![كلام محرج للاختلاطيين | مرابط](/images/articles/thumbnail/murabet.com_6ulzfnt.jpg)
بقي النبي، صلى الله عليه وسلم، يطالبهم به مدة عشرين سنة، مظهرا لهم النكير، زاريا على أديانهم، مُسفِّها آراءَهم وأحلامَهم، حتّى نابذوه وناصبوه الحرب فهلكت فيها النفوس، وأُريقت المُهَج، وقُطعت الأرحام، وذهبت الأموال. ولو كان ذلك في وُسعهم وتحت أقدارهم، لم يَتكلّفوا هذه الأمور الخطيرة، ولم يَركبوا تلك القوافر المُبيرة، ولم يكونوا تركوا السهل الدَّمِث من القول إلى الحَزَن الوَعِر من الفعل، وهذا ما لا يفعله عاقل ولا يختاره ذُو لُبٍّ، وقد كان قومُه قريش خاصة موصوفين برزانة الأحلام، ووَفارة العقول والألباب وقد كان فيهم الخطباء المَصاقع والشعراء المُفَلِّقون. وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بالجدال واللَّدَد، فقال سبحانه ﴿[…] ما ضربوه لك إلا جدلا، بل هم قوم خَصِمُون!﴾ [الزخرف: 58]، وقال سبحانه: ﴿وتُنْذر به قوما لُدًّا﴾ [مريم: 97]. فكيف كان يجوز –على قول العرب ومجرى العادة مع وقوع الحاجة ولُزوم الضرورة- أن يُغْفلوه ولا يَهتبلوا الفرصة فيه، وأن يَضربوا عنه صَفْحًا، ولا يَحُوزوا الفَلاح والظَّفَر فيه لولا عدم القدرة عليه والعجز المانع منه! ومعلوم أن رجلا عاقلا لو عَطِش عطشا شديدا خاف منه الهلاك على نفسه وبحضرته ماءٌ مُعْرِضٌ للشرب فلم يَشربه حتى هَلَك عطشا، [لَحَكَمنا] أنه عاجز عن شربه غير قادر عليه وهذا بَيِّنٌ واضحٌ لا يُشْكِلُ على عاقل
المصدر:
- أبو سليمان الخطابي، بيان إعجاز القرآن، ضمن "ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي والجرجاني، ص21