قال الكاتب: " جاء في سورة الروم: "ومن آياته يريكم البرق خوفًاوطمعًا، وينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
"وروى البخارى في صحيحه عن أبى موسى الأشعرى قال: خسفت الشمس فقام النبى فزعًا يخشى أن تقوم الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيا موركوع وسجود، ما رأيته قط يفعله، وقال: " هذه الآيات التى يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا حياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ". (البخارى).
الشبهة
وبعد أن ذكر الكاتب التفسير العلمى للبرق، والكسوف، والخسوف كما هو مقرر في الكتب المدرسية قال: " إذن فالواضح أنه ليس الهدف من البرق أن يخوف الله البشر، أو الهدف من الكسوف ما ظنه البعض بجهالة أنه لموت إبراهيم (ابن النبى)، أو خشية قيام الساعة بل الأمر مجرد ظواهر طبيعية عادية، وهذا هو فضل العلم الحديث على البشرية جمعاء، ولكنهم لم يكونوا يدركون ذلك بعد، وكان تفسيرهم لتلك الظواهر نابعًا من استنتاجات محدودة ".
الرد
ونقول: هذه الظواهر الطبيعية العادية كما يسميها الكاتب هى آيات الله في منطق المؤمنين به. . فحياة الأرض بعد نزول الماء آية وإن سماها ظاهرة طبيعية، والتفريغ الكهربى الناشئ من تلاقى السحب آية سواء أحدث صوت الرعد أم ضوء البرق.
ورجاء الناس في أن تهمى هذه السحب طمع في محله لا يستغرب، وخوفهم أن يكون البرقوليد سحاب جهام لا خير فيه خوف في محله لا يستنكر. ولو خشوا أن يتحول التيار الكهربائى إلى صواعق مهلكة فخشيتهم طبيعية لا نكير عليها. .
أما تصور الكاتب أن الناس تخاف البرق لأن عفريتًا يصنعه فهذا تصور أطفال، والآية التى أوردها عن البرق والمطر واحدة من ثمانى آيات متتابعة تصف ما يسميه ظواهر طبيعيةوصفًا جليلًا رائعًا يحييه العلماء من قلوبهم.
أما قصة الكسوف فلا ندرى مقدار العمى الذى كان صحب الكاتب وهو يذكرها، لقد وهل الناس أن الشمس كسفت لموت إبراهيم بن النبى عليه الصلاة والسلام، فقام النبى ينفي ذلك بشدة مؤكدًا أن الكسوف والخسوف آيات إلهية، أو بالتعبير الحديث ظواهر طبيعية.
وزهد صاحب الرسالة في المجد الذى أتاحته الظروف! ! وكان فيوسعه أن يسكت تاركًا هذا الظن يستقر، ولكنه أبى، وأمر أتباعه بالصلاة تحية لرب الأرض والسماء، وانحناء أمام عظمة مسير الكواكب في الفضاء.
أهذا مسلك يعاب؟! شاهت الوجوه..
ومعروف في سيرة النبى الكريم أنه كان شديد الرقابة لله، شديد الخشية منه، وربما تعصف الريح فيقلق خشية أن تكون ريحًا مدمرة يعذب الله بها المتمردين عليه، فهل قالوا: إن هبوب الريح من علامات الساعة؟
وهل خوف النبى من أن يكون الكسوف إيذانًا باقتراب الساعة يدل على شىء أكثر من شعوره الحى بقرب لقاء الله.
ولنترك ما حكاه " أبو موسى الأشعرى " في ذلك ولنتدبر ماذا قال الرسول نفسه عن الكسوف والخسوف؟ قال عنهما: آيتان من آيات الله. . وحسب. .
فأى اعتراض علمى على هذا؟
ويقول الكاتب: " يحدد لنا العلم أن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر "، وليس كما جاء في الحديث: " خسفت الشمس ".
الجواب: ليس هذا تحديدًا علميًا، وإنما هى اصطلاحات تواضع عليها بعض الناس لا تؤثر في طبيعة اللغة العربية التى تسمح باستعمال الكسوف والخسوف للشمس على سواء.
إن كلمة " التبشير " شاعت فيما يفرح، ولكنها لغة تستعمل فيما يسر، وفيما يسوء.
وكلمة " أصاب " أو " مصيبة " تستعمل في الآلام والمتاعب، ولكنها لغة تستعمل كذلك في الأفراح
" ما أصابك من حسنة فمن الله " (النساء: 79) و" نصيب برحمتنا من نشاء " (يوسف: 56)ولكن عبقرى أسيوط الذى لا يعرف من لغة العرب إلا نزرًا يريد أن يتصيد أخطاء لغوية لرجال البلاغة العربية.
المصدر:
محمد الغزالي، قذائف الحق، ص135