يقع من إخلالٍ في بَسْط القول في هذه المقاصدِ؛ فإنَّ هذه الورقات لا تفي ببيان منزلة الدَّليل العقلي عند السَّلف؛ إذِ البيان يفتقر إلى أَدوات عِدَّة، منها التتبُّع لعُرُوقِ مَسَائلهم، واستقصاء ما صحَّ من آثارهم، كلُّ ذلك مع حَثِّ مَطيَّة الفِكْر في أَنجادها وأَغوارِها، وهذا ما لم يـتأتَّ لي جميعه في هذه العُجَالة.

وأرجو من الكريم الرحمن أن يهيئ من يقوم بتجلية هذه المسألة الجليلة، التي ظنَّ من ظنَّ ممن قَصُر عن دَرك حقيقة منهج السلف أَنَّهم أَخلُّوا في الاستناد إلى النظر العقلي! حتى نَسَب كُلَّ فضيلة للمتكلِّمين مع ابتداعهم في الدلائل، وسلب السَّلف فضيلة النظر بإطلاق.

والحقُّ أنَّهم - أي السلف - أَيقنوا بغَناء الدَّلائل الشرعيَّة بالبراهين العقليَّة الفِطريَّة وكفايتها عن الابتداع في دين الله، وهذا جوهر الخلاف بينهم وبين مخالفيهم؛ فإن المخالفين لمَّا اعتقدوا أَنَّ الدَّلائل النَّقليَّة تَعْرى عن البراهين العقلية، قادهم ذلك إلى ابتداع دلائل على مسائل الدِّين، بل جمعوا بين الابتداع في الدَّلائل، والإحداث في المسائل. ولو أَنَّهم علموا أَن دلائل القرآن العقليَّة لها صفة الثَّبات والاستمراريَّة إلى يوم الدِّين؛ بحيث لا يُفْتَقَرُ في الاستدلال على أصول الدِّين إلى غيرها، لما وقعوا في هذه الـمُشاقة.

وأَمَّا الحِجاجُ العقلي عند السَّلف لتقويض مثارات المخالفين العقليَّة، فمُتحقِّق لا يُدفع؛ لكن قلَّته في القرنين الأوَّلين نابعة مِن قلة البدع في ذلك الزَّمان، هذا من جهة.

ومن جهةٍ أُخرى سذاجة وبساطة البدع آنذاك؛ وأَعني بالسَّذاجة هنا: كون تلك البدع مَبنيَّةً على فَهم مَغلوط للدَّلائل النَّقليَّة لا على بدع مُركَّبةٍ من مُشْتبهات عقليَّة ونقليَّة؛ فإنَّ مثل هذا التركيب جاء مُتأخرًا عن الجيلين الأولين[1]. فلزم من هذا غَلَط مَن نَسب إليهم التقصيرَ في الحجاج العقلي الشرعي لتقويض المثارات العقليَّة لدى المُخالف؛ فإنَّ هذه الإِضافة سببها الجهل بتاريخ نشوء الفرق في الأُمَّة.

وبعد هذه الطَّليعة، يحسن الولوج إلى بيان المقاصد المذكورة آنفًا.

المقصد الأَوَّل: مفهوم الدليل العقلي:

يراد بهذا المُركَّب التقييدي (بإيجاز): ما أوصل إلى المطلوب بنفسه (أي ببداهة العقل كمبدأ الهوية والعليَّة)، أَو بالنَّظر إلى مُقدِّمات ترجع إليه.

المقصد الثَّاني: حقيقة التسليم عند السَّلف:

مِن البديهيات السَّلفيَّة أَنَّ قَدَمَ الإِسلامِ لا تقوم إِلاَّ على ظهر الانقياد والاستسلام[2]. والتَّسليم السَّلفي كما أنَّه تسليم مطلق ليس مَشروطًا بقيد لأنَّه مقتضى الإيمان بالنُّبوَّة، ومَن كان تسليمه مَشْروطًا بانتفاء الـمُعارض لخبر الرَّسول أَيًّا كان نوعه، لم يكن متحقِّقًا بالإيمان به، وكان ممَّن عاب اللهُ - تعالى - في قوله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: 83]. إلاّ أَن التِّسليم السَّلفي في الوقت ذاته تسليمٌ واعٍ؛ بمعنى: أنَّه عندهم منتوج مَنطقٍ يتوالجُ فيه يقينُ العقل، وضرورة النَّفس اللذان يقضيان بالإقرار بصدق نبوَّة الرَّسول وعصمته؛ وإلاَّ كان اعتباطًا يقبل التبدُّل والتخلُّف؛ لهذا كان للوحي سُلطانه العظيم على شواعر وعقول من صُقلت فطرهم لتلقِّيه ولم تَلْتَاثْ بما يحول بينها وبين نوره.

وقد أَبان الله - تعالى - عن حال أهل المعرفة من أهل الكتاب عند سماعهم للوحي فقال - جل وعلا -: {وَإذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْـحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83]، وقال - تعالى -: {وَبِالْـحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْـحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا 105وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا 106قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا107 وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَـمَفْعُولًا 108 وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 105 - 109].

ومِمَّا يُجلِّي هذا المنطق أمران:

الأوَّل: وجودي، ويتبدَّى في قيام التوافق والتَّلازم بين نور الوحي وبصر العقل الفطري، وتَعذُر الانتفاعِ بأحدهما دون الآخر؛ فنور الوحي بلا بصر العَقل لا تتحصَّل الاستفادة منه؛ إذ بالعقلِ عُلم صِدق الوحي وأنَّه من لدن حكيم خبير. وبَصَر العَقَلِ بلا نور الوحي قضاءٌ عليه بالتِّيهِ في مَنادِح الأهواء.

ولا ريب أَنَّ الخضوع والانقياد لما تحقَّقَ صِدقُهُ واستبانت عصمتُهُ من الخطأ: أَنَّ ذلك مِن حَتمياتِ العقل؛ ولذا كان اعتناء الوحي على برهنة الأُصول الدِّينية والكشف عن فطريَّتها؛ لأنَّها البِنيةُ التي إن تجذَّرت انقاد العبد بكُليَّتهِ لتحقيق مقتضيات تفاريع الشَّريعة، وليس يُرام من ذلك نَفي معقوليَّة التَّشريع وابتنائه على الحكمة ورعاية مصالح العباد في العاجل والآجل؛ إذ من الممتنع أن تكون هذه الشِّرعة من ربِّ العالمين ثم تكون مقصورة مصالحها على ما يتحصل للمكلفين من الخير في الآجل دون العاجل.

وفي بيان ذلك يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله -: «الدِّين والشَّرعُ ضَروريٌّ لبني آدم لا يَعيشون بدونه، لكن ينقسم إلى شَرعٍ غايته نوع من الحياة الدُّنيا وشَرعٍ فيه صلاح الدُّنيا فقط، وشَرع فيه صلاح الدُّنيا والآخرة، ولا يُتصوَّر شَرعٌ فيه صلاح الآخرة دون الدُّنيا، فإن الآخرةَ لا تقوم إلاَّ بأعمال في الدُّنيا مستلزمة لصلاح الدنيا، صلاحها غير التناول لفضولها»[3]، بل إنَّ الأَصل في أحكام الشريعة أَنَّها مُعلَّلة بالحِكَم الظاهرة التي لا يجد العباد مَسَاغًا إلاَّ التسليم لها والانقياد لحُكْمها.

الأمر الآخر: عدميٌ، ويتحرَّرُ بانتفاء التناقض الحقيقي بين الأدلَّة الشرعيَّةِ النقليَّة والعقليَّة؛ إذ جَرَيانُ التناقضِ بين وحي الله الَّذي تنتظمُهُ إرادةُ الرَّبِّ الأَمْريَّة الشرعيَّة، وبين العقل الذي تنتظمُهُ إِرادة الربِّ الخَلقيَّة التكوينيَّة: مُمْتنعٌ؛ ومَجْلى هذا الامتناع أَنَّ كليهما مِن عند الله فالأوَّل أَمرُهُ، والثاني خلقه، ولا تعارض بين خلقه وأَمره {أَلا لَهُ الْـخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]. فإذا استبانت لنا حقيقة التسليم السَّلفي، عَلمنا عندئذٍ أَنَّ سَلب التسليم خاصيَّةَ البَرْهَنة مُطلقًا من حيث هو تسليمٌ وجعله مُرادِفًا للتَّقليد كما يُقرِّره بعض مُفكِّري العرب الذين جعلوا مَدَاره على إيمان يكون قسيمًا للبرهان العقلي[4]: خطأٌ يَنمُّ عن مدى ضَرَاعة مَدَاركهم الفكريَّة وانجذابها لقُطُوبِ المَقولاتِ الغربيَّة التي تنصب بَرْزخًا بين المنطق الديني والمنطق العقلي[5]، دون سَبر لِبنية هذه المقولة التي أَفرزها واقع العقل الأُوروبي ابتداءً من عصر النهضة نتيجة لمَلاحمه مع اللاهوت الكنسي المستبطن لتناقضات عميقة في رؤيته للإنسان والكون فضلًا عن القضايا الغيبية[6].

المقصد الثَّالث: النَّظَرُ العقلي عند السَّلف تمعقلٌ أم تعَقُّلٌ؟

النَّظرُ العقليُّ عند السَّلف على ثلاثة أضرب، الأوَّل: نَظَر استثمار، والثَّاني نظر كشف وإرجاع، والثالث: نَظَر فَحْصٍ (مَشْروطٍ) وإبطال.

فالأَوَّل: يُراد به استثمار السَّلف للدَّلائل العقليَّة التي شُحنَت بها الدَّلائل النَّقليَّة كاستثمارهم دلالة النَّظر في الأَنفس البشرية وعجيب تركيبها التي نَبَّه الله العقول عليها بقوله: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] على توحيده، تبارك وتعالى. قال قتادة مُستدلًا بكمال صُنعه للأنفس على وجود خالق عظيم مستحقٍّ للعبادة: (مَن تفكَّر في نفسه عَرف إنَّما لُيِّنت مفاصله للعبادة)[7]، وكاستثمارهم للدلالة العقلية التي حكاها الله في كتابه عن نبيِّه إبراهيمَ - عليه السلام - في قوله - تعالى -: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام: 76] قال قتادة مستثمرًا لهذه الدَّلالة على كمال ربوبيَّة الله: (عَلمَ أَنَّ ربَّه دائمٌ لا يزول)[8]. ونظائرُ ذلك من صور الاستثمار السَّلفي للبَرَاهين العقليَّةِ التي لَفَتَ النظر إليها القرآن الكريم كقياس الأولى، وقياس الغائب على الشَّاهد.

وأَمَّا الضرب الثاني: فنوعان: الأول: نظر كشف وإرجاع: ويُراد به كشف السَّلف عن اتساق الدَّليل النَّقلي لمنهج العقل ببيان الإمكان ودفع الامتناع عما يُظنُّ امتناعُهُ، وعُنصرُ الإمكانُ يعدُّ منطقة الحِياد العقلي، ويجيء البرهان النَّقلي مُرجِّحًا وناقلًا الحكم من رُتبة الإمكان إلى رُتبة الحادثيَّة.

وأيضًا يكون الكشف عن امتناع ما يُناقض الدَّلائل النقليَّة وهذا الإيقاف منهم على حكم الإمكان، أو الامتناع إنَّما يكون في كثير من الأحيان لمن عَرضت له شُبهة تستلزم دفعها، ومِن أَمثلة ذلك ما يلي:

ما ورد عن علي بن أَبي طالب - رضي الله عنه - أنَّه قال للذي استشكل كيف يُحاسِبُ الله العباد في ساعة واحدة؟ قال له (كما يَرزقهم في ساعة واحد)[9] فعَلِي - رضي الله عنه - استدلَّ بالمتَّفق عليه على المُختَلَف فيه بجامع الإمكان في الصورتين وانتفاء الامتناع. وهذا استدلال بحكم العقل الذي يقضي ببطلان إدخال الممكن في دائرة الممتنع بلا برهان.

ومن ذلك إبطال الإمام أحمد لدعوى الحلول التي ادَّعاها الجهميَّة بأن زعموا أنَّ الله - تعالى - في كُلِّ مكان، ولا يكون في مكان دون مكان؛ وذلك بالبرهنة على امتناع ما ادَّعوه؛ حيث إن من المقرَّر عند السَّلف والجهميَّة أنَّ الله كان ولا شيء ثم خلق الشيء؛ فالقسمةُ العقليَّة الحاصرة تُحتِّم على هذا المتجهم أن يصير إلى إحدى ثلاثة أمور لا مَعْدَى منها:

الأمر الأوَّل: أَن يكون خلق الخلق في نَفْسِهِ، وهذا ممتنع في العقل الفطري؛ إذ يكون الله مَحلًا للمخلوقات فتكون النجاسات وإبليس - مما يبعد عن الله - في جوف الله تعالى.

الأمر الثَّاني: أن يكون خلقهم خارجًا عن نَفْسِه ثم دخل فيهم، وهذا أَيضًا ممتنع في العقل الفطري.

والأَمر الثَّالث: أن يكون خلقهم خارجًا مِن نفسه ثُم لم يدخُلْ فيهم، وهذا ما يقبله العقل وتوطده الدَّلائل المحكمة، هو قول أهل السنة أجمـع. وفي تقـرير ذلك يقـول الإمام أحمد - رحمه الله:

(إذا أَردتَ أن تعلم أنَّ الجهميَّ كاذبٌ على الله حين زعم أَنَّ الله في كُلِّ مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له: أَليس الله كان ولا شيءَ؟
فسيقولُ: نعم. فقل له: حين خَلَق الله الشَّيءَ خَلَقَه في نَفْسِهِ، أَو خارجًا مِن نَفْسِهِ؟
فإنَّه يَصير إلى ثلاثة أقاويل لا بُدَّ له مِن واحدٍ منها: إن زعم أَنَّ الله خَلَق الخلقَ في نَفْسِه فقد كفر، حين زعم أَنَّه خَلَق الجِنَّ، والشياطينَ، وإبليسَ في نَفْسِهِ.
وإِن قال: خَلَقَهم خَارجًا من نفْسه ثُمَّ دخل فيهم، كان هذا أَيضًا كُفر؛ حين زعم أَنَّه دخل في مكان وحُشٍّ قَذِرٍ رديءٍ.
وإن قال: خلقَهُم خارجًا مِن نَفْسِهِ ثُمَّ لم يَدْخُل فيهم، رجع عن قوله كُلِّه أجمع، وهو قول أَهل السُّنَّةِ)[10].


المصدر:
مجلة البيان

الإشارات المرجعية:

  1. انظر: «درء التعارض»، لابن تيميَّة: (5/244).
  2. انظر: «العقيدة الطحاوية»، (ص6).
  3. جامع المسائل، تحقيق محمد عزير شمس (ص150، 151 - المجموعة السادسة)
  4. انظر - على سبيل المثال -: «موقف من الميتافيزيقا» لزكي نجيب محمود، و«الدين والدولة وتطبيق الشريعة»، لمحمد عابد الجابري، (ص142).
  5. انظر: «الآراء والمعتقدات»، لغوستاف لوبون، وقد أقام كتابه على هذا التباين:   (7 - 9، 146، 148).
  6. انظر: «آلام العقل الغربي» لريتشارد تارنس، نقله للعربيَّة فاضل جكتر (200، 208ً،210)، و«قصة النزاع بين الدين والفلسفة»، لتوفيق الطويل.
  7. نقله السيوطي في «الدُّرِّ المنثور»: (6/137).
  8. أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره»: (4/1329).
  9. لم أجده مُسندًا؛ وإنما أورده بعض أهل التفسير. انظر - مثلًا -: «المحرر الوجيز» لابن عطيَّة: (1/277)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقُرطبي: (3/360)، واستدلَّ به ابن تيميَّة ونَسبَه إلى ابن عباس، رضي الله عنه. انظر: «شرح حديث النزول»، (ص335).
  10. «الرَّدُّ على الزَّنادقة والجهميَّة»، (ص300، 301).
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج1 | مرابط
تفريغات العالمانية

المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج1


فكرة العلمانية التي ظهرت أفرزت كثيرا من المذاهب وكثيرا من الأفكار بعضها صارت مشهورة ومعروفة عند الناس وبعضها صارت مغمورة وبعضها أقل من ذلك وبعضها أكثر وصارت هناك عشرات النظريات بل مئات النظريات الغربية التي انطلقت من هذا المنطلق وهو العلمانية وأنه ينبغي لك أن تبحث وأن تفكر بغض النظر عن الدين ويسمون الدين اللاهوت ويقولون: اللاهوت هو عبارة عن أشياء روحانية تؤديها في مكانها المخصوص وهو الكنيسة بالنسبة للغربيين والعلمانيون المنتسبون للإسلام يقولون: المسجد وأما بقية الحياة فلها شأن آخر

بقلم: عبد الرحيم السلمي
720
اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي | مرابط
اقتباسات وقطوف

اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي


وأما اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الأخروي فظاهر وجعل الله التسوية بين المحسن والمسيء حكما سيئا منافيا للحق الذي خلقت به السماوات والأرض والواقع أن هذا التفريق الذي يقتضيه عدل الله تعالى وحكمته غير متحقق تماما في الدنيا

بقلم: د سعود عبد العزيز العريفي
687
الرد على بعض شبهات الصوفية | مرابط
تفريغات

الرد على بعض شبهات الصوفية


قد تجد أهل الباطل والضلال عندهم جميع الإمكانات التي ينشرون بها ضلالهم وتجد أهل الحق ضعافا لا يملكون شيئا ومع ذلك يصل الحق إلى الناس ولا يصل الباطل بالرغم من الإمكانات لأن قوة الحق في كونه حقا بل نقذف كأن الحق قذيفة بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه الأنبياء:18

بقلم: أبو إسحق الحويني
359
أساطير العهد القديم | مرابط
فكر مقالات

أساطير العهد القديم


يشتمل هذا المقال على مجموعة من الأخبار عن عدد بنى إسرائيل حين دخلوا مصر وحين خرجوا منها ويقف المؤلف على قدر من التزوير والتلفيق الموجود في التوراة هنا سنرى أساطير العهد القديم كما وردت في الكتاب وكيف تخالف أخبارهم بدائه العقول

بقلم: محمد الغزالي
1213
لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول


يتصور البعض أن وجود الشرور في العالم وانتشار بعض صور الخراب والدمار تعني بصورة ما أنه ليس هناك إلها خالقا مدبرا حكيما لهذا الكون وإلا لما كان يوجد هذا الشر المستطير وعلى النقيض يؤمنون أن وجود الخالق مرهون بانتفاء الشر من العالم وهذه شبهة قديمة يرد عليها الدكتور سامي عامري في هذا المقال ويوضح الخطأ فيها

بقلم: د سامي عامري
1999
تفاسير المتأخرين | مرابط
فكر تفريغات

تفاسير المتأخرين


تفاسير المتأخرين هي تفاسير مهمة جدا بالنسبة إلينا لماذا؟ تفاسير المتأخرين تعاني مما نعانيه نحن من الواقع. فمن بعد ألف هجريا وألف ومائتين هجريا تجد أن التفاسير بدأت تثور معاني جديدة فمثلا: محمد عبده قد أثر تأثيرا كبيرا في رشيد رضا وفي المراغي وفي أبو زهرة مدرسة كاملة تأثرت به

بقلم: أحمد عبد المنعم
408