من يملك حق التفسير

من يملك حق التفسير | مرابط

الكاتب: عبد الله بن صالح العجيري

2785 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

انطلاقا من قسمة ابن عباس لطبيعة التفسير القرآني "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله"، فثمة مجال تفسيري يجب أن لا يتحدث فيه إلا ذوو الاختصاص من أهل العلم، وذلك لاختصاصهم بجملة من المعارف والعلوم تؤهلهم لمثل هذا النظر الشرعي في القرآن الكريم.

 

التخصص والتقليد

 

وهذه بدهية عقلية وشرعية، بأن للمختص امتيازا في مجاله العلمي عن غيره، وعليه فمنازعة أهل العلم قراءتهم للنص الشرعي في هذا المجال التفسيري لا شك خطأ، ثم ترتيب نتائج على مثل هذه المنازعة خطأ وضلال مركب، بل الواجب على من كان جاهلا سؤال العالم "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" بدل الوقوع في مصيبة "وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" والعلم نقطة كثرها الجاهلون، ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.
 
ومن المغالطة بل من الجهل المركب أن يقال: إن التخصص مطلوب في العلوم التطبيقية، دون العلوم الشرعية، بحجة أن الدين مكلف به كل مسلم والتكليف يستلزم العلم؟
 
هذا الكلام يشهد على صاحبه بأنه غير متخصص إطلاقا، وأنه عاجز تماما عن التصور الصحيح لمسائل العلم؛ ذلك لأن التكليف وإن كان يشترط له العلم، إلا أن الله لم يكلف الخلق كلهم أن يكونوا علمهم تفصيليا مبنيا على نظر في الأدلة وموازنة بين الأقوال والخلافات، ولو كلف الله الخلق كلهم بذلك لكلفهم فوق ما يطيقون.
 
فالمسلم ليس بالضرورة أن يكون متخصصًا حتى يقيم عباداته وتكاليفه، إذ قد جعل الله للناس مخرجًا "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" وسؤال الناس للعالم فيما أشكل عليهم، مما تبرأ به ذممهم، ولم يكلفهم الله أكثر من ذلك، ومن ظن أن التكليف يستلزم العلم المفصل فقد أبعد النجعة وأطال الهجعة.

 

ذم التقليد

 
ومن الخلط هنا استجلاب كلام الأئمة في ذم التقليد وأنه لا يجوز إلا للضرورة كي ينقض بها مسألة التخصص؟
 
فهل معنى كلامهم أن على الجميع التوصل للحكم التفصيلي بالاجتهاد الشخصي، المبني على النظر في الأدلة والموازنة بينها والترجيح بين الأقوال؟ لو صح هذا الكلام لكان على جميع المسلمين أن يدعو علومهم الآخرى وشؤونهم الدنيوية، ويقلبوا على تعلم (الفقه، والأصول، واللغة، والعقائد والتفسير وسائر علوم الشريعة)، ولكان طلب العلم الشرعي بجميع صوره وأشكاله واجبا متعينا على كل أحد لا يجوز تركه إلا في حالات الضرورة المشابهة لأكل الميتة، وهو ما لا يمكن أن يقول به أحد.
 
أهل العلم حين يتحدثون عن ذم التقليد وإباحته حال الضرورة، إنما يعنون بذلك أهل العلم المتخصص الذي آتاهم الله العلم، ومع ذلك يصرون على تقليد علماء آخرين متخصصين مثلهم، كالأئمة الأربعة ونحوهم.
 
فمثل هؤلاء قعلهم فاسد ظاهر الفساد؛ ﻷن التقليد لا يشرع للعالم الذي يقوى على الاجتهاد، إذ عنده آلة العلم والفهم ما يؤهله للنظر واستنباط الأحكام، فليس له أن ينصرف عن علمه تقليدا لعلم آخر. أما عموم الناس، فإن التقليد مباح لهم كشرب الماء، وليس عليهم فيه أدنى حرج، ومن قال إن التقليد بالنسبة لجميع الخلق لا يجوز إلا للضرورة؛ فقد شق على المسلمين وكلفهم ما لا يطيقون.
 
وبكل حال فالخروج عن تفسير أهل العلم للقرآن موقع للإنسان في الخطأ ولا شك، وكم أتألم حين أجد متحدثا في هذه المسائل يريد أن يقرر حقه في الاستقلال بتفسير القرآن وأنه رجل في هذا الباب كما الأئمة رجال، ثم إذا سألته عن معنى شيء من غريب قصار المفصل احتار وعجز، فما أبعد هذا الصنف عن إصابة الحق.

 


 

المصدر:

  1. عبد الله بن صالح العجيري، ينبوع الغواية الفكرية، ص212
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي | مرابط
اقتباسات وقطوف

اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي


وأما اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الأخروي فظاهر وجعل الله التسوية بين المحسن والمسيء حكما سيئا منافيا للحق الذي خلقت به السماوات والأرض والواقع أن هذا التفريق الذي يقتضيه عدل الله تعالى وحكمته غير متحقق تماما في الدنيا

بقلم: د سعود عبد العزيز العريفي
687
الحق والواجب | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحق والواجب


عبارة شاملة للمفكر الجزائري مالك بن نبي يعبر فيها عن فكرة التقدم والنهضة التي يسعى لها الجميع ومن هنا يقف بنا أمام فكرة هامة وهي فكرة الواجبات والحقوق فالأولوية يجب أن تكون للواجبات كما عبر مالك بن نبي: ليس الشعب بحاجة إلى أن نتكلم له عن حقوقه وحريته بل أن نحدد له الوسائل التي يحصل بها عليها وهذه الوسائل لا يمكن إلا أن تكون تعبيرا عن واجباته

بقلم: مالك بن نبي
2241
نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس


وكنت أخبرتك أن سيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية -أيده الله وأحسن إليه- أوصاني مرة في سنة ثلاث وسبعمائة وصية بليغة حفظت منها قوله: لا تقصد رضا الناس بأقوالك ولا أفعالك: فإن رضا الناس غاية لا تدرك اليوم إن ترض الناس يشكروك وفي غد تسخطهم يذموك

بقلم: ابن الحبال البعلي
750
خطة رمضان | مرابط
مقالات

خطة رمضان


من أبرز الأسئلة التي تتردد بين المسلمين مع حلول شهر رمضان الكريم: كيف نخرج من هذا الشهر بأكبر استفادة ممكنة؟ والحقيقة أن الأمر يحتاج إلى خطة عملية ليسير عليها المسلم وبين يديكم خطة يقدمها الدكتور أحمد رجب لتعين المسلم على استغلال وقته وتنظيمه.

بقلم: د. أحمد رجب
473
المدارس العالمية وتعلم اللغات | مرابط
فكر لسانيات

المدارس العالمية وتعلم اللغات


لي تجربة مع ولدي كان العمل يعطيني بدلا للتعليم يدخله أغلى مدرسة دولية لكنني فضلت لغة دينه وأمته ثم لما اطمأننت عليها دفعته قبل الجامعة بعام أو عامين لتعلم الإنجليزية فأتقنها وها هو الآن يدرس بها فلا هو ضيع لغته ودينه ولا هو تأخر عن غيره من أهل اللغة التي يدرسونها منذ نعومة أظفارهم على حساب لغة قرآنهم وأمتهم.

بقلم: د.خالد حمدي
414
لماذا خلقني كأنثى؟ | مرابط
فكر المرأة

لماذا خلقني كأنثى؟


هذا جزء من رسالة أرسلت لي من فتاة عبر تويتر تقول فيها: لماذا خلق الله النساء؟ إذا الله كتب على نفسه الرحمة لماذا خلقني كأنثى؟ لماذا جعل الرجل الذي يرى امرأة يريد أن يصل إليها؟ لماذا جعل قوة الرجل أكبر وجعل النساء فرائس سهلة القتل وهتك الأعراض واللمس؟ هل الله رحيم مع النساء؟ أين هو عدل الله مع النساء؟ هل خلقنا ذوات مشاعر وعواطف لتعذيبنا؟ أم ماذا؟

بقلم: محمد بن رمضان
1322