أعمال الاستعمار

أعمال الاستعمار | مرابط

الكاتب: منقذ السقار

538 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وخلال تاريخ الحركة الاستعمارية الغربية للعالم الإسلامي وبقية المستعمرات أظهر المستعمر الغربي صورًا قاتمة كالحة ملؤها الظلم والقهر والاستغلال.فعلى الصعيد الإنساني ارتكب المستعمرون مجازر بحق الشعوب التي قامت تدافع عن دينها وخيراتها، فقد بلغت أعداد قتلى المسلمين في الهند حتى عام 1880م مليون مسلم سقطوا على يد الإنجليز، ومثله كانت الجزائر بلد المليون شهيد.

وكان البرتغاليون قد أحدثوا مجازر عند سيطرتهم على الشواطئ الهندية، ويسجل القائد البرتغالي البوكيرك بفخر بعضًا منه وهو يخاطب ملك البرتغال مهنئًا إياه بالسيطرة على مقاطعة جوا الهندية فيقول: " وبعد ذلك أحرقت المدينة، وأعملت السيف في كل الرقاب، وأخذت دماء الناس تراق أيامًا عدة.... وحيثما وجدنا المسلمين لم نوقر معهم نفسًا، فكنا نملأ بهم مساجدهم، ونشعل فيها النار، حتى أحصينا ستة آلاف روح هلكت، وقد كان ذلك يا سيدي عملًا عظيمًا رائعًا أجدنا بدايته وأحسنا نهايته ". وفي مدغشقر قتلت القوات الفرنسية ثمانين ألف في ضربة واحدة للثائرين من سكان الجزيرة، فيما أعمل الإنجليز القتل في قبائل ماو ماو الأفريقية، ثم ادعوا أن وحوشًا مفترسة ظهرت في المنطقة وتخطفت الآلاف إلى مصارعهم.

 

نموذج الجزائر

وفي الجزائر يقول الجنرال الفرنسي شان: " إن رجاله وجدوا التسلية في جز رقاب المواطنين من رجال القبائل الثائرة في بلدتي الحواش وبورقيبه ". ويخط الماريشال سانت أرنو إلى زوجته بعض ما صنعه وجنوده في الجزائر فيقول: " إن بلاد بني منصر بديعة، وهي من أجمل ما رأيت في أفريقيا، فقُراها متقاربة، وأهلها متحابون، لقد أحرقنا فيها كل شيء، ودمرنا كل شيء... أكتب إليك يحيط بي أفق من النيران والدخان، لقد تركتني عند قبيلة البزار فأحرقتهم جميعًا، ونشرت حولهم الخراب، وأنا الآن عند السنجاد أعيد فيهم الشيء نفسه ولكن على نطاق أوسع ".

ويقول مونتياك في كتابه " رسائل جندي " وهو يصف إحدى المذابح التي حضرها: "لقد كانت مذبحة شنيعة حقًا، كانت المساكن والخيام في الميادين والشوارع والأفنية التي انتشرت عليها الجثث في كل مكان، وقد أحصينا في جو هادئ بعد الاستيلاء على المدينة عدد القتلى من النساء والأطفال فألفيناهم ألفين وثلاثمائة، وأما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب هو أننا لم نترك جرحاهم على قيد الحياة ".

وقد بلغ عدد القتلى في مدينة سطيف في مايو 1945م ما يقرب الأربعين ألفًا. ويشنع الكونت هيريسيون على هذه القبائح التي لا مبرر لها فيقول: " فظائع لا مثيل لها، أوامر الشنق تصدر من نفوس كالصخر يقوم بتنفيذها جلادون قلوبهم كالحجر... في أناس مساكين جُلُّ ذنبهم أنهم لايستطيعون إرشادنا إلى ما نطلب إليهم أن يرشدونا إليه ". وقد تفنن المستعمرون في طرق إبادة هذه الشعوب، ومما أبدعوه في هذا الباب طريقة يسمونها "جهنم" حيث يتبع الجنود الهاربين من النساء والأطفال والرجال إلى الكهوف فيشعلون عند باب الكهف نارًا عظيمة، فيموت من بداخله حرقًا أو خنقًا ". (1)

 

جنوب إفريقيا

وفي جنوب أفريقيا سيطر الاستعمار ففرض القوانين الجائرة والضرائب، ومنح البيض في عام 1913م 88% من أراضي جنوب أفريقيا وفرض على السود دون البيض مصروفات الدراسة، وأمر بأن يدفع كل أسود بين سنة 12 - 65 سنة ضريبة عن نفسه وأخرى عن كوخه. وقد أضر المستعمرون بمصالح المزارعين حين أمروهم بزراعة بعض المحاصيل دون بعض، ثم شروها منهم بأبخس الأثمان. ففي عام 1951م باع فلاحو الجزائر قنطار الزيتون بـ 2000 فرنك في حين كانوا يبيعونه قبل دخول فرنسا بـ 5000 فرنك فرنسي.

وأجبر الفرنسيون السكان في أفريقيا الاستوائية على زراعة القطن عام 1955م، ثم باعوه لأربع شركات استعمارية بما ثمنه 72 - 60 فرنكًا للكيلو، فيما باعه المستعمرون بسعر 245 - 285 فرنكًا في مرفأ التصدير. وقد كان كيلو القطن المستورد في فرنسا يماثل - في مراكش - أربعة مرات كيلو القطن المصدر، وذلك في عام 1938م، ثم ارتفع إلى ست مرات في عام 1949م ومثله يقال في القطن التونسي. وفي نيجيريا يباع الخشب أكثر من سعره بـ 30 - 40 %، وباعت بلجيكا كيلو زيت النخل في مستعمراتها بـ 110 فرنكًا بدلًا من 75 فرنكا. (2)

 

حال البلاد المستعمرة

وتعترف إحدى مجلات الاستعمار بهذا الاستغلال فتقول: " المستهلكون في البلاد المستعمرة كانوا يتلقون عام 1953م ما يبلغ 80% من مستورداتهم بأسعار أكثر أرتفاعًا بـ 20 - 50% وأحيانًا أكثر أيضًا من الأسعار التي كانوا يحصلون عليها لو أتيح لهم أن يستوردوا بضائهم من بلد آخر غير فرنسا. (3) وفي مظهر آخر للاستعمار وظف المستعمر أبناء جلدته في مؤسسات الدول المستعمرَة، وأبعد أهل البلاد الأصليين، ومن ذلك أن فرنسا وظفت في الجزائر في الدوائر العقارية 200 موظف منهم ثمانية فقط من الجزائريين، فيما لم يبلغ عدد المغاربة في وزارة الشئون الإجتماعية في المغرب سوى أربعة من الحُجَّاب فيما قارب الفرنسيون المائتين والخمسين. (4) وأجبر السكان الأصليون تحت مظلة المستعمر على العمل بأبخس الأجور، ففي حين كانت الأسعار في الجزائر مقاربة للأسعار في فرنسا كان العامل الجزائري يحصل على 40 - 70 فرنكًا لقاء عمله اليومي، في حين أن العامل الفرنسي يحصل على أكثر من ضعف المبلغ في فرنسا، وقد كان سعر كيلو الخبز يومذاك في الجزائر 48 فرنكًا وكيلو السكر 94، واللبن 25 فرنكًا فيما كان اللحم الردئ يباع الكيلو منه بـ 400 - 500 فرنك فرنسي.

وكتب النائب الأسقفي في داكار عاصمة السنغال يشكو الظلم الذي يقع على العمال الذين يسميهم بالمؤقتين والذين يحصلون على أجر شهري يتراوح بين 800 - 1200 فرنكًا في حين أن أحقر كوخ كان يؤجر بـ 3500 فرنك شهريًا إضافة إلى ما يدفعه من ضرائب تصل إلى 1800 فرنك سنويًا.(5) وقد كان العمال في صفاقص من عمال شركة الفوسفات الفرنسية يسكنون بمعدل 10 عمال في كل كوخ، فيما تحدثت الصحف الفرنسية عن مدينة التنك (مراكش) حيث يسكن 200000 من العمال وعوائلهم في بيوت أو أكواخ من التنك أو الخشب الذي يلتقطونه من مخلفات الشحن، وقد تحدثت إحدى الصحف الفرنسية عن القسوة البالغة التي يعيشها العمال المغاربة وعائلاتهم في هذه البيوت من غير توفر أي إجراءات تضمن صحتهم وسلامتهم. (6) ونتيجة لضعف رواتب العمال في مراكش وانتشار الفقر بأبشع صوره كتب أحد أطباء وادي الداد في جنوب مراكش: " إن الأطفال في هذه البلاد يأكلون التراب. لماذا؟ أذلك من الفقر أو الجوع أم أنها عادة مجهولة المنشأ؟ لا أستطيع أن أقول شيئًا، ولكن هذا الواقع ماثل هنا. إن الأطفال يأكلون التراب ويصابون بالأمراض الخطيرة: فقر الدم وتضخم الطحال.... ". (7)

وقد اقتصر غذاء الأسرة المراكشية في الغالب على عدة أقراص من الشوفان، فيما ذكرت إحصائيات فرنسية في عام 1945م أنه " من أصل المليون والثلاثمائة عائلة جزائرية تعيش من الزراعة وتربية المواشي ثمة 800 ألف إلى مليون يجب أن تعتبر عائلات محتاجة ومعوزة ". (8) وأما المشاريع التي أقامها الاستعمار في البلاد المستعمرة فإنما أقامها لحماية مصالحه " فالجهود المبذولة لكهربة المراكز الثانوية والريفية يجب أن يكون مفهومًا أن التجهيزات المنتظرة إنما يجب أن تقتصر فقط على المشروعات ذات الدخل المضمون.

 

برنامج النقليات

أما برنامج النقليات فعليه أن يقتصر في الدرجة الأولى على إنشاء وسائل النقل وطرق المواصلات المرتبطة مباشرة بأهداف الانتاج المعينة في المشروع والتي تؤلف على كل حال أحد العوامل الجوهرية لنجاحه ". (9) ورغم الاستغلال الواسع للموارد الطبيعية والقوى البشرية فإن المستعمر لم يقدم أبسط الخدمات الإنسانية وهي الصحة والتعليم ففي الجزائر التي اعتبرتها فرنسا جزءً منها لم يستطع سوى 12% من أطفال الجزائر ممارسة عملية التعلم، وانخفضت النسبة في مراكش إلى 10%، وفي أفريقيا الغربية إلى 7.6 %، وفي تشاد إلى 4.7%، فيما ارتفعت في أفريقيا السوداء إلى 18% من أطفال تلك البلاد.

 

التعليم والصحة

ويخلص هنري كلود إلى أن نسبة التعليم في المستعمرات الفرنسية جملة لا يتجاوز 9 % من أطفال المستعمرات الفرنسية. (10) وأما الخدمات الصحية فجرى تأمينها في المناطق التي ينتشر فيها الفرنسيون فيما كان لكل 10000 جزائري طبيب واحد، وتصل هذه النسبة في الأقاليم الجنوبية للجزائر إلى 30000/ 1، وفي مراكش 45000/ 1 فيما لكل 50000 شخص في غينيا طبيب واحد. ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الوفيات بين الأطفال في المستعمرات عنها في البلاد المستعمِرة أو بين المستعمِرين، ففي حين يموت من أطفال الأوربيين في الجزائر ما نسبته 5.4 % يموت من أطفال الجزائر 18%، وفي تونس يموت للأوربيين من أطفالهم ما نسبته 5.9% فيما يموت للتونسيين ما نسبته 19.3% فيما تصل النسبة في بعض مناطق أفريقيا الريفية إلى 60%، وكتب الدكتور بريسو مقرر ميزانية الصحة عام 1954م في الجزائر أن من بين 120 مريضًا يراجعون عيادة السل في مستشفى مدينة الجزائر لا يلقى العناية منهم سوى 30. أما الباقون فأسلموا إلى الموت. (11) وننبه أخيرًا إلى أن كل ما سمعناه عن الاستعمار الفرنسي مما سطره لنا هنري كلود ورفاقه ينطبق تمامًا على الاستعمار البريطاني والإيطالي والبرتغالي وسوى ذلك من جنسيات الاستعمار الأخرى.

 


 

المصدر:

منقذ السقار، الاستعمار في العصر الحديث ودوافعه الدينية، ص10

 

المراجع:

  1. انظر هذه الفظائع وغيرها: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص (175)، الاستعمار. أحقاد وأطماع، محمد الغزالي، ص (34، 46 - 49، 56، 302).
  2. انظر: الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، هنري كلود، وآخرون، ص (34، 135 - 138).
  3. انظر المصدر السابق، ص (17 - 19).
  4. انظر: التبشير والاستشراق، محمد عزت الطهطاوي، ص (90).
  5. انظر: الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، هنري كلود، وآخرون، ص (39 - 45).
  6. انظر: المصدر السابق، ص (24).
  7. انظر: المصدر السابق، ص (51).
  8. انظر: المصدر السابق، ص (41، 49).
  9. انظر: المصدر السابق، ص (7 - 8).
  10. انظر: المصدر السابق، ص (20 - 21).
  11. انظر: المصدر السابق، ص (22 - 23).
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاستعمار
اقرأ أيضا
شبهات حول المرأة الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

شبهات حول المرأة الجزء الثاني


يمكن القول بأن الجاهلية جمعت شبهاتها حول الشريعة في المرأة وقد انعكست الطبيعة العاطفية لهذه القضية على هذه الشبهات مما ساهم في طرحها على سرعة التفاعل معها وخصوصا عندما تكون الأحكام الشرعية في الأساس غير مرهونة بمعرفة العلة العقلية منها ومن هنا كانت مواجهة شبهات الكافرين والمنافقين حول المرأة في حقيقتها مواجهة لأبعاد أساسية في قضية الشبهات الجاهلية حول الشريعة الإسلامية وليست مجرد شبهة واحدة كغيرها من الشبهات

بقلم: رفاعي جمعة
1805
تبريرات عدنانية | مرابط
فكر مقالات مناقشات

تبريرات عدنانية


ويدفع عدنان كل نص يعارض كلامه الذي يرى أنه يعلو فوق كل اجتهاد تارة بالتضعيف وأخرى بالتأويل وفي هذا المقال سنقف على بعض محاولاته التبريرية والتي يلجأ فيها إلى الأسلوبين ويظهر فيها تناقضه الكبير وعدم اتساقه مع ما يقوله في مواضع مختلفة من رسالة الدكتوراه الخاصة به

بقلم: يوسف سمرين
1181
بين الخلاف واتباع الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الخلاف واتباع الحق


فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان ولو كان مع من يبغضه ويعاديه ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه فهو ممن هدى لما اختلف فيه من الحق.

بقلم: ابن القيم
193
الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب | مرابط
النسوية

الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب


عند النظر إلى تلك الحركات والمنظمات النسوية نجد أنها نابعة من أرضية لا دينية ووليدة حكومات ومجتمعات غربية لا تملك أدنى مقومات إنصاف المرأة فالمرأة هناك تستغل أبشع استغلال لتعيش وتعيل نفسها وعائلتها أما فكرة تحرير المرأة في العالم العربي فلم تبرز إلا من خلال الاستعمار الغربي لدول المنطقة العربية فالمتأمل لواقع الشخصيات النسائية اللاتي تبنين تلك التوجهات يجدهن شخصيات تأثرت بالمدنية الغربية فضلا عن أنهن عشن ظروفا اجتماعية قاسية انعكست سلبا على فكرهن وتوجههن لاحقا

بقلم: نورة بنت عبد الرحمن الكثير
909
هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات تعزيز اليقين

هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل


من أبرز الأباطيل والشبهات التي أثارها أعداء الدين قديما وحديثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلم هذا القرآن من بحيرا الراهب وورقة بن نوفل وأخذ عنهما هذا العلم وبثه بين العرب أي أن القرآن ليس وحيا من عند الله وإنما يندرج تحت علم أهل الكتاب والرد على هذا الزعم بسيط وميسور جدا فما حفظه التاريخ وما وصلنا من أخبار ومن قرائن الأحوال يثبت عكس ذلك وهو ما يوضحه الكاتب منقذ السقار في هذا المقال

بقلم: د منقذ محمود السقار
8220
وأقم الصلاة لذكري | مرابط
اقتباسات وقطوف

وأقم الصلاة لذكري


ولما ذكر الله الصلاة في سورة طه أشار إلى غاية تغيب عن بال كثير من المصلين فضلا عمن دونهم ربما يتحدث الواحد منا عن عظمة الصلاة في الإسلام وأنها أعظم ركن بعد الشهادتين وأنها الخط الفاصل بين الكفر والإيمان ونحو هذا من معاني مركزية الصلاة ولكن لماذا شرع الله الصلاة وأحبها وعظمها سبحانه؟ إنها بوابة استحضار الله وتذكره يقول الله سبحانه وأقم الصلاة لذكري

بقلم: إبراهيم السكران
318