الفروق بين الجنسين

الفروق بين الجنسين | مرابط

الكاتب: مجلة أوج

455 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قد تكون فكرة الفروق بين الجنسين بغيضة بالنسبة للبعض هذه الأيام، ولكن الإسلام يطالب بأن نعترف بها كواقع هام. يقول الله تعالى "وليس الذكر كالأنثى" إن رفض الاعتراف بالاختلافات التي خلقها الله في الكون بما فيها الاختلافات بين الجنسين لا يتعارض فقط مع الحقائق المقدسة البينة، بل يضرب أيضًا أساس الأسرة والمجتمع.

أي مناقشة للفروق بين الجنسين في الإسلام ينبغي أن تسبقها كلمات النبي، صلى الله عليه وسلم "النساء شقائق الرجال" يبين الخطابي، رحمه الله، أن من بين المعاني المقصودة هنا هو أن أي حكم شرعي في الإسلام ينطبق تلقائيًا على الذكور والإناث ما لم يوجد دليل نصي يثبت اختلافا.

بعض هذه الاختلافات تتعلق بالشعائر مثل أن النساء يعفين من الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس، وبعضها الآخر يتعلق بالمجال الاجتماعي؛ مثل التعامل بين الرجال والنساء في المجتمع.

يتفق العديد من المسلمين وغير المسلمين -صراحة أو ضمنا- على أن هناك اختلافات جوهرية بين الذكور والإناث رغم أنهم قد يختلفون في الرأي ويتعرضون لقلق حاد حول موضع هذه الاختلافات، وما قد تعنيه، وكيف تقام العدالة في ضوئها، بالنسبة للمسلمين الذين تعتبر مرجعيتهم العليا خالق الذكور والإناث (لا ذاتية الإنسانية العلمانية)، وهو العادي الذي كلف البشر باخترام العدالة، يكون من المتوقع أن بعض الحقائق الأولية عن الوجود وعن طبيعتنا الإنسانية وحقوق ومسؤوليات كل منا تحدد بوضوح تماما كما هي في القرآن والسنة الصحيحة.

ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه الاعتراف بالفوارق بين الجنسين اليوم هو ميل المجتمعات الحديثة إلى قياس قيمة النساء اليوم بمقارنتهن بالرجال بدلا من مقارنتهن بأفضل النسخ الممكنة من  أنفسهن (أقصى إمكاناتهن). الآثار الاجتماعية والنفسية والعاطفية السلبية لهذه المقارنة المضللة مروعة.

تشجيع النساء على تقدير قيمتهن الذاتية بمقارنتها بالرجال ضرر جسيم بالمرأة والمجتمع؛ ﻷنه يستند إلى الاعتقاد بأن عمل الرجال أكثر قيمة من عمل النساء. وما فعله هذا التفكير في الواقع أن جعل الذكر المثل الأعلى الذي ينبغي أن يتطلع إليه كلا من الرجال والنساء. المرأة التي تطمح إلى أن تكون مثل الرجل -كمثلها الأعلى- لا تؤدي إلى تآكل مواطن قوتها الأنثوية فحسب، بل يجعلها هذا في مفارقة مأساوية تطارد الأهداف التي وضعت من قبل الرجال ولأجلهم. وسواء أكانت المرأة تطمح إلى أن تكون من جنود المشاة البحرية الأمريكية، أو أي شيء آخر تسعى من خلاله لإنكار الفروق بين الجنسين فهذه المطامح تنطوي على العيش في ظل شخص آخر.

يقدم الإسلام للمرأة حرية أكثر معقولية من خلال الإصرار على أن للمرأة قيمة بطبيعتها وأنها تقدم مساهمات أنثوية بدونها لا يمكن لمجتمع صحي أن يزدهر. عندما كان العرب معتادون على دفن بناتهم الرضع أحياء معتبرين إياهم مسؤولية مخزية (مقارنة بالفتيان الذين بإمكانهم القتال والكسب)، لم يدافع النبي، صلى الله عليه وسلم، عن قضية المرأة بإقرار المقياس الخاطئ الذي استخدمه المجتمع في ذلك الوقت. لم ير بأن النساء ينبغي تكريمهن لأنهن كن أقوياء جسديا في المعركة مثل الرجال، أو لأن بإمكانهن تحقيق نفس القدر من الفوائد الاقتصادية للقبيلة مثل الرجال. وبدلا من ذلك أصر على أن يقدرن بسبب طبيعتهن المختلفة. وذكرنا -صلى الله عليه وسلم- بالعطف على أمهاتنا ثلاث مرات قبل الآباء

ويسلط القرآن الضوء على أن الاحتفاء بالأمهات يبرره فضائل الأعمال التي يلتزمن بها تجاه أبنائهن من حمل وولادة ورضاع وفطام. وعلمنا -صلى الله عليه وسلم- أن تربية ابنتين بحرص من شأنه جعل الشخص قريبًا من أفضل أنبياء الله في الجنة. وأن قيمة الرجل عند الله ترتبط ارتباطا وثيقًا بكيفية معاملته لزوجته وراء الأبواب المغلقة، وكيف يحمي عائلته بتفان من المخاطر.

للأسف، العديد من مناقشات حقوق المرأة في العصر الحديث تردد نفس العقلية المادية البالية التي جاء الإسلام لعلاجها. في هذه النظرة العالمية السعي وراء مهنة مربحة ماليا الطموح الوحيد الجدير بالاهتمام، في حين أن اختيارات مثل التخصص في الأمومة أو التدبير المنزلي يقلل منها. ولهذا السبب نجد أن الحياة المكرسة للأمومة وأعمالها البطولية أصبح ينظر إليها من قبل الكثيرين على أنها هدر ذريع؛ ﻷنها لا تؤدي إلى النمو الاقتصادي.

وقد وصفت Mayo Clinic إثقال النساء بالعبء والتقليل المستمر منهن، في مقالة صدرت مؤخرا بعنوان (الاكتئاب عند النساء فهم الفجوة بين الجنسين)، والتي تذكر أن (إصابة النساء بالاكتئاب حوالي ضعف عدد إصابة الرجال، وأن هناك عدة عوامل قد تزيد من احتمالية إصابة النساء بالاكتئاب.. فغالبا ما تعمل النساء خارج المنزل ومع هذا يتحملن مسؤوليات المنزل أيضًا.. وتتصدى العديد من النساء لتحديات إعالة الأسرة منفردات؛ مثل العمل بوظائف متعددة لتغطية النفقات. أيضًا، قد تقوم النساء برعاية أطفالهن بينما يقمن أيضًا برعاية المرضى أو كبار السن، من أفراد الأسرة). وتقترح المقالة أيضًا أن التغيرات الهرمونية في مختلف مراحل حياة المرأة (ألحمل والنفاس، وانقطاع الطمث، وما إلى ذلك) المصحوبة بمثل هذه الضغوطات، قد تساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالاكتئاب في النساء أكثر من الرجال.

ومن المؤكد أن قيمة المرأة لا ترتبط بالحمل والأمومة. العديد من النساء التقيات لم يلدن أطفالا ومنهن السيدة عائشة رضي الله عنها، والتي على صدرها لفظ حبيبنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أنفاسه الأخيرة، ولإسهاماتها الفكرية الهائلة سيظل المسلمون مدينون لها. كما لا يقلل من قيمتها عدم قدرتها على جذب أفضل الخاطبين لها، لئلا نستهين ببعض ممن هن أكثرهن تقوى عبر التاريخ ممن لم يتزوجن قط، أو أولئك اللاتي تزوجن من مفسدين؛ مثل آسية -رضي الله عنها- زوجة فرعون. لكن، على نحو مشابه جعل الغرض النهائي للإنسان أي أهداف مادية، شيء خلق الناس جميعًا -رجالا ونساء- لتجاوزه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

إن سيل الرسائل التي تترد في مجتمع مادي لا يجعل فقط بعض النساء ستخففن بالأمومة، لكن يجعل أيضًا بعض الرجال يشعروا بانخفاض القيمة عندما يشعرون بأن كل ما يقومون به هو إعالة أسرهم (فقط)، من خلال أي وظيفة يمكنهم الحصول عليها، ومثلما يجد النساء أنفسهن غير راضيات عندما يقارن أنفسهن بالرجال من حيث العمل خارج المنزل والقدرة على الكسب، يشعر العديد من الرجال بالغضب عندما ينافسون بعضهم البعض في سباق الفئران من أجل الحصول على وظائف ذات راتب أعلى ومناصب أكثر بريقًا. يوضح هذا المأزق جانبا آخر للحرية في الإسلام وهو أنه: لا ينبغي أبدًا قبول الثروة المادية كعامل حاسم للقيمة في مجتمع عادل. كل البشر لهم قيمة ومكرمون بحكم إنسانيتهم، ثم يتمايزون أكثر في ضوء إخلاصهم لله، وكيف يتصرف كل منهم بإمكانياته الفريدة التي وهبها الله له.

 


 

المصدر:

مجلة أوج

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الفروق-بين-الجنسين
اقرأ أيضا
قصة الحروب الصليبية الجزء الثاني | مرابط
تاريخ

قصة الحروب الصليبية الجزء الثاني


الحروب الصليبية هي سلسلة الحروب التي شنها المسيحيون الأوربيون على الشرق الأوسط للاستيلاء على بيت المقدس ومنذ أن انتصرت القوات الإسلامية على القوات البيزنطية في معركتي اليرموك وأجنادين في عام 13 هجريا منذ ذلك الوقت والإسلام يهاجم الصليبيين ويفتح أراضيهم وظل الصليبيون يترقبون الفرصة والزمن المناسب للأخذ بالثأر ورد الفعل وهكذا كانت أحسن الفرص للانتهاز في القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي والمقال الذي بين يدينا يقف بنا على أهم مراحل الحروب الصليبية وأبرز أحداثها ونتائجها

بقلم: موقع قصة الإسلام
2053
الجنة قريبة ممن عمل | مرابط
مقالات

الجنة قريبة ممن عمل


يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قولك: الحمد لله تملأ الميزان. وهو ميزان يوم القيامة الذي ستقف عنده يوم الحساب تزن حسناتك وسيئاتك وتجادل عنده وربما ستفتش عن كلمة واحدة تثقل بها كفة الحسنات لتنجو!

بقلم: خالد بهاء الدين
359
فاحكم بينهم أو أعرض عنهم | مرابط
فكر مقالات أباطيل وشبهات

فاحكم بينهم أو أعرض عنهم


يناقش هذا المقال قول من استدل بالآية فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم على أن من رفض أن يحكم بالشريعة فلا يلزم بها فلا بد أن يختارها ويؤمن بها وحين لا يكون مؤمنا بها لا يكون ملزما كما خير الله في هذا الآية نبيه صلى الله عليه وسلم في أن يحكم بينهم أو يعرض عليهم ولو كان الحكم ملزما لما حصل اختيار

بقلم: فهد بن صالح العجلان
2392
عصر انتكاس الفطر | مرابط
النسوية الجندرية

عصر انتكاس الفطر


تخيل لو حقق قوم لوط تقدما تكنولوجيا كبيرا وحازوا العلوم الدنيوية كلها هل كان ذلك يشفع لهم عند الله؟ هل يمكن أن يوصفوا بأن حضارتهم أفضل وأكثر تقدما؟ قطعا لا! لن يمكنك أن تصفهم بهذا الوصف بعد أن غرقوا في ظلمات اللوطية وبعد أن انتكست فطرتهم وانقلبت رأسا على عقب فارتضوا اللواط..

بقلم: محمود خطاب
650
فلسفة الصوم | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

فلسفة الصوم


الصيام عبادة مستغربة أو منكورة في جو الحضارة المادية التي تسود العالم إنها حضارة تؤمن بالجسد ولا تؤمن بالروح وتؤمن بالحياة العاجلة ولا تكترث باليوم الآخر ومن ثم فهي تكره عبادة تقيد الشهوات ولو إلى حين وتؤدب هذا البدن المدلل وتلزمه مثلا أعلى إن الأفراد والجماعات في العالم المعاصر تسعى راغبة لتكثير الدخل ورفع مستوى المعيشة ولا يعنيها أن تجعل من ذلك وسيلة لحياة أزكى وفي المقال يقف بنا الكاتب أمام فلسفة الصوم

بقلم: محمد الغزالي
1553
شبهة: هل رويت السنة باللفظ أم بالمعنى؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: هل رويت السنة باللفظ أم بالمعنى؟


والذين أجازوا الرواية بالمعنى إنما أجازوها بشروط وتحوطات بالغة فقالوا: نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ أما العالم بالألفاظ الخبير بمعانيها العارف بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوزوا له ذلك وإلى هذا ذهب جماهير الفقهاء والمحدثين.

بقلم: محمد أبو شهبة
302