الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد

الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد | مرابط

الكاتب: د. سلطان بن عبد الرحمن العميري

461 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أصول الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد، يتحصل في الأمور التالية:

الأمر الأول: تقليص دائرته، فإن كثبرا منهم جعل دائرته مقتصرة على إثبات معنى الربوبية والأسماء والصفات، وهذا خلل كبير، فدائرة التوحيد أوسع من ذلك، فإن من أهم ما يدخل فيها توحيد الله تعالى في استحقاقه للعبادة وإفراده بها دون ما سواه.

الأمر الثاني: الانحراف في حقيقة ما أثبتوه من أنواعه، ومعنى ذلك أنه مع تقليص كثير من المتكلمين لدائرة التوحيد إلا أنهم لم يصيبوا تمام الإصابة فيما أثبتوه، وإنما دخل عليهم الخلل من جهات كثيرة، فلم يجعلوا توحيد الربوبية فطريا، ولم يثبتوا تمام صفات الله تعالى، ولم يصيبوا في أدلة ما أثبتوه.

الأمر الثالث: اعتقاد كثير منهم الترادف بين الربوبية والألوهية، وذلك بجعل الإله والرب بمعنى واحد، ونفسيرهم للإله بأنه القادر على الاختراع، وقد سبق مناقشة ما في هذا الأمر من حلل.

وقد جاء في بعض كلام ابن تيمية ما يشير إلى أنه قول لجميعهم، ولكنه بين في مواضع أخرى أنه قول لبعضهم،  فإنه قول لبعض المتكلمين، كبعض متقدمي الأشاعرة وكثير من المتأخرين منهم وليس قولا لجميعهم، فإن بعضهم فق بين معنى الربوبية والألوهية واستدل بالأول على الثاني كما سبق بيانه.

الأمر الرابع: تغليب الاهتمام بالربوبية على الألوهية، ومعنى ذلك أن المتكلمين غلب عليهم الاشتعال بتفاصيل توحيد الربوبية والأسماء والصفات على توحيد الألوهية، فذكرهم لما يتعلق به كثيرًا جدًا.

ومن خلال هذا البيان يتضح لك أن المتكلمين لم يعقلوا توحيد الألوهية ولم ينكروه، وإنما أغفلوا الاشتعال به، والناظر في مصنفات المعتزلة والأشاعرة والماتريدية يجد مادة واسعة في بيان حقيقته وشرح أدلته وبراهينه وذكر لعدد من التفاصيل المتعلقة به، ولكنها لا تساوي ما فيها من مواد متعلقة بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولا تساوي منزلته في دين الله تعالى.

الأمر الخامس: الانحراف في تحديد غايته، فقد جعل كتير منهم أعلى ما في التوحيد إثبات وحدة الله تعالى في ربوبيته، يقول محمد عبده في تعريف التوحيد: “وسمي بذلك بأهم أجزائه، وهو إثبات الوحدة لله تعالى في الذات والفعل في خلق الأكوان”

الأمر السادس: الانحراف في معنى التوحيد في اللغة، وذلك أن كثيرا من المتكلمين يجعلون من معاني التوحيد في اللغة ما لا ينقسم، أو ما ينفى عنه الصفات، وفي بيان هذا الخلل يقول ابن تيمية: "ليس في كلام العرب بل ولا عامة أهل اللغات أن الذات الموصوفة بالصفات لا تسمى واحدًا ولا تسمى أحدًا في النفي والإثبات بل المنقول وبالتواتر عن العرب تسمية الموصوف بالصفات واحدا وأحدا حيث أطلقوا ذلك ووحيدا قال تعالى: "ذرني ومن خلقت وحيدا" وهو الوليد بن المغيرة.

وقال تعالى: "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"، فسماها واحدة وهي امرأة واحدة متصفة بالصفات بل جسم حامل للأعراض، وقال تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله"، وقال تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره"، وقال تعالى "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" .. فإن كان لفظ الأحد لا يقال على ما قامت به الصفات، بل ولا على شيء من الأجسام التي تقوم بها الأعراض ﻷنها منقسمة، لم يكن في الوجود غير الله من الملائكة والإنس والجن والبهائم من يدخل في لفظ أحد، بل لم يكن في الموجودين ما يقال عليه في النفي أنه أحد"


المصدر:
د. سلطان العميري، المسلك الرشيد في شرح كتاب التوحيد

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-المتكلمين #حقيقة-التوحيد
اقرأ أيضا
آداب النوم | مرابط
تفريغات

آداب النوم


عبد الله إذا كنت لا تدري إذا صعدت روحك إلى بارئها حال النوم أتكون ممن تمسك روحه فلا يقوم أم ممن ترسل لتكمل بقية أجلها فليس يليق بك أن تودع الدنيا بالفجور والعصيان أو يكون آخر ما يقرع سمعك ألحان وغناء وأصوات الموسيقى والتخيلات الباطلة بل ودع الدنيا بخير ما ينبغي أن تودع به ثم نم على ذكر الله تبارك وتعالى واحتسب نومتك عبادة عند الله وتذكر دائما أنها ربما تكون آخر نومة تنامها فاشكر الله على عافيته وكفايته وإيوائه لك

بقلم: خالد الراشد
752
المدرسة العقلانية المعاصرة | مرابط
فكر تفريغات

المدرسة العقلانية المعاصرة


الآن نتكلم على قضية الذين يقدمون آرائهم على الكتاب والسنة وبالذات من المعاصرين يعني ما يسمى بالمدرسة العقلانية المعاصرة طبعا ينتمي إلى هذه المدرسة عدد من المعاصرين استطاعوا أن يقعدوا لها قواعد ويضعوا الأصول الخاصة بهم وبالطبع درجات انحرافهم متباينة ومتفاوتة وهذا ما سنعرفه

بقلم: محمد صالح المنجد
2516
هل نقل شيء من القرآن بطريق الآحاد | مرابط
أباطيل وشبهات

هل نقل شيء من القرآن بطريق الآحاد


يقول بعض المشككين أن القرآن لم ينقل كله بالتواتر بدليل أن زيد بن ثابت لم يجد خاتمة سورة براءة إلا مع خزيمة الأنصاري وهو صحابي واحد إذ يقول زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم إلى آخرهما وبين يديكم الرد على هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
897
نحن مثلكم ننتقد الدين | مرابط
فكر مقالات

نحن مثلكم ننتقد الدين


في عالمنا الإسلامي -العربي منه وغير العربي- مخلوقات غريبة تريد أن تجمع بين المتناقضات ولا تريد مع ذلك أن يعترض على تناقضها معترض يريدون أن يقولوا لإخوانهم الذين كفروا من أهل الغرب: إنما نحن مثلكم ننتقد الدين كما تنتقدون ولا نلتزم به كما أنكم لا تلتزمون ولا نترك فرصة للسخرية منه ومن المستمسكين به إلا اهتبلناها كما تهتبلون ونرى كما ترون أنه من حق الأديب والفنان أن ينتقد قيم المجتمع ومعتقداته ويدعو إلى نبذها لأنه لا يكون أديبا أو فنانا مبدعا إلا إذا فعل كل هذا بحرية كاملة كما تفعلون

بقلم: الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس
676
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت | مرابط
اقتباسات وقطوف

إذا لم تستحي فاصنع ما شئت


مقتطفات من كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب رحمه الله وهو من أشهر وأبرز المؤلفات الجامعة لأصول وكليات الدين

بقلم: ابن رجب الحنبلي
482
من معينات الخشوع | مرابط
تفريغات

من معينات الخشوع


يجب أن يهيئ الإنسان لنفسه موضعا للصلاة الآن بالنسبة لمن يصلي في البيوت النساء الشيوخ الأطفال العجزة على كل حال من يصلي في البيت هذا يجب أن يهيئ له موضعا يكون هادئا وقد كان الأسلاف يتخذون في دورهم مساجد يصلون فيها

بقلم: سعيد الكملي
389