كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟

كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟ | مرابط

الكاتب: سلطان العميري

358 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعتمد كثير من الباحثين في الحديث عن نشأة العلوم وتطورها على التدوين والكتابة في العلوم، فتراه يحدد نشأة العلوم ومراحلها بناءً على حالة التدوين فيها، فيحكم على أن علما ما نشأ في وقت كذا لأجل أن كتابا معينا ألف في مسائله، ويحكم على أنه تطور إلى مرحلة ما لأجل أن نوعا من الكتب ظهر في معالجة مسائله.

وكثير من الدارسين لعلم العقيدة اعتمدوا هذه المنهجية، فتراهم يبدؤون في بحث نشأة علم العقيدة وتطوره بقضية التدوين، ويسمون مراحل علم العقيدة بناء على ما ارتضوه من مرحلية الكتابة فيها.

ولا شك أن حالة التدوين والكتابة في العلم تعد معلما من أهم المعالم المفسرة لنشأة العلوم وتطورها، ولكنها ليست المعلم الوحيد، ولا المظهر الأكثر بيانا لطبيعة العلم تطوره، فهناك مكونات أخرى لا بد من مراعاتها في دراسة نشأة علم العقيدة وتحديد مراحل تطوره، ومن تلك المكونات:

الموضوعات

المكون الأول: الموضوعات، والمرد به أصول الموضوعات المكون للعلم وعدد أصولها وما يندرج فيها من الفروع، فيقوم الدارس بتحديد أصول الموضوعات التي كان يخوض فيها المؤسسون للعلم- علم العقيدة- ومن قبلهم، ومن جاء بعدهم، ويرصد أهم التغيرات التي حصلت فيها إما على مستوى الموضوعات الأساسية أو على مستوى الفروع المندرجة ضمن تلك الموضوعات، فينظر هل استجد موضوعات جديدة لم تكن من قبل، أو هل استجدت فروع جديدة مندرجة ضمن أصول الموضوعات السابقة.

فيقوم الدارس مثلا بتحديد أصول الموضوعات العقدية التي تناولها الصحابة رضي الله عنهم وقدموا فيها علما، ثم يقوم بتحديد أصول الموضوعات العقدية التي خاض فيها التابعون، ويقارن بينها، وهل استجد شيء من أصول الموضوعات أو فروعها عندهم أم لا، ويستمر بالمنهجية نفسها في دراسة القرون المتعاقبة.

طبيعة البحث

المكون الثاني: طبيعة البحث والمعالجة، والمراد به المنهجية المتبعة في طريقة النظر في مسائل العقيدة ومسالك التعبير عنها وأشكال تناولها، من جهة التوسع في الطرح أو الاختصار وجهة الاقتصار على العرض أو الدخول في الرد على المخالفين، ونحو ذلك.
فيقوم الدارس بتحديد المنهجية التي كان يعتمد عليها المؤسسون للعلم ومن قبلهم ومن بعدهم في تناول موضوعاتها، ويرصد أهم التغيرات التي حصلت في طريقة بحثهم لها ومسالك تناولهم إياها.

وفي خصوص علم العقيدة يبتغي على الدارس أن يقوم بتحليل المادة العقدية المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم ويحدد طبيعة تناولهم لها، ثم يقوم بتحليل المادة العقدية المنقولة عن التابعين، ويقارن بينها وبين ما عند الصحابة، ويتفحص ما استجد من التطورات في طريقة التناول ومسالم البحث والتعبير وما لم يستجد، ويستمر بالدراسة عبر القرون المتعاقبة.

منهجية الإثبات

المكون الثالث: منهجية الإثبات البناء، والمراد به المسالك المعتمدة في الاستدلال على مسائل العلم وطرقه وفي منهجية الرد على المخالفين.

فيقوم الدارس بتتبع الأدلة الحاضرة التي اعتمد عليها المؤسسون ومن قبلهم ومن جاء بعدهم في الاستدلال وتتبع طرقهم ومسالكهم في الاحتجاج والبناء، وكذلك طرقهم في نقد الأقوال المخالفة ونقضها ، ويرصد أهم التغيرات التي وقعت في هذه القضية عبر القرون المتعاقبة.

وفي خصوص علم العقيدة ينبغي على الدرس أن يرصد الأدلة الحاضرة عند الصحابة رضي الله عنهم في الاستدلال على جملة المسائل العقدية، ويدرك الأصول المنهجية التي كانوا ينطلقون منها في إثباتهم لمسائل العقيدة وفي حواراتهم للمنحرفين فيها، ويقوم بالعمل نفسه عند التابعين ومن جاء بعدهم، ويتفحص ما إذا وقعت تطورات مستجدة في هذه القضية أم لا.

التيارات والفرق

المكون الرابع: التيارات والفرق، والمراد به المذاهب والتيارات التي ظهرت في تاريخ العلم ولها منهجية مخصوصة في دراسته وبنائه والاستدلال عليه.

فيقوم الدارس بتتبع حالة علم ما ويرصد التيارات والمذاهب التي تشكلت في دائرته، واختلفت في دراسته سواء في أثناء نشأته أو بعدها، فما من علم إلا وفيه تيارات ومذاهب مختلفة، وهي مختلفة في تاريخ نشأتها وفي تطوراتها، ومكانها واتساعها وضيقها.

وفي خصوص علم العقيدة لا بد للدارس من أن يقوم برصد أهم الفرق والانحرافات التي وقعت في مسائل العقيدة، ويحدد زمن ظهورها وانتشارها ومكانها، وزمن أفولها واختفائها، وما يعد منها أصلا وما يعد منها فرعا خارجا عن غيره، من لدن زمن الصحابة ومن جاء بعدهم.

المصطلحات والمفاهيم

المكون الخامس: المصطلحات والمفاهيم، والمراد به ضبط أصول المصطلحات الحاضرة في التعبير عن الحقائق المتعلقة بعلم ما.

فيقوم الدارس بتتبع تاريخ العلم ورصد المصطلحات الحاضرة في تعبير العلماء عن مراداتهم في ذلك العلم، يحللها من جهة نشأة المصطلح وحجم حضوره وانتشاره، وهل يطلق على معنى واحد أم متعدد؟ وهل هو عام عند كل العلماء أو خاص ببعضهم؟، ونحو ذلك من المسائل.

وفي خصوص علم العقيدة لا بد للدارس أن يقوم برصد أهم المصطلحات الحاضرة في مقولات أئمة السلف من لدن الصحابة ومن جاء بعدهم، ويحدد نشأتها وإطلاقاتها عندهم وتطوراتها ومدى انتشارها وعموها وخصوصها في الأزمان المتعاقبة.

التدوين والتأليف

المكون السادس: التدوين والتأليف، والمراد به أهم المصنفات التي ألفت في جمع مسائل العلم وتوضحها والاستدلال عليها والحجاج حولها.

فلا بد لدارس علم ما أن يقوم بحديد الزمن الذي يمثل نشأة التأليف فيه، ويتتبع أهم التطورات الواقعة في منهجية التصنيف وأظهر المراحل التي مرت بها من لدن المؤسسين إلى من جاء بعدهم عبر القرون المتعاقبة.

وفي خصوص علم العقيدة فلا بد لدارسه من أن يحدد الزمن الذي تشكلت فيه النواة الأولى في المصنفات الخاصة به، ويقوم برصد التطورات التي وقعت في الكتب العقدية من أول زمن ظهور التصنيف فيه إلى زمننا الحاضر.

ومن خلال هذا العرض لمكونات البحث في نشأة العلوم وتطوراتها يظهر بجلاء بأن هذه القضية مركبة من أمور عديدة فلا بد من توفرها جميعا في معالجة تلك القضية المحورية، والتقصير في واحد من تلك المكونات يؤدي إلى تقصير في تصورها وإدراك أثرها.

ولأجل هذا فإن قضية نشأة العلوم وتطورها- علم العقيدة- من أعقد القضايا البحثية وأكثرها عمقا، وتتطلب قدرا عاليا من الاستقراء والتحليل والبناء والتركيب.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#نشأة-العلوم
اقرأ أيضا
كيف تقرأ كتابا ج2 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج2


لا بد أن تكون قراءتنا -أيها الإخوة- قراءة واعية المنهج الجاهلي يقول: القراءة للقراءة الفن للفن أي أنهم يجعلون القراءة غاية وليست وسيلة ولذلك فهم يقرءون ما هب ودب دون تمحيص ولا تمييز أما المسلم فإن القراءة عنده وسيلة لتحقيق الهدف وهو أشياء متعددة وعلى رأسها طلب العلم الذي يعرف به المسلم كيف يعبد ربه هذا الهدف الوسيلة: القراءة

بقلم: محمد صالح المنجد
457
البيئة قرارك | مرابط
مقالات

البيئة قرارك


لقد قدر الله سبحانه على العباد أحولا قهرية لم يجعل لهم فيها الخيار وذلك لكمال ربوبيته وقدرته ومشيئته فليس للعبد أن يختار هيئته وملامح وجهه ولا انتقاء والديه ونسبه ولا أرض ولادته ونشأته لكن في المقابل منحه الله تعالى حرية الاختيار بين سبيل الرشد وسبيل الغي

بقلم: د. جمال الباشا
410
الأمن نعمة من نعم الله | مرابط
تفريغات

الأمن نعمة من نعم الله


إن الأمن نعمة وأي نعمة فقد امتن الله بها على قريش إذ كانت تعيش في الجزيرة العربية حيث السلب والنهب واعتداء القبيلة على القبيلة الأخرى وفي وسط الجزيرة العربية كانت مكة واحة أمن ولذلك قال سبحانه: لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف قريش:1-4

بقلم: عمر الأشقر
633
تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق | مرابط
تاريخ

تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق


والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعا عظيما بدلا من خفضها خلافا للمزاعم المكررة على غير هدى والقرآن قد منح المرأة حقوقا إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوربية كما أثبت ذلك حينما بحثت في حقوق الإرث عند العرب أجل أباح القرآن الطلاق كما أباحته قوانين أوربة التي قالت به ولكنه اشترط أن يكون للمطلقات متاع بالمعروف...

بقلم: جوستاف لوبون
250
كيف حرمت المرأة الغربية من شخصيتها | مرابط
المرأة

كيف حرمت المرأة الغربية من شخصيتها


لقد ألحقت الحضارة الخزي بالأمهات بصفة خاصة فهي تفضل على الأمومة أن تحترف الفتاة مهنة البيع أو أن تكون موديلا أو معلمة لأطفال الآخرين أو سكرتيرة أو عاملة نظافة. إنها الحضارة التي أعلنت أن الأمومة عبودية ووعدت بأن تحرر المرأة منها. وتفخر بعدد النساء اللاتي نزعتهن تقول حررتهن من الأسرة والأطفال لتلحقهن بطابور الموظفات.

بقلم: علي عزت بيجوفيتش
276
أسلوب الوصاية | مرابط
فكر مقالات

أسلوب الوصاية


والوصاية ضد الشبهات التي تسبب رقة التدين مطلب شرعي سواء كان الذي يشيع هذه الشبهات زنديق علماني أو من متفقهة التغريب الذين يغرسون في الناس النظرة المادية للحياة ويهونون من تعظيمهم للنص باسم الخلاف ويشحنون الناس ضد المحتسبين والدعاة دوما بالسذاجة والتهور وضيق الأفق وقلة الوعي وأنهم يغرقون في كأس ماء ونحوها من العبارات التي يتشربها المستمع فتؤثر في نظرته لأهل العلم والدعاة بعامة ويجمدون مشاعر الغيرة والحمية باسم الرزانة والحكمة والهدوء ونحو ذلك

بقلم: إبراهيم السكران
2227