الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام

الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام | مرابط

الكاتب: د فهد بن صالح العجلان

2404 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

هل تجد فرقًا بين النصّين التاليين:

-الإسلام الصحيح لا يخالف العقل.
-العقل الصحيح لا يخالف الإسلام.

 

قد يكون الشخص حين يستعمل هذه العبارة يقصد بها معنى صحيحًا، فهو يريد أن الإسلام الصحيح لا يخالف العقل الصريح، فأي خطأ فهو إما إلى رأي منسوب إلى الإسلام وليس هو من الإسلام وإما هو شيء يظنّ أنه من العقل وليس من العقل، كما هي قاعدة شيخ الإسلام الشهيرة في أنّ التعارض الذي يتوّهم بين العقل والنقل إما هو لكون النقل أو العقل غير صحيح.

 

فهو يريد هذا المعنى سواء قال بالعبارة الأولى أو العبارة الثانية.. فهذا أمره هين، وكما قال العلماء من قديم "لا مشاحة في الاصطلاح" خاصة حين يكون في سياق معين ولا يترتب عليه أي تلبيس. غير أننا حين ندقّق في العبارتين سنجد أن ثم فرقًا كبيرًا بينًا بينهما، وكثير من الناس يختار أحد العبارتين قصدًا وعمدًا لأنه يعرف حقيقة الفرق بين الإطلاقين.

 

الفرق بين العبارتين

 

فالعبارة الصحيحة هي العبارة الثانية التي تقول "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام"
وأما العبارة الأولى القائلة "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فمشكلة وملبسة.

 

لماذا؟

لأن العبارة الأولى الخاطئة جعلت العقل هو المرجع والأصل والأمر الثابت الذي يجب على الإسلام أن لا يخالفه، فإن حصل خلاف فإنه يجب الرجوع إلى الإسلام لمعرفة سبب المشكلة، وحينها فيجب تقييد الإسلام وإخراج الصحيح منه الذي لا يخالف العقل. هذه العبارة لم تقيد العقل، جعلته عقلًا مطلقًا، هو أصل وغاية تحاكم إليه الأمور، وبالتالي فأي معارضة له فلا يمكن أن تكون ذات العقل، بل هي من الشيء الآخر.

 

والخطأ الآخر في العبارة أنها قسّمت الإسلام إلى إسلام صحيح وإسلام غير صحيح. وهذه قد يفهمها بعض الناس على أنّ المقصود بعض التفسيرات الخاطئة للإسلام. لكن هذا خطأ، ومفهوم لا يصحّ لنا أن نقبله، لأن الإسلام واحد، ومصادره محددة، خاصة حين نتكلم عن القطعيات والنصوص الظاهرة، ودور الشخص ليس أن يأخذ من الإسلام الصحيح ويترك الباطل، بل دوره أن يجتهد ليعرف ما ذا يريد الإسلام.

 

ففرق بين قارئ ينظر في الإسلام ليأخذ الصحيح ويترك الباطل. وقارئ يبحث عن ما هو الإسلام ليعمل به.

 

أعرف أن أكثر الناس لا يقصدون به إلا المعنى الصحيح ولا يفطنون لمثل هذه الفروقات، لكنها فروق مقصودة عند بعض الناس، فمن المهم استحضارها،
فأنا حين أقسم العقل إلى صحيح وباطل، فمعناها أنّي لا أؤمن به مطلقًا، بل لديّ مرجعية أعلى منه تجعلني أحاكم هذا العقل وأعرف ما فيه من خطأ وهوى وصواب وقطع، وهو المعنى الذي يسلّم به عامة المسلمين.

 

وهو مؤذٍ كثيرًا لبعض من لديه إشكالية مع النصّ الشرعي، فلا يريدنا أن نتعامل مع العقل بهذه الطريقة، ومن الدهاء العلمي لديهم أن قلبوا الطاولة فأصبحوا يمارسون على النصّ ذات المنهج الذي يمارس على العقل، فأصبحت النصوص بحدّ ذاتها والإسلام بحدّ ذاته لا قيمة له حتى يكون صحيحًا، وكأن الأصل فيه أن لا يكون صحيحًا، وبالتالي فمطالبتك باتباع الإسلام واتباع النص غير مؤثرة، لأن المهم ليس هو الإسلام والنص بل الإسلام الصحيح والنص الصحيح.

 

وهذا الكلام ليس محصورًا على العقل، بل يقال مثله في أشياء أخر، فالإسلام الصحيح لا يعارض الوطنية، والإسلام الصحيح لا يعارض المدنية، والإسلام الصحيح لا يعارض التقدّم والعلم، والإسلام الصحيح لا يعارض التسامح.. ودواليك من المفاهيم المعاصرة، فبدلًا من أن تكون هذه المفاهيم محكومة بالإسلام، فيؤخذ ما فيه من حقّ ويتحفّظ على الباطل، أصبحت هي بحدّ ذاتها مفاهيم مطلقة وكلية ويجب على الإسلام أن لا يعارضها، فإن عارضها فابحث عن المعنى الصحيح، والمعنى الصحيح طبعًا ليس هو ما يدلّ عليه الكتاب والسنة بل ما لا يعارض هذه المفاهيم.

 

الإشكالية الحقيقية

 

الإشكالية أيها الفضلاء إنما تكون في حال التعارض، فحين يتعارض الإسلام مع بعض هذه المفاهيم، فالمنهج الصحيح أن نأخذ بالإسلام ونقيد هذه المفاهيم، وهذا ما تقرره قاعدة "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام" فإن حصل تعارض فإن الخطأ حينها سيكون على العقل لأنه لو كان صحيحًا لما عارض، فلما عارض علمنا أن العقل غير صحيح.
وأما حين تقول "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فإذا حدث تعارض فإن الخلل في الإسلام إذا لو كان صحيحًا لما عارض.

 

والإشكالية الأكبر .. أن معرفة الصحيح من الإسلام وغير الصحيح لن تكون بناءً على نظر في الإسلام ذاته، بل سيكون في الأخذ يما يريده العقل أو غيره، فما في هذه المفاهيم فهو ما يجب على الإسلام قبوله، وهو معنى ينقلب تمامًا حين تكون العبارة "العقل الصحيح" لأن العقل سيقيد بما يوافق الشريعة.

 

وأكرر مرة اخرى .. أن أكثر الناس إنما يقصدون المعنى الصحيح سواء كان العبارة الاولى أو الثانية، ولا إشكال في هذا، لكن من المهم أن يدرك الشخص مثل هذه الفروق خاصة حين يقرأ لبعض من لديه إشكالية في التعامل مع النصّ الشرعي.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alajlan/82.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل-والنقل
اقرأ أيضا
في معاني تفضيل عشر ذي الحجة | مرابط
تفريغات

في معاني تفضيل عشر ذي الحجة


من مقتضيات ومعاني التفضيل لهذه العشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها محترزات ومنهيات في بعض الأعمال فالزمن والمكان الذي يقع فيه نهي بفعل من الأفعال آكد من غيره لأن هذا تعظيم له ومكة أعظم من غيرها لأنها حرم فيحرم أن ينفر الصيد وكذلك أن يعضد الشوك ونحو ذلك.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
280
العقل والغيبيات | مرابط
فكر

العقل والغيبيات


أرسل إلي أحد الأصدقاء هذا السؤال: جملة العقل لا يدخل في الغيبيات هل هي هكذا صحيحة على إطلاقها؟ وما التفصيل؟ إليكم الرد

بقلم: د. سلطان العميري
268
شبهة حول الجنة والخمر | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة حول الجنة والخمر


من الشبهات السطحية التي يروجها العلمانيون حول الإسلام يقولون إذا كان الله لا يجعل المحرم جزاء للمؤمنين فما باله جعل الخمر جزاء لهم وفي هذا المقال الموجز يقف بنا الدكتور منقذ السقار حول حقيقة هذه الشبهة ويفصل لنا الرد عليها

بقلم: منقذ السقار
797
الداعية الجوكر | مرابط
مقالات

الداعية الجوكر


ظهر الجوكر في المسلمين بحلة جديدة فهو الذي يقيم الحلقة ويخلطها بالدعوة فلا يتخول الناس بها من باب ساعة وساعة بل هي الأصل فلا يأنف من تقليد المغنيين ولا التغني بأغاني الفساق ولا يستوحش من القيام بالحركات الدنية وكل خوارم المروءة من أخذ الصور مع الفسقة ومجالستهم ليس لنصحهم وإنما للحديث عن اختلاف الرأي

بقلم: قاسم اكحيلات
570
آداب النوم | مرابط
تفريغات

آداب النوم


عبد الله إذا كنت لا تدري إذا صعدت روحك إلى بارئها حال النوم أتكون ممن تمسك روحه فلا يقوم أم ممن ترسل لتكمل بقية أجلها فليس يليق بك أن تودع الدنيا بالفجور والعصيان أو يكون آخر ما يقرع سمعك ألحان وغناء وأصوات الموسيقى والتخيلات الباطلة بل ودع الدنيا بخير ما ينبغي أن تودع به ثم نم على ذكر الله تبارك وتعالى واحتسب نومتك عبادة عند الله وتذكر دائما أنها ربما تكون آخر نومة تنامها فاشكر الله على عافيته وكفايته وإيوائه لك

بقلم: خالد الراشد
752
شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها


يقول بعض المنكرين والرافضين للحجاب: إن الحجاب هو عدو حرية المرأة وانطلاقها لتعبر عن نفسها إنه يجعل المرأة كخيمة متنقلة ويأسر جمالها ويمنعه من أن يعبر عن حيوية هذا الإنسان المبدع والحقيقة أن هذه شبهة حادثة في عصرنا وإليكم الرد عليها والجواب الكافي المبين لما تنطوي عليه من أباطيل وأخطاء

بقلم: سامي عامري
930