كيف تتفاضل الأعمال؟

كيف تتفاضل الأعمال؟ | مرابط

الكاتب: ابن القيم

241 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

إن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحدا، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض.

وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة، ويقابلها تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات، فلا يعذب.

ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكن السر الذي ثقَّل بطاقة ذلك الرجل، وطاشت لأجله السجلات لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات، انفردت بطاقته بالثقل والرزانة.

وإذا أردت زيادة الإيضاح لهذا المعنى، فانظر إلى ذكر من قلبه ملآن بمحبتك، وذكر من هو معرض عنك غافل ساه، مشغول بغيرك، قد انجذبت دواعي قلبه إلى محبة غيرك، وإيثاره عليك، هل يكون ذكرهما واحدا؟ أم هل يكون ولداك اللذان هما بهذه المثابة، أو عبداك، أو زوجتاك، عندك سواء؟

وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية، وحملته وهو في تلك الحال على أن جعل ينوء بصدره، ويعالج سكرات الموت، فهذا أمر آخر، وإيمان آخر، ولا جرم أن ألحق بالقرية الصالحة، وجعل من أهلها.

وقريب من هذا ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش يأكل الثرى فقام بقلبها ذلك الوقت، مع عدم الآلة، وعدم المعين وعدم من ترائيه بعملها ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر، وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف، وحملها خفها بفيها، وهو ملآن، حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب، من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكورا، فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فغفر لها.

فهكذا الأعمال والعمال عند الله، والغافل في غفلة من هذا الإكسير الكيماوي، الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهبا، والله المستعان


المصدر:
مدارج السالكين، ابن القيم

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-القيم #مدارج-السالكين
اقرأ أيضا
شبهة: اختلاط الرجال والنساء أثناء الوضوء في زمن الرسول | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: اختلاط الرجال والنساء أثناء الوضوء في زمن الرسول


وأما الاحتجاج بحديث: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا..فلا أدري كيف يفهم منه الاختلاط فكيف يقول النبي عن الصلاة: اخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها.. وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعا ثم يفرقهم وقت الصلاة ولا ريب أن من فهم هذا الفهم أساء بالنبي فهما وتشريعا والمقصود به غير هذا المعنى.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
361
القرآن والعلم | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

القرآن والعلم


تتجدد العلوم الإنسانية مع الزمن على سنة التقدم فلا تزال بين ناقص يتم وغامض يتضح وموزع يتجمع وخطأ يقترب من الصواب فلا يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة

بقلم: عباس محمود العقاد
2340
الحياد الأجوف | مرابط
فكر مقالات

الحياد الأجوف


لا يجد المتابع صعوبة ليدرك حجم الاختلاف وتعدد الرؤى وكثرة الأطروحات في واقعنا المعاصر بصورة هي من سمات هذا العصر ومن المؤثرات الكبيرة على أهله بالطبع هذه الأطروحات الكثيرة متباينة وواسعة المدى من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ولكل مقالة منها منتصرون ومنظرون وهؤلاء من لا أريد الحديث عنهم هنا وإنما أريد أن يكون حديثي عن الجمهور المشاهد الذي تلقى هذه الأفكار على رأسه في حرب لم يكد يشهد لها التاريخ مثالا في الضراوة والتتابع هذا المستمع والمتابع كيف يصنع مع هذه الحرب ومع أي قوم يصطف

بقلم: الشيخ حسن بن علي البار
1098
أساليب الخطاب في القرآن الكريم | مرابط
تفريغات

أساليب الخطاب في القرآن الكريم


وهذا الزمان الذي كثرت فيه الأخطاء ووقعت فيه المصائب على الأمة تعالوا ننظر إلى لغة الحوار والخطاب من الدعاة إلى المدعوين ومن العلماء إلى من يعلمون ومن المدرسين إلى تلامذتهم ومن الأزواج إلى زوجاتهم ومن الآباء إلى أبنائهم نعلم أن هناك أخطاء كثيرة وجسيمة ولكن هل هذا الزمان زمان التقريع وعد الأخطاء وجلد الظهور بالسياط وإبراز هذه المشاكل الضخمة بصورة قد تقعد صاحبها عن الحركة وعن العمل وعن إعادة الإصلاح من جديد أم زمن مد اليد وبث الأمل والتفاؤل في النفوس وإعطاء الأمة فرصة جديدة للقيام وهي لا شك ست

بقلم: د راغب السرجاني
706
هل تؤمنين بالله حقا؟ | مرابط
المرأة

هل تؤمنين بالله حقا؟


إن المرأة التي تحرص على إبراز مفاتنها عبر منعطفات جسمها وحركة لحمها وتعصر غلائل ثوبها على بدنها إمعانا في استعراض مسالك عورتها وحجم وركها! وتفاصيل أنوثتها مقبلة ومدبرة تشتهي سماع كلمة ساقطة من شاب ساقط! أو كما قالت العرب: لا ترد يد لامس! لهي امرأة غبية حقا! إنها تختزل إنسانيتها في صورة حيوان!

بقلم: فريد الأنصاري
281
اللغة وتفكك العالم العربي | مرابط
اقتباسات وقطوف لسانيات

اللغة وتفكك العالم العربي


إن الحرب التي تتعرض لها اللغة العربية ومحاولات طمسها وتحويلها إلى العامية ما هي إلا أقنعة تخفي وراءها الكثير من الأهداف السياسية والاستعمارية والثقافية والفكرية سواء علم القائمون عليها ذلك أم جهلوه وهذا مقتطف من محمود شاكر في كتاب أباطيل وأسمار

بقلم: محمود شاكر
2165