علمنة العلاج النفسي

علمنة العلاج النفسي | مرابط

الكاتب: د. إياد قنيبي

456 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المسلم له تميزه في تناول القضايا كلها، لأن الإسلام (صبغة الله) كما وصفه ربنا، فسيصبغ حياتك كلها بلونه الخاص. من ذلك موضوع العلاج النفسي، سواء الدوائي منه أو اللادوائي. والإسلام في هذا الموضوع متوازن، بخلاف تَوَجُّهَين متطرفين:

1. توجُّهٍ يقول: الأدوية والجلسات العلاجية كلام فارغ ! أقبِل على القرآن والدعاء والطاعات وسوف تتعافى من الأمراض النفسية.

2. وفي المقابل توجُّهٍ يركز على الأدوية والجلسات العلاجية مع إهمال الرسائل الإلهية في الابتلاء بالأمراض النفسية.

(وكان بين ذلك قَوامًا)...فالأدوية هي من الأخذ المشروع بالأسباب، وكذلك الجلسات العلاجية اللادوائية إذا حسُن استخدامها كما وضحت في كلمة (فكرة عن العلاج النفسي اللادوائي)، ولم يكن المعالِج متأثرًا بنظرةٍ للنفس مخالفة للنظرة الإسلامية، وهو أمرٌ ليس بالسهل 

لكن في مقابل إنكار الأخذ بالأسباب المشروعة، يقع كثير منا لا شعوريًا فيما يمكن وصفه بـ"عَلْمَنة العلاج النفسي"، بحيث تصبح هذه العلاجات "مُخَدِّرات" عن رسائل الله في أقداره.

الأمراض النفسية ابتلاءات، والكروب النفسية التي قد لا تصل إلى حد تشخيصها بالأمراض هي ابتلاءات كذلك. وهذا لا يتعارض مع وجود أسباب عضوية ومشاكل في التنشئة والتربية وكل ما يذكره النفسيون وتدل عليه الدراسات من عوامل لهذه الأمراض، كما بينتُ في كلمة (الغم والاكتئاب: ابتلاء أم اضطرابات فسيولوجية؟).

فهي في النهاية من أقدار الله، والله يحب لعباده أن يفهموا مُرادَه من أقداره، وأن يتفاعلوا معها بالعبوديات المناسبة لها: (لعلهم يضَّرَّعون)..فيريد الله من العبد أن يلجأ إليه ويتضرع ويراجع حساباته ويتخلص من ذنوبه ويتذكر الغاية من حياته ويعمل لآخرته.

هذا المعنى يغيب عادة في عملية العلاج النفسي، ويكون الهدف في العلاج إعادة المريض إلى "دنياه"، ليؤدي أدواره فيها، أو ما يُعَرِّفونه بالـ (Functionality)، أي أنْ يكون قائمًا بوظائفه "الدنيوية" أبًا كان أو أُمًا أو موظفًا أو طالبًا…

لكن تقع الغفلة عن أن يفقه المريض رسائل الله إليه من أقداره، لينفعه هذا البلاء في العمل لآخرته.
المعالج يريد أن يُخَلص المريض من المشاعر السلبية، وأن يوجد لديه الدافعية ويُحَسِّن إنتاجيته وانسجامه مع المجتمع، والمقياس في هذا كله عادة: الدنيا...أن نعيد المريض إلى "دنياه".
هذا كله مطلوب، لكن إذا غاب البعد الأخروي في الموضوع، فالعلاج يصبح مخدرًا ! بحيث يمر البلاء ولا تُفهم الرسالة الربانية !

حتى المعالج المحب لدينه قد يَذْكُر للمريض آيات وأحاديث لرفع معنوياته وإزالة كآبته، لكن المعنى المسيطر عنده وعند المريض  هو تسخير ذلك كله لـ"دنيا" المريض فحسب. بينما النظرة المتوازنة تتطلب أن يُجعل هذا البلاء مُسَخرًا لنفع المريض في دينه وآخرته مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تخليصه من مرضه.

إذا فهمنا ما تقدم فإنا نستطيع أن نفصل في النزاع القائم بين التوجُّهين المتطرفين:

التوجُّه المسخف للأدوية والعلاجات، والتوجُّهٍ الذي يعيد المريض إلى "دنياه" ويخدره عن أن يفقه رسائل ربه إليه من البلاء.
التعارض ليس موجودًا ابتداء حتى نختار أحد الطرفين ونهمل الآخر.

- وجهنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى التضرع والدعاء والطاعة لكشف الكربات كالأمراض، وإلى الاعتبار بموت من مات، وفي الوقت ذاته كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تأمر بالتلبين للمريض والمحزون على الميت، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن التلبينة تُجمُّ المريض (أي: تريح قلبه)، وتذهب ببعض الحُزن) (البخاري). والتلبينة سبب مادي، ومع ذلك فلا يتعارض مع الدعاء والعظة والاعتبار.

- عامة هذه الأفكار هي أخي المشتغل بالطب النفسي، الدكتور آدم الصقور، حيث أرسلها لي بعد كلمة ألقيتها بعنوان: (فكرة عن العلاح النفسي اللادوائي) لتكتمل الصورة. فجزاه الله خيرا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلمانية #العلاج-النفسي
اقرأ أيضا
العقل وإدراك الحقائق | مرابط
فكر تفريغات

العقل وإدراك الحقائق


إن الروح التي تسري في نفس الإنسان هي أقرب الأشياء إليه لأنها نفسه ومع ذلك فإن الإنسان يشتد جهله بها كل ما زاد بحثه عنها فالروح ليست من جنس الأشياء المشهودة التي يمكن للعقل الإنساني البحث فيها فليس لها وزن ولا لون ولا حجم ولا تدخل تحت المقاييس الإنسانية فأنى للعقل أن يعرف كنهها وحقيقتها

بقلم: عمر الأشقر
363
الاعتراض على ذبح الأنعام | مرابط
أباطيل وشبهات

الاعتراض على ذبح الأنعام


بعض الناس قد تأخذه شفقة مبالغ فيها في ذبح الحيوانات والعلمانيون والملاحدة يجمعون بطبيعتهم الأفكار الشاذة فيروجون لهذه القضية والمقال الذي بين يدينا يقف على هذا الاعتراض ليوضح المغالطات التي ينطوي عليها وما هي الإجابة العلمية على هذه الدعوى

بقلم: د هيثم طلعت
980
اهتمام السلف بالعربية | مرابط
تفريغات لسانيات

اهتمام السلف بالعربية


لقد كانت تربية السلف لأولادهم على النطق باللغة العربية وإتقانها أمرا عجيبا وذلك لأنهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن الولد لن يفهم كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا إذا أجاد اللغة العربية وكانوا يحاربون اللحن والخطأ في اللغة جدا وكان أمرهم شديدا في هذه المسألة فقد قرأ بعضهم يوما قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر:28 العلماء فاعل فهم الذين يخشون الله فقرأها: إنما يخشى الله من عباده العلماء فقال له قائل: كفرت أتنطق بالكفر؟ جعلت الله يخشى العلماء!

بقلم: محمد صالح المنجد
361
الضابط في الأمور المحدثة | مرابط
مقالات

الضابط في الأمور المحدثة


إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه: فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
286
الرجولة الحديثة | مرابط
مقالات

الرجولة الحديثة


الرجولة الحديثة يتم نسونتها وغيبت عنها معاني الخشونة وتحمل شظف العيش ونزعة العنف والصراع والصبر على الأذى والجلد كما محيت معاني تحمل المسؤولية ورعاية الضعيف والعناية بالأهل والنخوة والشهامة والمروءة والترفع عن صغائر الأمور.

بقلم: إسماعيل عرفة
343
روح العصبية الغربية | مرابط
اقتباسات وقطوف

روح العصبية الغربية


لم أستطع أن أكتشف فترة في التاريخ الأوروبي أو التاريخ الأمريكي منذ العصور الوسطى ناقش أحد فيها الإسلام أو أي فكر فيه خارج إطار صاغته العاطفة المشبوبة والتعصب والمصالح السياسية وقد لا يبدو ذلك اكتشافا يدعو إلى الدهشة ولكنه يضم في ثناياه جميع ألوان المباحث العلمية والأكاديمية التي كانت منذ مطلع القرن الثامن عشر تطلق على نفسها اسما كليا هو مبحث الاستشراق أو كانت تحاول بانتظام دراسة الشرق

بقلم: إدوارد سعيد
1934