موسم الإنكار على منكري المنكر

موسم الإنكار على منكري المنكر | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

365 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أي بؤس أن يظلنا زمان يجرؤ فيه مخربو العقيدة على الإنكار الغليظ في وجه المسلمين المظهرين للحق، مستثمرين سيادة فيض العواطف بمقتل مظلوم غير مسلم؟!
يشيعون مقالات أترعوها بالسفول والسخرية من المصلحين، ويبثون تعليقات أطفحوها بالإرهاب والبطش بالمُنكرين!
وقد جاء بعض ذلك من أناس محسوبين على نصرة الشريعة! وأخس به زمان تُطلب فيه إغاثة ملة الفقه بالأغمار، وإعانة شرعة الأنفة بالمستخذين!
أفإن أغضبنا انتهاككم دين الله وتمردكم الصريح على الشرع، وأغاظنا تبجُّح ابتداعكم واستهزاؤكم بالإجماعات، وأحفظنا استعداؤكم العامة والسوقة على أهل الحق؛ صرختم: انظروا أولئك الشياطين! أين الرفق وأين اللين؟!

 

أف لكم يا أبالسة.. وأف لمكركم الدنيء!
إن دين الليبرالية هو أكبر قضايا المسلمين في حاضرنا، وتتبع صوره المتنوعة، وكشف موالجه للنفوس، واجب على ذوي العلم.
وكل خبيثة دسها الليبراليون قبلا بخضوع المستضعفين، يوجبون الآن طاعتها بصلف الجبارين!
وكل شرعة غمروها قبلا بنسبية المؤولين، يبطلونها اليوم بوعيد الطاغين!

 

ومسلكهم الرئيس في الأعوام الأخيرة واحد لا يتغيَّر، لا يفوت لبيب دركه بعد ترداده الموسمي - وما أكثر مواسم الليبراليين – ألا وهو استغلال كل شحنة عاطفية، من مهيجات حزن، أو مثيرات فرح، لغرس اعتقادهم المرذول، وطمس إيماننا المكلوم: فحين هلكت فتاة وهبت حياتها لحرب الله، والقضاء على الإسلام، نهقوا بأن واجبنا الدعاء لها بالجنة، لا الحكم عليها! فعجبنا من سُخفِ حجتهم، أولها وآخرها! أما أولها فطلب الدعاء بالجنة لمن كان يستعلن الحرب على الله ورسوله، فكيف نناقش ذاك الهذر؟ وأما آخرها، الذي هو جوهر القضية كلها، وجذر الليبرالية المفسدة الرئيسي؛ فهو الإنكار على المُنكرين بحجة وجوب عدم إنكار كل فعل صادر من حر مهما خالف رأيك! أعذرني على ذاك التركيب المنطقي الأعوج، وأعد قراءة الجملة السابقة حتى تقف على معناها المذهل!

 

أرأيتم الخطل؟ ذاك هو المنطق الوضيع لزماننا! يطلبون شنقك لأنك خالفت رأيهم في قولك أن الإنسان ليس حرا في عرض اعتقاده بإطلاق، وفي إيمانك أن بعض الناس مخطئين! يصرخون غضبا: اسكت يا وغد! لا يوجد أي مخطئ سواك! بل أنت المجرم المستبد وحدك لا شريك لك! ونضالنا أن نُخرِس صوتك، ونُشوِّه صورتك، ونلعنك في البكور والعشي، ونعلمك أن لا تكون ضد حرية الرأي! ذاك هو هزل الليبرالية الشهير، والتي لولا سلطان أربابها المنافقين، لصارت هُزأة الصبيان، ولتكبر على نقاش سخفها كل ذي لُبٍّ! ومن لم يتُب منها بعد حرب أوكرانيا، وجلاء نفاق الليبراليين وازدواجيتهم بله افتخارهم بها، فليس للرشاد إليه من سبيل.

 

وقد تلا هلاك عدوة الله الأولى، إهلاك لوطية مصرية نفسها، بعدما حاربت الإسلام في أعوامها الأخيرة، وأثار المتعلمنون نفس الجدل، واستُعمِلَ نفس الحجاج، وتباكوا يستدرون العطف من الناس، وبين موجة الحزن العالية، يحقن اللئام نكدهم، ويفسدون على الناس دينهم، انتظارا لموسم جديد!
وقد صيروا رمضان الابتهاج، والعواطف المشحونة، والأسر المضمومة، إلى مناسبة لتبديل دين المسلمين، تارة بتوجيه الضحكات، وتارة بتغزير الدموع!
أما القهقهة فعلى الشرائع الأضحوكة، والسخرية من أهل الدين المجانين، وأما الدموع فعلى نضال العلمانيين، والانتحاب على صبر المصلحين!

 

ومن تابع رأى كيف أن رمضان صار عيدا للعلمانيين الليبراليين؛ فيعملون طواله بلا كلل لإبطال الإسلام، ومحاربة شرائع المسلمين، وجل منتوجاتهم تستعمل الحجاج العاطفي بأنواعه: من ملطقة يظلمها زوجها فتطلب تغيير الأحكام الشرعية، إلى لوطية معذبة في جسد أنثى وتطلب السماح بجراحات التخنث والترجل (التي يزعمون أنها لتغيير النوع)، إلى بيان قسوة الحدود الشرعية بإظهار غلاة يستعملونها جورا في حق مساكين، إلى مساخر هازئة بتنفيذ أحكام الشريعة، ومتهمة الفقهاء بالكبت الجنسي، وإلى آخر ما شاهده الناس، وبلغنا خبره، من مكائد أبالسة أمصار العرب والمسلمين.

 

ولما صار رمضان بهذه الصورة، أجبر في الأعوام الأخيرة الكثير من المصلحين، الذين كانوا يعتادون التفرغ للعبادة فيه، واعتزال الناس وأخبارهم، إلى ترك عادتهم تلك، والتوثب لصد الشبه وفضح الزغل، بعدما انتبه أكثرهم لتلك الحقيقة: أن أبالسة الإنس حولوه لموسم الدجل الأكبر!

 

إن المشترك بين كل تلك الوسائل هو استدرار العواطف، وانتظار مواسم شحنها، واستغلالها سريعا.
ومن بارز مواسمهم، التي يحققون فيها نجاحات فائقة، موت شخص غير مسلم، لا يُعرف باستعماله العنف البدني ضد المسلمين!
نعم، والله ما وجدت معيارا صالحا إلا هذا وحده!
فلطالما آذت الهالكة نوال السعداوي المسلمين عمرها كله، سواء بقلمها أو بصوتها أو بصورتها! لكن لما كانت لم تقتل مسلما بيدها خنقا، دعوا لها بالرحمات، ورجوا لها أعلى الجنات!

 

وكذلك علت الشجون حينما هلك عدو الله والأديان ستيفن هوكنج الذي كان أحد أركان شهرته التدليس في زعمه تكذيب الفيزياء لسرديات الخلق والوجود، ودُعيَ له بالخلد مع الشهداء والصديقين، إذ مات صابرا على مرضه الأليم، ولم يحارب الله سوى في كتاباته فقط! فقط كتابات في محاربة الله وتكذيب الأنبياء؛ فلم لا ندعو له بالفردوس الأعلى؟

 

والحال وإن كان مع أولئك ظاهر، ويلقى مقاومة إلى اليوم من الناس، إلا إنه أنجح لليبرالية مع منافقي المسلمين وكبار فساقهم، وأوفق مع صالحي غير المسلمين، ممن أنصفوا الإسلام، أو شاطروا المسلمين مظالمهم، كنصارى فلسطين، ويساريي الغرب الرافضين لبلطجة أمريكا، فهنا يجد الليبراليون عادة مبتغاهم الأعظم، وينتهزون فرصتهم الأفضل، خاصة إن كان المتوفى ذي شعبية بين المسلمين!

 

ففي وسط حزن المسلمين على موت أحد أولئك، يخرجون على الفور لبدء الموسم بلا إبطاء: رحمه الله، وغفر له، ذاك الشهيد، نسأل الله له درجة الأنبياء والصديقين! إن كنت تظنني أمزح، فأنت لم تر ما قيل يوم وفاة صحفية الجزيرة المسيحية شيرين أبو عاقلة، وقبلها يوم مقتل العاملين المسيحيين في ليبيا! لقد قيل في تلك الأيام ما لو قيل في الأئمة الأربعة لاعتبره بعضنا غلوا! وكل ذاك بنفس الأداة، وتحت نفس المسميات، وبنفس الحجاج!

 

والليبراليون يزدادون موسما تلو الآخر، فالبعض يسلم لرائجهم باسم المراجعة، والبعض إمامه أزهره، إن أصلح متفقها استقام، وإن أفسد متعلمنا انتكس! والبعض الآخر يُغيَّبُ إما قهرا في ظلمات الجب، وإما طوعا نؤيا عن جعجعة العوام، واستدبارا لفتن الدهماء!
والباقون في كل درب من مسالك الدفاع عن الشرع ينقصون حاليا، ولا أيأس من رحمة ربي أننا في نكسة، وأن حشود الحق ستملأ الأحياء في يوم قريب، ولست ممن يقولون أنها النهاية، بل لعلها تكون نهاية ليبراليتهم وعلمانيتهم بإذن الله.

 

أخيرا، في ذاك الواقع المظلم، نجد من يعجب: لم تغضبون؟! لم تتصدرون في أوقات ثوران العوام في حزن أو فرح؟
لمثله أقول: إن كنت لا تدري ما يجري في زماننا من جانب العلمانيين فأنت غافل، والغافل يُنشِّط نفسه، ويصمت متربصا، حتى يعلم أصدق مقالنا أم كذب. أما إن كنت تدري فالمصيبة فيك أعظم!

 

نعم سنغضب ونقاوم! وسنكون أول المتصدرين في مناسبات الأتراح والأفراح معا، لا نتحدث منذ اللحظة الأولى إلا عن قضايا المعتقد والفقه، بعدما صيرها العلمانيون سلسلة من مواسم إبطال العقيدة بابتزاز العواطف، وتوهين العقول بضعف النفوس.
ولتخسأ تصنيفات المفسدين بين إرهابي ومتطرف، وتكفيري وإقصائي، فوالله ما علمنا أشد إرهابا من ساستكم، ولا أوغل تطرفا من ليبراليتكم، ولا أفجر تكفيرا من نشطائكم، ولا أفحش إقصاءا من منظريكم! أما متلبرل الإسلاميين، فليس إلا ضراط أعدائنا بيننا، ولا عجب أن ذاع في الناس ريحه وصوته، فنحن في زمن فساد الفِطَر، ورواج كل كريه!

 

إننا نسأل الله أن يبقينا أعداءً لخصوم دينه، وأن يستخدمنا في التنقير عن مكائدهم في كل شق، والتنقيب عن مطاعنهم في كل غيهب. وأن يُبقي المصلحين للمفسدين شهابا رصدا.

 


 

المصدر:

مدونة الأستاذ عمرو عبد العزيز

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية #إنكار-المنكر
اقرأ أيضا
أريد أن يحبني الناس ليحبوا الحق الذي معي | مرابط
أباطيل وشبهات اقتباسات وقطوف

أريد أن يحبني الناس ليحبوا الحق الذي معي


نسمع كثيرا على ألسنة الدعاة الجديد أو حتى بعض الطيبين من أهل الإسلام يقول الواحد منهم: أريد من الناس أن يحبوني حتى يحبوا الحق الذي معي أو أن يكون هذا مدخلا للإسلام والإيمان والحقيقة أن هذه العبارة أو هذا الاعتقاد كان مدخلا للهدم لا للبناء في كثير من الأحيان وفي هذا المقتطف يعلق الدكتور إياد قنيبي على هذه الفكرة

بقلم: إياد قنيبي
1193
السهر المجهول | مرابط
فكر مقالات

السهر المجهول


في أوائل سورة الذاريات لما ذكر الله أهوال يوم القيامة توقف السياق ثم بدأت الآيات تلوح بذكر فريق حصد السعادة الأبدية واستطاع الوصول إلى جنات وعيون ولكن ما السبب الذي أوصلهم إلى تلك السعادة بين مجاهل تلك الأهوال إنه السهر المجهول تأمل كيف تشرح الآيات سبب وصول ذلك الفريق إلى الجنات والعيون:إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون الذاريات16-17

بقلم: إبراهيم السكران
1694
الإسراء والمعراج ج2 | مرابط
تفريغات

الإسراء والمعراج ج2


عباد الله لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج عزاء وتثبيتا للنبي صلى الله عليه وسلم لما لاقاه ولما سوف يلاقيه في سبيل الدعوة إلى الله فرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراء وقد امتلأ قلبه ثقة ويقينا كيف لا والله يقول: لقد رأى من آيات ربه الكبرى النجم:18 كما أنه كان امتحانا وابتلاء لمن أسلم وآمن فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر فما بين مصدق ومكذب ولشدة الخبر ارتد بعض من آمن ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم ولم تخالط بشاشته القلوب

بقلم: خالد الراشد
416
القابلية للاستعمار | مرابط
اقتباسات وقطوف

القابلية للاستعمار


مقتطف للكاتب والمفكر مالك بن نبي من كتاب شروط النهضة يشير فيه إلى موضوع هام وهو القابلية للاستعمار فكثيرا ما يكون استعمار شعب ما ناتج عن قابليتهم للاستعمار أو أن نفوسهم قابلة لوجود مستعمر يمارس عليهم كل صنوف الظلم أما إذا ارتفعت هذه القابلية عن نفوسهم سيأبى الواحد منهم أن يكون تحت حكم مستعمر جائر

بقلم: مالك بن نبي
2489
الضباب العقلي | مرابط
ثقافة

الضباب العقلي


إن قضاء الكثير من الوقت أمام شاشة التلفزيون يصيب العقل بنوع من الخمول فالشخص الذي يكثر من مشاهدة التلفزيون تجده ثقيلا بطيء الحركة ويميل بشدة إلى أحلام اليقظة ويتعب من إعماله لعقله وسرعان ما يفقد التركيز

بقلم: محمد علي فرح
494
من أخلاق الكبار: أحمد بن حنبل | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: أحمد بن حنبل


الإمام أحمد بعدما أوذي هذا الأذى لم يفتح ملفات من الأحقاد وسجلات من العداوة فلان هو المتسبب وفلان هو الذي سعى في الموضوع وفلان خذلني وفلان قصر في حقي وفلان لم يسع في خلاصي من أسر هؤلاء وفلان ما زارني بعد السجن وفلان صدرت منه بعض الكلمات التي لربما يفهم منها أنه كان مباركا لهذا العمل راضيا به لم يفتح شيئا من هذا إطلاقا ولم ينقل لنا التاريخ عن الإمام أحمد - رحمه الله - على طول ترجمته كلمة واحدة تدل على أنه وقف عند نفسه.

بقلم: خالد السبت
422