الزهد: بين ما نؤمن به وما نعيشه

الزهد: بين ما نؤمن به وما نعيشه | مرابط

الكاتب: خالد بهاء الدين

478 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الحمد لله وحده.

كان بعضُ النَّاس ينام كلَّ يومٍ على أرضٍ قاسية، فأثَّرت في جنبه.
لقد تأثَّر جنبُه بقسوة الحصير، إلى درجة أن يلاحظ أصحابه أنَّه تأثَّر بقسوة الأرض على جسده.

 

قال له بعض أصحابه يومًا شفقة عليه وحبًّا: لماذا لا تتَّخذ شيئًا ألينَ من هذا؟
كان أصحابه يعرفون أنَّه قادرٌ على اتِّخاذ فراشٍ ليِّنٍ، وكانوا يرحِّبون أن يُهدوا إليه فراشًا ليِّنًا. 
فقال الرَّجل مجيبًا أصحابَه: إنّني أتديَّن لله بتركِ متاع الدُّنيا..
هذا الفراش الليِّن متاعٌ أنا زاهدٌ فيه.
قال: إنِّي ضَيفٌ في هذه الدُّنيا، لا أريد أن آخذُ منها شيئًا.

 

ترى ما هي حقيقة رأينا في هذا؟
ما هو رأينا في تفكير الرجل بدون تزويقٍ، وبعيدًا عن خديعة النَّفس.

 

إنَّني أعلم أن كثيرين قد تفطَّنوا إلى المقصود، لم تكن الأسطر السابقة بقصد الخدعة على كلِّ حال.
كانت محاولة يائسة للكشف عن الذي حصل في أنفسنا من التَّباين بين ما نؤمن به وما نعيشه.
محاولة لفضح القوالب التي نحاول أن نقارب بها بين حقيقة الدنيا وحقارتها، كما جاء في الوحيِ واضحًا لا لبس فيه.
وبين حرصنا على اقتناصها، والاستمتاع بها.. وكنزِها!

 

هل تريد أن نستمتع بالدُّنيا بدرجة من الرَّفاه والعلوّ؟
هل تريد أن تمتلك الدُّنيا بيديك وفي جيبك، وتزهو يمنة ويسرة؟
قد لا يكون هذا حراما إذا أخذت حيطتك من الحرام والعلوّ في الأرض.

 

لكن عليك أن تقرَّ بمنزلة أخرى، هي خير من منزلتك، فأنت تنكرها.
أنت تنكر أن يكون بعض الزُّهدِ هو هجر متاع الدُّنيا، وعدم تملُّكه من الأساس.
وبناء عليه، تقول لتصرُّفات بعض الزُّهَّاد: إنَّهم متنطِّعون.. متشدِّدون.. يحرِّمون زينة الله التي أخرج لعباده.. 

 

هناك منزلة أخرى.
قد اختارها لنفسه سيِّد عقلاء بني آدم، وأتقاهم لله، وأخشاهم لله، وأملكهم لنفسه، وأملكهم لشهوته، وأشدُّهم حبًّا لله، وطاعة لله، وأحرصهم على إنفاق في سبيل الله.
وهو أيضًا: أحرصهم على ما ينفعُ من الدُّنيا ليقيم به حدود الله، ويحكمَ باسم الله.

 

وأبعَد النّاس أن تدخُل الدُّنيا في قلبه لو كان اختار أن يمتلكها..
ومع ذلك، لم يختر أن يمتلكها..
فالقضيّة إذن ليست كما تروِّج لها.

 

ستختار أنت أن تمتلك الدُّنيا في يدك، وتتمتَّع بها.
وسوف تحكي لنا كلَّ يوم عن عدم التنافي بين الزُّهد في الدُّنيا، الذي هو طبقات بعضها فوق بعض، لم يجبرك أحد على نوعِ الزُّهدِ المستحبِّ.. وبين امتلاك المال الوفير، والسيارة الفاخرة، والمنزل الفاره..
هذه خدعة.
تخفي بها تغلغل الدُّنيا إلى سويداء قلبك.

 

ولو لم تكُن خدعة، فهناك منزلة أعلى من ذلك، لا بدَّ أن تعي هذا..

■ قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه:
نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثَّر في جنبه، قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وِطاءً.
فقال صلى الله عليه وسلّم: (ما لي وللدُّنيا؟!! ما أنا في الدُّنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثمَّ راح وتركها).

وفي رواية: (ما لي وللدنيا، وما للدنيا ومالي)!

 

صلوات الله على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلَّم!
أي فراش ليِّن هو الدُّنيا؟
وأي دنيا هي التي نمتلكها إذن، ولا نرضى بها أبدًا؟

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الزهد
اقرأ أيضا
مقارنة الإسلام بالجاهلية | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

مقارنة الإسلام بالجاهلية


إن من أهم ما يبرز محاسن الإسلام ويرسخها في النفس: النظر إلى أحوال الجاهلية -سواء ما كان منها متقدما على الإسلام أو متأخرا عن بدايته- ورؤية الجانب الإصلاحي العظيم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في مقابل ما كان منتشرا ومتجذرا في نفوس العرب من الناحية الاعتقادية والسلوكية ومن ناحية العادات والأعراف والتقاليد

بقلم: أحمد يوسف السيد
831
هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟ | مرابط
النسوية

هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟


وأما النسوية الليبرالية فليس لها أيضا انتقاد مكانة المرأة ولا أحكامها في الإسلام لأن الليبرالية تقرر نسبية الحقيقة أي الحق عندي ليس بالضرورة هو كذلك عندك وهذه سفسطة يقررها عامة الليبراليين يقول راسل: إن الفيلسوف الليبرالي لا يقول: هذا حق بل يقول في مثل هذه الظروف: يبدو لي أن هذا الرأي أصح من غيره

بقلم: حمود بن ثامر
428
دلالة الانفراد بالكمال على توحيد العبادة | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

دلالة الانفراد بالكمال على توحيد العبادة


الاتصاف بالكمال المطلق إنما يدل في هذا الباب على استحقاق صاحبه للعبادة أما دلالته على توحيد العبادة واستحقاق الله عز وجل أن يفرد بها فمن حيث إن من لم يبلغ هذا الكمال ولم يتصف به لزمه الاتصاف بضده مما ينافي التعبد فطرة وعقلا وعلى هذا فكل ما جاء في الكتاب والسنة من صفات الجلال والكمال الثابتة للرب -تبارك وتعالى- فإنها أدلة على استحقاقه لأن يفرد بالعبادة إذ لم يشاركه أحد في شيء من ذلك الكمال الإلهي

بقلم: سعود بن عبد العزيز العريفي
2174
شبهة: اختلاط الرجال والنساء أثناء الوضوء في زمن الرسول | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: اختلاط الرجال والنساء أثناء الوضوء في زمن الرسول


وأما الاحتجاج بحديث: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا..فلا أدري كيف يفهم منه الاختلاط فكيف يقول النبي عن الصلاة: اخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها.. وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعا ثم يفرقهم وقت الصلاة ولا ريب أن من فهم هذا الفهم أساء بالنبي فهما وتشريعا والمقصود به غير هذا المعنى.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
426
الأهواء المتدينة | مرابط
فكر مقالات

الأهواء المتدينة


نتعامل في واقعنا المعاصر مع إشكال جديد يمكن تسميته بالأهواء المتدينة هذا الإشكال يظهر في أن ترك الالتزام بالأحكام الذي هو من جنس التقصير والهوى أصبح محسنا مزينا في نفس المسلم متوافقا مع الدين مقربا إلى الحق فلم تعد تلك المخالفات متضمنة مفسدة المخالفة فقط بل أضيف لها مفسدة التحسين والتزيين للهوى والباطل

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1127
ماذا يعلمك القرآن؟ | مرابط
تعزيز اليقين

ماذا يعلمك القرآن؟


يعلمك القرآن أن التميز يصنع الأعداء حتى من أقرب الناس إليك كما في قصة يوسف فإياك أن تدخل معارك مع حاسديك مهما كنت قادرا على الانتصار فالحاسد مشروعه إيقافك ونجاحه في أن تلتفت إليه ولذلك حدد هدفك بوضوح وكل معركة ليست على جبهة هذا الهدف لا تلتفت إليها.

بقلم: د. نايف بن نهار
416