العجمة وظهور البدع

العجمة وظهور البدع | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

799 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وربما أيضًا السبب في ذلك هو الضعف والقصور العلمي, ويظهر هذا لدى العجم, ونحن إذا أردنا أن ننظر في البدع التي ظهرت في الإسلام نجد أن جلها وراءها عجم, إما أن يكونوا بحسن قصد، أو بسوء قصد, ومرد ذلك هو إما إلى الجهل، وإما إلى إرادة الفتنة، والتأويل لكلام الله سبحانه وتعالى.

 

ولهذا نقول: إنه ينبغي لطالب العلم أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنزل الله عز وجل عليه الوحي في معاقل الإيمان والوحي؛ وهي مكة والمدينة، وشيء فيما بينها، وقليل فيما خرج عن ذلك, وأنه ينبغي للإنسان أن يستكثر مما كان عليه العرب الفصحاء من خير القرون, من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، وكذلك أيضًا من التابعين, وأما مجرد الإمامة في باب من الأبواب ونحو ذلك فهذا لا يعني معرفة للحق.

 

ولهذا نقول: إن البدع التي ظهرت في الإسلام سواء كانت بدعة القدر, أو فيما يتعلق بالبدع التي وقعت في حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وغير ذلك من البدع المتنوعة في الجهمية وغيرهم, بل حتى ما يتعلق في الصوفية الخرافية, هذا إنما نشأ عند العجم من جهة أول منبته, وتشبثوا في تفصيل ذلك وتقعيده لما رد عليهم كثير من الناس, فتشبثوا ببعض الأدلة من كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأصلوا في ذلك تلك المذاهب, وكان دافعها في ابتداء ذلك الجهل, ولهذا تجد أن أكثر أهل العربية وقعوا في البدع؛ لأنهم ليسوا عربًا, إنما أخذوا العربية تعلمًا, وما أخذوها سليقة.

 

يعني: لم يكونوا أخذوها وراثة، واستقامت على ألسنتهم كما استقامت لدى كثير من العرب الذين ورثوها من آبائهم وأمهاتهم، وكذلك ممن حولهم, فوقعوا في كثير من البدع, لهذا ينبغي ألا يلتفت الإنسان مثلًا إلى إمامة فلان في العربية ونحو ذلك؛ لكثرة مصنفاته ونحو ذلك؛ بل نقول: إنه ينبغي أن نعلم أن الصحابي الذي لم يرد عنه شيء من العربية -يعني: لاستدلاله بأشعار العرب ونحو ذلك- أنه أبصر من جميع ممن يأتي بعده بالعربية؛ لأن عربيته سليقية, ولهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله عن الإمام مالك: إن الإمام مالك يتكلم العربية سليقية, يعني: أنه لا يتكلم بقواعد وضوابط ونحو ذلك, وإنما يقيم اللسان سليقة.

 

ولهذا الأعراب الذين يرد إليهم النص من كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدر الأول من الصحابة, وكذلك من التابعين من أهل المدينة ومن حولها, الذين لم تدخلهم العجمة, يفهمون كلام الله عز وجل أكثر من سيبويه و الخليل بن أحمد، وغيرهم من أئمة العربية؛ لأنهم أصحاب سليقة, وليسوا بأصحاب عجمة, وهؤلاء إنما توغلوا في هذا الباب، وأكثروا من الكلام في العربية ومعرفة الأدلة والشواهد ونحو ذلك, وإنما أخذوا ذلك بالقواعد, والقواعد في ذلك لا تسلم للإنسان في كل حين وفي كل موضع.

 

فالإنسان لا يفهم ذلك النص حتى يفهم الوضع الذي نزل عليه الدليل, فما كل من رجع إلى القواميس العربية يفهم الدليل, ولهذا ينبغي أن نفهم الوضع الذي جاء فيه النص في كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد جاء في الصحيح وغيره من حديث عدي بن حاتم عليه رضوان الله تعالى (أن الله عز وجل لما أنزل قوله جل وعلا: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187], قال عدي بن حاتم عليه رضوان الله: عمدت إلى عقالين فوضعتهما تحت وسادتي.. إلى آخر الخبر, فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ليلك لطويل, إنما هو سواد الليل وبياض النهار), فـعدي بن حاتم عربي, ولكنه ليس من أهل المدينة.

 

فالوضع الذي نزل عليه النص ينبغي للإنسان أن يعرف السياق المعروف في المدينة, وأما من جهة اللغة العربية فحجة عدي صحيحة؛ لأنك حتى لو رجعت مثلًا إلى القاموس تجد أن البياض المراد بذلك هو اللون المعين, وتجد أيضًا أن السواد هو اللون المعين, وتجد أيضًا أن الحبل هي الحبال المفتولة، وكذلك الخيط, فيجد الإنسان هذا التعريف, ولكن نقول: إن العربية في ذلك أعم, وتنزل على أجزاء متعددة, ويغلب النص نزولًا على أحدها, فيأتي في ذلك شيء من الفهم المخالف لظاهر الدليل, وهذا وقع يسيرًا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف في التابعين, فكيف في العجم من الكوفيين والبصريين وغيرهم, بل أيضًا ممن أبعد من ذلك من أهل فارس, وغيرهم ممن دخل في الإسلام من الروم وغيرها.

 

لهذا نقول: ينبغي للإنسان إذا أراد أن يفهم مسائل الدين أصولًا وفروعًا أن يرجع إلى أقوال أهل العربية من أهل العلم والفضل, وصدر ذلك هم الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في المدينة ومكة, وكذلك أيضًا الأجلة من فقهاء التابعين في المدينة ومكة, فينبغي له أن يعرف أقوالهم، وأن يتبصر بها, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم إنما فضل أصحابه لهذا الباب, وكذلك أيضًا إنما جاء تفضيل المدينة وأهلها وفضل سكناها؛ باعتبار أن البدع فيها أقل من غيرها.

 

وما ذكره المصنف رحمه الله أنه سئل ذلك وهو في طريقه؛ في هذا إشارة إلى أن العالم والداعي إلى الله عز وجل سواء كان في حله وترحاله ينبغي أن يعرف أحوال الناس, ويتفقد حاجتهم أيضًا, ويعرف مواضع الجهل والخلل فيهم, وألا يكون منكفئًا على نفسه, بل يتبصر بأحوالهم، ويعرف ما يحتاجونه وما يجهلونه, فيسأل عن حاجتهم, وعن قصورهم في باب من الأبواب, فالمؤلف رحمه الله لما عمد إلى بعض البلدان قاصدًا المدينة النبوية سألوه التصنيف في هذا الباب, فعمد إلى تصنيف هذه الرسالة في مسائل العقائد.

 


 

المصدر:

محاضرة شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث، ج2

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة #العجمة
اقرأ أيضا
الحذر من إطلاق البصر | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحذر من إطلاق البصر


وليحذر العاقل إطلاق البصر فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه وربما وقع من ذلك العشق فيهلك البدن والدين فمن ابتلي بشيء منه فليتفكر في عيوب النساء. قال ابن مسعود: إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مثانتها وما عيب نساء الدنيا بأعجب من قوله عز وجل ولهم فيها أزواج مطهرة وإياك والاستكثار من النساء فإنه يشتت الشمل ويكثر الهم. ومن التغفيل أن يتزوج الشيخ صبية وأصلح ما يفعله الرجل أن يمنع المرأة من المخالطة للنساء فإنهن يفسدنها عليه وأن لا يدخل بيته مراهق ولا يأذن لها في الخروج.

بقلم: ابن مفلح
527
حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج2 | مرابط
تفريغات

حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج2


صرح قطز لأمرائه أنه ما طلب الملك إلا لحرب التتار فبدأ الأمراء المماليك يترددون فقد وصلت أنباء التتار المخيفة عن حرب التتار لكن قطز رحمه الله بدأ يضرب لهم مثلا رائعا في فهمه للإسلام ويعطي لهم قدوة راقية في الجهاد لقد أعلن قطز لهم أنه سيذهب بنفسه لحرب التتار ويكون مع جنوده في قلب المعركة ولن يرسل جيشا ويبقى هو في عرينه بمصر بل سيذوق مع شعبه ما يذوقون ويتحمل ما يتحملون ولو أرسل قطز جيشا وبقي هو في القاهرة ما لامه أحد ولكنه لم ير هناك وسيلة أفضل من ذلك لتحميس القلوب الخائفة وتثبيت الأفئدة المضط...

بقلم: د راغب السرجاني
874
من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف ثقافة

من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير


من أجل استمرار تدفق اللايكات إلى حسابك أو في سبيل أن تصبح إنسانا عاديا في 2020م ينبغي عليك أن تتايع التريندات أولا بأول أو تطور أجهزتك الإلكترونية باستمرار أو أن تقرأ المنشورات الحديثة للشخصيات والصفحات المشهورة يشكل يومي نحن نعيش في حالة مجنونة من السرعة كل لحظة هناك شيء جديد وأمر متغير

بقلم: د إسماعيل عرفة
608
الإيمان بالملائكة | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

الإيمان بالملائكة


الإيمان بالملائكة الذين هم عباد الله المكرمون والسفرة بينه تعالى: وبين رسله عليهم الصلاة والسلام المرام خلقا وخلقا والكرام على الله تعالى: البررة الطاهرين ذاتا وصفة وأفعالا المطيعين لله عز وجل خلقهم الله تعالى: من النور لعبادته ليسوا بناتا لله عز وجل ولا أولادا ولا شركاء معه ولا أندادا تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون والملحدون علوا كبيرا قال الله تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارت...

بقلم: حافظ بن أحمد الحكمي
1488
هل يخشى المسلمون الموت | مرابط
اقتباسات وقطوف

هل يخشى المسلمون الموت


مقتطفات من كتاب وطن الراشدين للكاتب عمرو عبد العزيز وهو من أهم مؤلفات الكاتب ويقدم فيه كما ذكر تصورا مبدأيا عن كليات عدة قضايا معاصرة يتوجب على كل مسلم تكوين تصور عنها مع التزام بإعادة ضبط النغمة السياسية والمجتمعية والمفاهيمية إلى الحالة الأولى لدولة الخلفاء الراشدين العظمى

بقلم: عمرو عبد العزيز
2452
حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج1 | مرابط
تفريغات

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج1


بين يديكم تفريغ لجزء من محاضرة للدكتور راغب السرجاني يدور حول الاجتياح المغولي للعراق والذي يعتبر من أبرز الأحداث في تاريخنا الإسلامي حيث يحمل الكثير من المآسي والعبر والدروس التي يجب أن نتعلمها فيما يخص تعامل المسلمين مع الأعداء

بقلم: راغب السرجاني
1090