مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة

مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة | مرابط

الكاتب: أحمد عبد السلام

339 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الحمد لله؛
من محاسن تشريع الزكاة؛ رعاية نفوس الأغنياء، وعدم إضرارهم في أموالهم. فعلى عكس ما قد يظنه البعض، أن أحكام الزكاة تراعي حق الفقراء فقط، فإن الشريعة توازن بين حقوق المستحقين، وحقوق أصحاب المال.

  • فلا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المال نصابا مقدرا، لأن المال القليل لا يصلح لمواساة الغير منه، فلم تلزم الشريعة صاحبه بذلك.
  • ولا تجب إلا إذا حال الحول على المال دون أن ينقص عن النصاب، لتكون تلك علامة على أن هذا المال فائض عن الحاجات الاصلية، فيصلح أن يقتطع منه لغيره.
  • ولا يجب إلا في مال نامي، أي معدا للاستنماء، أو يكون هو نماء في ذاته، فلم تفرض الشريعة الزكاة في شيء تقتنيه للاستهلاك والانتفاع به، لأن ذلك يؤدي لتآكله.
  • ثم تراعي طريقة تنمية المال، فيتناسب القدر الواجب عكسيا مع التكاليف الأصلية، كما في زكاة الزروع فيكون الواجب هو العشر فيما سُقي بالمطر أو العيون ونحوها، ويكون نصف العشر إذا سقي بالنضح ونحوه مما فيه كلفة.
  • ثم تراعي التخفيف في (خرص المحصول) أي تقديره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع".
    وقال عمر: "خففوا عن الناس في الخرص، فإن في المال العارية، والواطئة، والآكلة".
    أي أن هذه الثمار يخرج منها قدر يأكله أهل السبيل، والمارة، والضيوف، وأرباب الثمر، وجيرانهم .. إلخ.
    فأمر بأن يراعى كل ذلك عند تقدير كمية المحصول.
  • وتنهى عن أخذ أجود المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "ﺇﻳﺎﻙ ﻭﻛﺮاﺋﻢ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ"، ﻭﻗﺎﻝ "إﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻜﻢ ﺧﻴﺮﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺸﺮﻩ".
    فلا ﻳﺆﺧﺬ ﻓﻲ اﻟﻔﺮﺽ اﻟﺘﻲ ﻭﻟﺪﺕ ﻭﻣﻌﻬﺎ ﻭﻟﺪﻫﺎ، ﻭﻻ اﻟﺤﺎﻣﻞ ولا اﻟﺴﻤﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﻋﺪﺕ للأكل، ﻭﻻ ﻓﺤﻞ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺬﻱ ﺃﻋﺪ ﻟﻠﻀﺮاﺏ، ﻭﻻ خيار المال، كل ذلك رفقا بصاحبه.
  • ومع ذلك كله فالقدر الواجب قدر صغير لا يؤثر على المال، ولا يعضل صاحبه، كما قال تعالى:《يسألونك ماذا ينفقون قل العفو》
    فهذا وكل ما مر ذكره، يؤكد أن الشريعة الربانية الحكيمة لا يمكن أن تلزمك بمواساة الفقراء على نحو يؤول بك إلى أن تكون فقيرا محتاجا.
  • ثم جعلت الشريعة وضع الزكاة في أقارب المتصدق وأرحامه المستحقين أولى، إذا كانوا ممن لا تجب نفقتهم، فإن المرء لا تطيب نفسه بأن يؤخذ ماله للغريب، وفي أقاربه من يحتاجه.
  • ثم بعد ذلك كله يبشر الله المتصدق بالأجر العظيم في الآخرة، والعوض والبركة في الدنيا، حتى تطيب نفسه بها، ويدفع عن نفسه وساوس الشح والبخل.

بل حتى في تسمية الشرع للصدقة الواجبة (زكاة) حكمة ولطف، فإن الزكاة كلمة تدل على معاني: النماء، والزيادة، والبركة، والتطهير، وكل ذلك يبشر المتصدق بأن الزكاة صيانة لماله وتطهير له، لا تنقيص منه، بل هي قرض لله يرده الله إليه أحسن مما دُفع كما قال تعالى:《ﻣﻦ ﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﻘﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻗﺮﺿﺎ ﺣﺴﻨﺎ ﻓﻴﻀﺎﻋﻔﻪ ﻟﻪ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﻘﺒﺾ ﻭﻳﺒﺴﻂ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺗﺮﺟﻌﻮﻥ》

فقارن أيها العاقل بين هذه المحاسن في شريعة الزكاة في دين الإسلام، وبين من شرائع أخرى تفرض العشور في كل شيئ، وعلى الغني والفقير، وتأخذ البكور من أموالهم، فيجب أن يدفعوا أول محصول، وأول راتب، وأول ريح تجارة، وأول نتاج حيوان ..إلخ.

وكذلك قارن هذه الشريعة الربانية بالضرائب والمكوس التي تفرضها الشرائع الوضعية، فتثقل بها كواهل الخلق، وتقتطع منهم أقواتهم الذين هم في أمس الحاجة إليها.

فالحمد لله على نعمة دين الإسلام، وصدق ربنا جل في علاه:
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
لماذا ندعو الله إذا كان كل شيء مقدر ومكتوب | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

لماذا ندعو الله إذا كان كل شيء مقدر ومكتوب


يزعم البعض أن أقدارنا كلها مكتوبة عند الله قبل أن نخلق احتجاجا بحديث الرسول فرغ ربك من ثلاث رزقك وأجلك وشقي أم سعيد فإذا كان ذلك كذلك فما فائدة الدعاء يعني لماذا ندعو الله إذا كان كل شيء مقدر والمقدر سيقع لا محالة وهنا يرد عليهم ابن حجر الهيتمي ويوضح الخطأ في شبهتهم هذه

بقلم: ابن حجر الهيتمي
3041
ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟ | مرابط
مقالات النسوية

ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟


السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها لا يوجد لها حضور في خطاب النسويات المحجبات لأنها لا تخدم أهدافهن ولا يوجد في حياتها ما يؤيد شعاراتهن إلا قصة رفضها رضي الله عنها زواج زوجها عليها وليس لهن في موقفها حجة كما هو مبين عند أهل العلم. وهذا ما يحمل المسلمة اللبيبة اليوم على عدم الاغترار بهؤلاء المفسدات بشعارات إسلامية!!

بقلم: نور الدين قوطيط
518
القرآن والعلم | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

القرآن والعلم


تتجدد العلوم الإنسانية مع الزمن على سنة التقدم فلا تزال بين ناقص يتم وغامض يتضح وموزع يتجمع وخطأ يقترب من الصواب فلا يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة

بقلم: عباس محمود العقاد
2340
المرأة المسلمة ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة ج2


كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على رغم صغر سنها يوم دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وهى بنت تسع سنين كما في الصحيح وتوفى عنها وعمرها 18 سنة ومع ذلك فقد كانت أنموذجا للحفظ والضبط والعلم حتى إنها حفظت للأمة خيرا كثيرا وقال أبو موسى -رضي الله عنه وأرضاه-: ما سألنا عائشة رضي الله عنها عن شيء إلا وجدنا عندها منه علما فهي معلمة الرجال

بقلم: سلمان العودة
548
الكلام الممدوح والمذموم عند ابن تيمية | مرابط
أبحاث

الكلام الممدوح والمذموم عند ابن تيمية


يقول ابن تيمية: والسلف لم يذموا جنس الكلام فإن كل آدمي يتكلم...فالكلام الذي ذمه السلف هو الكلام الباطل وهو المخالف للشرع والعقل. تأمل قوله كل آدمي يتكلم لتعلم أنه أراد التفريق بين مطلق الكلام وبين الكلام بالمعنى الاصطلاحي.فلا تفهم أنه أراد أن الكلام بالمعنى الاصطلاحي ليس كله مذموم بل أراد أن الكلام بالمعنى الاصطلاحي نوع يدخل هو وغيره في جنس أعم فكل آدمي يتكلم وليس كل كلام في هذا الجنس الأعم مذموم بل الذم متنزل على نوع من الكلام علم الكلام.

بقلم: ناصر آل متعب
1182
سلطة الغموض | مرابط
فكر مقالات

سلطة الغموض


هذا مقتطف من كتاب مآلات الخطاب المدني بعنوان: سلطة الغموض والكتاب من تأليف إبراهيم السكران ويتحدث عن أن كثيرا من الشباب المنبهر بأطروحات غلاة المدنية إذا دخلت معه في حوار حول أعماق قناعاته اكتشفت أنه مأخوذ بلغة الخطاب وغموضه المبهر أكثر من حقائقه وبرهنته وسلطة الغموض على شريحة من القراء هي في الحقيقة ظاهرة معرفية قديمة لا يمكن إنكارها

بقلم: إبراهيم السكران
875