الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2 | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

634 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

سابعًا: سياسة الإهمال التعليمي المتعمد للإيجوريين خاصة:

وللمسلمين عامة في إقليم التركستان الشرقية؛ فالمدارس والجامعات أقل كثيرًا في المستوى من نُظرائها في الصين. كما أن حالة الفقر المُذْرِيَة التي يعاني منها المسلمون تدفعهم إلى العمل مبكرًا في الحقول والمصانع والمناجم وكباعةٍ متجوِّلين؛ مما يحرمهم من التعليم، ومع مرور الوقت يصبح الجهل بكل تبعاته متفشِّيًا في المسلمين، وهذا يحرمهم بشكل تلقائي -فضلًا عن التعمُّد- من شَغْل المناصب الكبرى، أو الوصول إلى ما يريدونه من مراحل تعليمية متقدمة. كما أن هذا الجهل يقطع تواصلهم مع العالم الخارجي، ويقلِّل من إمكانية استيعابهم للمتغيرات من حولهم، وهذا كله يصبّ في إضعاف المجتمع التركستاني المسلم.

وفوق هذا فإن السلطات الصينية تمنع استعمال اللغة التركية الإيجورية في المدارس والمؤسسات الرسمية التركستانية؛ وذلك بهدف قطع التواصل بين أفراد الشعب، وكذلك قطع العَلاقة مع الدول المجاورة التي تتكلم التركية، وهي الدول المتحرِّرة من الاتحاد السوفيتي، إضافةً إلى تركيا. وتهدف أيضًا إلى قطع العلاقة بينهم وبين المصادر الإسلامية القليلة التي يمتلكونها، والمكتوبة باللغة الإيجورية التركية بحروفها العربية..

إنها سياسة واضحة لتجهيل الشعب الإيجوري المسلم علميًّا ودينيًّا، خاصة إذا لاحظنا التقدم العلمي الهائل الذي وصلت إليه الصين، والذي يصبُّ كله في صالح عرقية "الهان" دون غيرها من العرقيات.

 

ثامنًا: سياسة الإضعاف الاقتصادي للمسلمين:

فالمسلمون أصحاب البلد مُحارَبون في أقواتهم وفي أعمالهم، وبشكل تعسُّفي عنيف، فلقد انتشرت المصانع في التركستان الشرقية بعد اكتشاف البترول بها، وهي مصانع البتروكيماويات وغيرها من الصناعات المتعلقة بالبترول، وهي تضم آلاف العمال، ومع ذلك ففرصة العمل لعرقية "الهان" الصينية كبيرة جدًّا، بينما يُحرَم أصحاب البلد من العمل في هذه الوظائف. ولقد قال أحد المحللين الصينيين في معهد جلوبال إنسيت HIS وهو "رين شينفانج" لوكالة الأنباء الفرنسية: "إن 70% من الصناعات البتروكيماوية في يد الدولة، وبالتالي فإن معظم العاملين فيها والمستفيدين منها هم من عرقية الهان، ولا توجد إلا أعداد قليلة جدًّا من عرقية الإيجور في هذه المصانع والشركات".

وليس هذا في المجال الصناعي فقط، بل في المجال الزراعي أيضًا، فإن هذا المجال تسيطر عليه الشركات الحكومية وشبه الحكومية، وهم لا يوظِّفون إلا السكان من عرقية "الهان". وعلى سبيل المثال فإن شركة "بينجتوان" الصينية الحكومية تستحوذ على معظم الأراضي الزراعية في التركستان، وتوظِّف في أعمالها أكثر من 2.2 مليون موظف من "الهان"، وليس فيهم من الإيجور إلا القليل.

وما قلناه على المجال الصناعي والزراعي ينطبق كذلك على المجال التجاري، حيث لا يُسمح للإيجوريين بالترقي في الوظائف التجارية، ولا يُسمح لأعمالهم أن تتضخم وتَكْبَرَ. ولقد تتبعت الحكومة الصينية التجار الإيجوريين حتى في خارج إقليم التركستان، وعلى سبيل المثال فقد هاجمت الحكومة الصينية حيًّا في بكين يضم تجمُّعًا للإيجوريين، وهو الحي المعروف "بقرية شينجيانج"، وأغلقت ثلاثين مطعمًا إسلاميًّا، وقامت بتشريد ألف مسلم!

ويبرِّر أحد الباحثين الصينيين -وهو "ياي شينرونج" الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية- هذا الضعفَ الاقتصاديَّ للإيجوريين بأنه ناتجٌ عن مستوياتهم التعليمية الضعيفة، والتي تمنعهم من أخذ مواقع مناسبة في السُّلَّم الاجتماعي، وليس راجعًا إلى تمييز مباشر ضدهم.

وأنا أرى أن هذا عُذر أقبح من ذنب! فلماذا لم يسأل هذا الباحث نفسه عن سر تخلف المسلمين في إقليم التركستان علميًّا؟! إنه نفس السبب الذي تذكره أمريكا في حق الزنوج عند الحديث عن ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة فيهم، وتعزو ذلك إلى قلة مستواهم التعليمي، متجاهلةً في ذلك الحالة المتردِّية التي عليها مدارس وجامعات السود حتى في المدن الأمريكية الكبرى!

إن سياسة الظلم واحدة، وإن كانت تتعدد أشكالها، وما يحدث في التركستان الشرقية المسلمة ليس جديدًا على الطغاة والمجرمين.

 

تاسعًا: سياسة التعتيم الإعلامي:

وهي سياسة قديمة جدًّا في العالم، ومارسها كل الظالمين، ولقد قال الكفار في مكة كما حكى القرآن الكريم {لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]؛ فالسماع قد يؤدي إلى التأثير، ولذلك يرى الظالمون أن الحَكْر على السماع، وأن التعتيم الإعلامي وسيلةٌ من وسائل السيطرة على مجريات الأمور.

والصين من الدول المشهورة عالميًّا بالتعتيم الإعلامي، وهي سياسة معظم الدول الشيوعية إن لم يكن كلها، وعلى الرغم من التقنيات الحديثة ووجود الفضائيات والإنترنت إلا أن السلطات الصينية ما زالت تحرص على عدم وصول المعلومة إلى الناس، ولقد رأينا أنه في الأزمة الأخيرة قامت السلطات الصينية بقطع شبكات المحمول النقّال من إقليم التركستان، كما قللت جدًّا من سرعة الإنترنت، وقطعته بعض الفترات لمنع وصول الأخبار إلى الخارج.

ولقد كان من التُّهم التي وُجِّهت إلى ربيعة قادر أنها أرسلت بعض الجرائد المحلية الصينية إلى الخارج، وهذا يُعتبر -في عُرف القانون الصيني- إفشاءً لأسرار الدولة!! فمع أن الأخبار مذكورة في صحيفة محلية إلا أن هذه الأخبار للصينيين فقط، وغير مسموح للعالم أن يقرأها!!

وفي ظل هذا التعتيم الإعلامي الشديد لا يعرف العالم الخارجي، مسلمًا كان أو غير مسلم، ما يجري في أرض التركستان المسلمة، وبالتالي يفقد المسلمون هناك كل عون خارجي، وينفرد الصينيون بالتعامل معهم. وإضافةً إلى هذا التعتيم فإن الإعلام الصيني كثيرًا ما يزوِّر الحقائق، ويلبِّس على المتابعين الأمورَ، ويُعلِن أنه يتعامل مع مجموعات إرهابية في دولة التركستان المسلمة. وواقع الأمر أنه يتعامل مع شعب مقهور، سُلبت أرضه، ونُهبت ثرواته، وسالت دماؤه، ودُنِّستْ مقدساته، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!

 

عاشرًا: سياسة منع التواصل الفكري والثقافي مع العالم الإسلامي:

لأن هذا التواصل قد يوضِّح الصورة للبلاد الإسلامية؛ مما قد يدفعها إلى قطع العلاقات على الأقل مع الصين، وهذا يؤثِّر جدًّا على الاقتصاد الصيني الذي يعتمد على التجارة الخارجية. ولهذا فإن كلّ القنوات الثقافية والفكرية والفنية والرياضية مغلقة مع إقليم التركستان، ولا مجال للمسلمين هناك أن يخرجوا إلى خارج الصين، ولا أن يدخل إليهم أحد من المسلمين إلا بصورة فردية وفي حالات خاصة.

وعندما قام الرئيس التركي عبد الله جول بزيارة الصين في شهر يونيو 2009م قبل أحداث الأزمة الأخيرة بقليلٍ، أصرَّ على زيارة هذا الإقليم الإسلامي، الذي تربطه مع تركيا علاقات الدين، وكذلك علاقات العرقية والأصل، وكان الرئيس التركي في زيارة للصين لعقد اتفاقيات تجارية مهمَّة تجاوزت 1.5 مليار دولار، ومع ذلك بعد انتهاء زيارته بعدة أيام حدثت المشكلة التي راح ضحيتها مئات من الإيجور الأتراك. ويرى بعض المحللين أن هذا التوقيت مقصود، وأنها رسالة من الحكومة الصينية إلى الشعب التركي ورئيسه، وخلاصة الرسالة أن العلاقات الصينية التركية شيء، وإقليم التركستان شيء آخر، وأنه لا مجال لتواصل هذا الإقليم مع أي عنصر خارجي حتى لو كان هذا العنصر رئيسًا مفخَّمًا، أو دولة كبرى!

ولقد هاج الشارع التركي نتيجة هذا الاستفزاز الصيني، وقام بعِدَّة مظاهرات أمام السفارة الصينية، وانسحب كثير من أعضاء البرلمان التركي من جمعية الصداقة الصينية التركية، لكن هذا لم يغيِّر من موقف الحكومة الصينية التي ترى قضية التركستان قضية أمن قومي لا يمكن المساس بها.

كانت هذه هي الوسيلة العاشرة من وسائل القهر الصيني للشعب التركستاني المسلم، فتلك عشر كاملة!!

 

ماذا نحن فاعلون ؟!

والسؤال الذي لا بُدَّ أن يشغلنا الآن بعد رؤية هذا التاريخ الطويل للإسلام في هذه الدولة الإسلامية المحتلة، وبعد معرفة الثروات الهائلة التي يمتلكها هذا الإقليم العظيم، وبعد إدراك مدى الطغيان الصيني في التعامل مع هذا الملف.. السؤال الذي يجب أن يشغلنا هو: ماذا نحن فاعلون؟!

هل ستقف الأمة الإسلامية مكتوفة الأيدي في هذه المسألة؟! وهل يجب أن نؤجِّل الحديث عنها لحين تحرير فلسطين والعراق وأفغانستان؟ أوَليست هناك حقوق علينا لأهل هذه الدولة المحتلة يجب أن نقوم بها؟ وهل إذا رضيت الحكومات الإسلامية بالهوان فإنه لزامًا على الشعوب أن تقبله كذلك؟!

هذه أسئلة مهمَّة أجيب عنها بإذن الله في المقال القادم "لبيك تركستان".

وأسأل الله عز وجل أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.

 


 

المصدر:

موقع قصة الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #الصين #تركستان
اقرأ أيضا
فن أصول التفسير ج1 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج1


فالموضوع الذي بين يدي: هو أصول التفسير وكما يقال الآن من المصطلحات المعاصرة لفظة التوظيف لأني سأجتهد في توظيف أصول التفسير وهي مادة نوع ما ممكن تكون متخصصة لكن سأجتهد قدر استطاعتي أن أنزل بالمعلومات إلى ما يمكن أن تستوعبه شرائح متعددة الذي علمه قليل والذي علمه كثير والذي يستوعب استيعابا سريعا والذي يكون استيعابه بطيئا

بقلم: مساعد الطيار
663
ماذا لو | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

ماذا لو


عندما نسمع الآيات التي تتكلم عن القدر والأحاديث مثل واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك فلنعلم أنها تذكرنا بحقيقة أن هذه الأقدار إنما قدرها الله الذي نعلم عن علمه وحكمته ولطفه ورحمته وعدله فلنسلم له أنفسنا بطمأنينة

بقلم: إياد قنيبي
2295
الشعور بالذنب في زمن الحداثة | مرابط
فكر

الشعور بالذنب في زمن الحداثة


التفسير الأول يرى أن الشعور الطبيعي العميق بالذنب ينجم ضمن عملية تفرد الإنسان في الحداثة وهذه العملية الضرورية للتطور والنمو تستوجب على الفرد أن يضع نفسه في مواجهة الطبيعة أو الكون وهذه الوضعية تشعر الفرد بالضعة الهائلة أمام الكون وتملؤه بإحساس الضآلة والصغر والهامشية وانعدام القيمة ومن ثم يتولد الشعور بالذنب.

بقلم: عبد الله الوهيبي
474
وقفات مع قصة موسى عليه السلام | مرابط
تفريغات

وقفات مع قصة موسى عليه السلام


ولتعلم أن الذي يتوجه إلى الله عز وجل بقلبه فإنه لا يخيبه إنك لو قصدت رجلا شريفا نبيلا وقلت له: احمني فإنه لا يسلمك إلى عدوك لأن هذا هو المناسب لكرمه وحلمه ونبله وشرفه لما خرج سفيان الثوري رحمه الله هاربا من الخليفة لقيه أحد عمال الخليفة وكان رجلا جوادا كريما اسمه معن بن زائدة فلما لقيه معن وكان لا يعرفه قال له: من أنت قال: أنا عبد الله بن عبد الرحمن فقال: نشدتك الله لما انتسبت إلي لأنه بإمكان أي واحد في الدنيا أن يقول: أنا عبد الله بن عبد الرحمن فناشده الله أن ينسب نفسه

بقلم: أبو إسحق الحويني
1007
الوجود الصهيوني: بين العنف وسياسة الإحلال | مرابط
اقتباسات وقطوف

الوجود الصهيوني: بين العنف وسياسة الإحلال


والكيان الصهيوني غرس غرسا في فلسطين ليلعب دورا قتاليا ضد المنطقة العربية وعلى مستوى من المستويات يمكن القول إن المشروع الصهيوني كان يهدف إلى نقل الفائض البشرى اليهودي من أوروبا إلى فلسطين وتحويله إلى مادة قتالية تخدم المصالح الغربية

بقلم: عبد الوهاب المسيري
572
افهم حاجتك لرمضان | مرابط
مقالات

افهم حاجتك لرمضان


افهم حاجتك لرمضان في أول الشهر عسى أن تنفض عنك الكسل. فاذكر أن الله قد خلق الإنسان ضعيفا يذنب ويغلبه الهوى والشيطان والنفس. ثم رحم الله المؤمنين ومن عليهم بأعمال إذا عملوها محيت جميع خطاياهم إلا الكبائر فإنما تمحى بتوبة تخصها. وأما بقية الخطايا كلها وهي أكثر تفريط ابن آدم فتمحى بتلك الأعمال. ومن الله على المؤمنين بأن جعل هذه الأعمال هي: واجبات الدين العظمى

بقلم: خالد بهاء الدين
377