قضية اللغة العربية الجزء الأول

قضية اللغة العربية الجزء الأول | مرابط

الكاتب: محمود شاكر

2164 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

*اللغة لست عِلمًا .. بل هي شيء فوق العلم
*لغتنا في خطر داهم .. ونحن أيضًا

 

تفاصيل المؤتمر

 

دعت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية إلى عقد مؤتمر للغة العربية، تم عقده في 30 صفر إلى 4 ربيع الأول سنة 1402 هـ "26 - 30 ديسمبر سنة 1981 م". اشترك في هذا المؤتمر نحو من ستين عضوا، يمثلون تسع عشرة كلية، تنتمي إلى عشر جامعات مصرية، وسبع جامعات عربية من السودان والسعودية ولبنان، ومعهم غيرهم من أساتذة العربية في مصر وغيرها من البلاد العربية. وكان مقرر المؤتمر الدكتور محمد مصطفى هدارة، وكيل كلية الآداب للدراسات العليا والبحوث. عدد ضخم، ولولا ما نحن فيه اليوم، لتضاعف العدد تضاعفا يذهل ويخيف!

 

تناول المؤتمر قضية ضعف العربية على ألسنة أبنائها، من أول نشأة الطفل في بيت أمه وأبيه، ثم في المرحلتين الإبتدائية والثانوية، إلى أن ينتهي من دراسته الجامعية شابا، أو رجلا على الأصح، في نحو الخامسة والعشرين من عمره، ثم يلتحق بهيئة التدريس الجامعية، أو غيرها من الهيئات والأعمال.

 

قدم أساتذة المؤتمر أربعة وأربعين بحثا .. درست في المؤتمر العام، ثم في لجانه الخمس المتخصصة، وتخللتها مناقشات طويلة كثيرة دارت بين أعضاء المؤتمر نفسه. منذ أول يوم في المؤتمر، كانت الصورة قاتمة جدًّا، ومفزعة جدًّا، وظلت كذلك حتى صدرت توصياته تحمل نذير الخطر، وتتلمس في الظلام الدامس سبيلا إلى النجاة منه. ويكفي أن تلم بمجمل الوصايا الخمس، بأبوابها الثمانية والأربعين، حتى تدرك فداحة الخطر الذي يهدد العربية، وأبناء هذا اللسان العربي:

 

فالأولى، تتعلق بمرحلة التعليم قبل الجامعي، وفيها سبعة أبواب. والثانية، تتعلق بالمناهج وطرق التدريس في الجامعة، وهي أحد عشر بابا. والثالثة، تتعلق بتكوين الطالب الجامعي، وهي سبعة أبواب. والرابعة، تتعلق بتكوين المدرس الجامعي المتخصص، وهي ثلاثه أبواب. والخامسة، وهي أخطرهن، تتضمن وصايا جامعة شاملة لكل ما في حياتنا، وهي عشرون بابا.

 

إحساس غامض مبهم ممزق، ولكنه عميق مزلزل، أستشفه من وراء هذا المؤتمر، ومن تحت أكثر ما أقرؤه أحيانا في الصحف والمجلات والكتب، وما أسمعه في الإذاعات والمجالس. إحساس يرتجف ذعرا بما أصاب العربية اليوم على ألسنة أبنائها من الضعف والخلل والتفكك.

 

العربية في خطر داهم

 

"العربية في خطر داهم"، حقيقة واقعة .. نعم. ولكنها جزء يسير من الحقيقة المفزعة الكبرى. لأن الخطر الذي يحيط بالعربية، لا يحيط بها منفصلة عن أصحابها، أصحاب اللسان العربي نفسه وراثة وانتماء، ثم هو لا يحيط بأصحاب اللسان العربي، منفصلا عن حاضرهم، ولا عن مستقبلهم في هذه الدنيا الواسعة المتصارعة، ولا عن تاريخهم العريق الغائر في أغمض الآباد المتقادمة على طول القرون ولا عن حضاراتهم الغابرة والباقية التي بسطوها على أوسع رقعة من الأرض، من أقصى المغرب غربا، إلى جوف الصين شرقا، ومن قلب أوروبا شمالا إلى أطراف القارتين الإفريقية والآسيوية جنوبا، واستقرت فيها عشرات من القرون، تضئ ثم تكمن ثم تضئ.

 

"العربية في خطر داهم"، جزء يسير من الحقيقة المفزعة الكبرى، ولكنه الجزء المهدد الذي ينهار البناء كله بانهياره فإذا انهار، أصبح الحاضر كله، والمستقبل كله، ركاما وأطلالًا وملاعب يستبيحها من يشاء بما يشاء كما يشاء.

 

ومع أن هذا هو ما تجده مستكنا في صريح الدعوة إلى هذا المؤتمر وفي وصاياه، فإنه انعقد أياما ثم انفض، وتلقته بعض أجهزة الإعلام خبرا ضئيلا ينشر ثم يطوى، وكأنه كان لغوًا لا يحرك ساكنًا، ولا يثير أحدا، ولا ينذر بخطر، ولا يستحق أن ينال أسطرا قلائل من الآلاف المؤلفة من الأسطر التي تحوزها مشاكل الاقتصاد والإسكان والمرور، أو كرة القدم على الأقل. وهذا وحده نذير بشرّ لا يعلم إلَّا الله مداه.

 

أمر محزن أن تبلغ الاستهانة بشأن اللغة هذا المبلغ. موقف لا مثيل له في تاريخ أمم العالم، لأنه يخالف طبيعة الإنسان الذي ميزه الله من سائر خلقه باللغة والبيان، في قصة طويلة معقدة، منذ دب على الأرض أبونا آدم، عليه السلام، وتكاثر أبناؤه حتى عمروا وجه الأرض، واختلفت ألسنتهم وألوانهم، وصاروا شعوبا وقبائل وأممًا تتعارف وتتناكر على مر آلاف مؤلفة من السنين.

 

ضعف في اللغة يستشرى جيلا بعد جيل، واستهانة بما يصيب اللغة تتفاقم جيلا بعد جيل. موقف فريد مناقض للطبيعة، تقفه أمة العرب ومن ينتمون إليهم بالدين الواحد والحضارة الواحدة، أو باللسان الواحد والحضارة الواحدة وإن خالفوهم في الدين. كيف تم هذا كله؟ لابد من تفسير لما حدث كيف حدث، وإلاّ فلا علاج لعلة لا يعرف الطبيب أسبابها ولا نشأتها ولا تاريخها، وكفى بالطبيب جهلًا أن يعالج أعراض الداء، والداء في مكمنه حي طليق مسيطر مستبد.

 


 

المصدر:

  1. محمود محمد شاكر، جمهورة المقالات، ص1196
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
البشر والبشاشة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم | مرابط
مقالات

البشر والبشاشة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم


لقد كان حبيبنا صلوات الله وسلامه عليه يسمي أشياءه كل أشيائه.. تقريبا ما كان يترك شيئا له إلا ويجعل له اسما أو لقبا سواء في ذلك ما كان مخلوقا ينبض بالحياة أو جمادا باردا لكل دابة كان يمتلكها أو يركبها اسم أو لقب تخيل هذه النفسية التي رغم انشغالها والهموم التي تحملها والبلاءات التي تتوالى على صاحبها ومع ذلك تصر على تسمية مرآة أو كوب ماء أو درع!! بعضنا لو فعل مثل ذلك لربما تلقاه الناس بالاستهجان واللوم والاتهام بالتشاغل عن الهموم الجسيمة والمهمات الجليلة ولرمي باللامبالاة أو كما يقال بالعامية...

بقلم: محمد علي يوسف
350
بين الحجاب والتبرج: هل يمكن للظاهر أن يخالف الباطن؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الحجاب والتبرج: هل يمكن للظاهر أن يخالف الباطن؟


سنقف هنا مع المسلمة التي لا تلتزم بالحجاب وتزعم أن بداخلها إيمان يوازن إيمان المحجبات جميعا سنراها مرة في صورة الأم ومرة أخرى في صورة الزوجة لنختبر هذه الازدواجية التي تدعيها بين باطنها وظاهرها وهل فعلا ستلتزم في حياتها بهذا المبدأ أو الاعتقاد ألا وهو مخالفة الظاهر للباطن أم أنها لن تقدر على ذلك؟

بقلم: محمود خطاب
416
من الأمور التي أحبها الله لنا | مرابط
تفريغات

من الأمور التي أحبها الله لنا


فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى الله لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تنصحوا لولاة أموركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال

بقلم: عمر الأشقر
1303
المرأة في عصر النبوة | مرابط
المرأة

المرأة في عصر النبوة


ولم تكن حياة النساء في العصر الأول كحياتهن في هذا العصر مضطربة حائرة أو متبذلة ساخرة بل كانت إلى الفطرة أقرب وإلى الطهر أدنى. ولم يكن يمنعهن الحياء الذي يتحلين به -والحياء من الإيمان- أن يتفقهن في الدين ويسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عما جهلن منه ولم تكن رعايتهن البالغة بحقوق الزوج والبيت والولد لتحول بينهن وبين المنافسة في الهدى والخير إلى المثوبة والبر ابتغاء رضوان الله ورسوله

بقلم: طه محمد الساكت
297
البناء الأسري: بين الإسلام والعلمانية | مرابط
فكر

البناء الأسري: بين الإسلام والعلمانية


من أهم التحولات التي أتى بها الإسلام في بنية الأسرة أنه جعلها قائمة على أساس تراحمي.. لأن الشريعة نظرت للأسرة بوصفها أهم نظام اجتماعي يضمن فاعلية الأمة وعزتها ولازم هذا الأمر جعلت المعاني المعنوية تقوى ومودة وعشرة ورحمة.. أساس تماسك الزواج بدلا من أولى من النسب والمال ونحوهما.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
469
الاعتبار | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاعتبار


ومن اعتمد في هدايته وسداده على نفسه ومواهبه ومهاراته واستغنى عن ربه فلن تزيده إلا حيرة وضلالا وطغيانا ومن استعان الله واهتدى به هداه الله بأقل ما يبلغه من العلم ووفقه للعمل به ومن حاز الدنيا بكل ما فيها من زينة ومتاع ولم يطلب الباقيات الصالحات فهو أعظم الناس خسارة وهو الظالم والمظلوم ولا يظلم ربك أحدا

بقلم: حسين عبد الرازق
458