
ابن رشد الحفيد بدأ في طلب العلم على طريقة أهله بعيدا عن الفلسفة.. فقد كان جده رئيس القضاة وإمام جامع قرطبة، أما والده أبو القاسم فكان فقيها يدرّس في جامع قرطبة.
ولذلك بدأ ابن رشد -في طلب العلم- بداية جميلة، فعرض (الموطأ) على أبيه. وأخذ عن: أبي مروان بن مسرة، وجماعة، (وبرع في الفقه) وكذلك (برع في الطب). وهكذا...
إلى تلك المرحلة كان ابن رشد على طريقة سليمة.. ثم بدأت المشكلة.
قال الذهبي: «ثم أقبل على علوم الأوائل وبلاياهم.. ومال إلى علوم الحكماء» وصار يتلقى عن مشايخ البدع والفلسفة مثل: ابن باجة محمد بن يحيى بن الصائغ السرقسطي فيلسوف الأندلس. ومن هنا بدأ ابن رشد في مرحلة خطيرة جدا، حيث انصرف عن علوم الشرع، أو قلَّ اهتمامُه بها، وبعُد عن نور الكتاب والسنة، وهذا أدخله في ظلمات عظيمة منكرة...
وتطور الأمر حيث انخرط ابن رشد في هذه الطريقة، وتوسع فيها، وعُني بكلام أرسطو وترجمه إلى العربية، وزاد عليه زيادات، وشرح كتبه. حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «هو من أتبع الناس لأقوال أرسطو» ومن شدة عناية ابن رشد بفكر أرسطو وشرح أفكاره، اعتنى بكتبه من يعتني بفكر أرسطوا، فتُرجمت كتب ابن رشد إلى اللاتينية والعبرية، وبعض كتبه لا توجد باللغة العربية ولكنها موجودة باللاتينية والعبرية.
وهكذا استمر ابن رشد بالنزول في هذه الدركات، والتعمق في الفلسفة، والتخفف من نور النصوص...
النهاية المحزنة لهذا الطريق: بعد سلسلة من الكتابات والأراء التي نشرها ابن رشد، وصل الأمر لاتهامه من قبل جماعته بالخروج عن الدين والشرع، وتمت معاقبته من جهة الخليفة:
قال شيخ الشيوخ ابن حمويه: «لما دخلت البلاد، سألت عن ابن رشد، فقيل: إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب، لا يدخل إليه أحد؛ لأنه رفعت عنه أقوال ردية، ونسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوسا بداره بمراكش، في أواخر سنة أربع».
بل اعتبره ابن تيمية من الباطنية؛ لأقواله العقدية الموغلة في البطلان. يقول ابن تيمية: «وهذا طريق ابن رشد الحفيد وأمثاله من الباطنية»
وهي نهاية محزنة لرجل مثله، ذكي ألمعي، ومن عائلة علم ودراية، كان من الممكن أن يصعد في مراتب العلم النافع.
الخلاصة (وهذا المقصود من المقال):
أسباب الانحراف العقدي تتركز في أمرين غالبًا:
(الأول): وهو أهمها، البعد عن نور الشرع، وعدم العناية بنصوص الوحي بالكلية، أو عدم العناية بفهمها على طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الهدى.
(الثاني): التساهل في مصادر التلقي، سواء من الكتب أو المشايخ. فمسامحة النفس في التوسع في باب التلقي عن مصادر منحرفة يؤدي غالبًا لانحراف عقدي.
ولو تأملتَ ستجد أن هذين السببين ترجع إليهما أسبابُ انحرافِ جميع الفرق.. فكلهم: حصل عندهم خلل في فهم النصوص، فهمًا يتوافق مع فهم السلف. وحصل عندهم انحراف يتناسب في شدته واتساعه مع البعد عن الفهم الصحيح للنصوص.
اللهم اهدنا فيمن هديت.