قضية اللغة العربية الجزء الأول

قضية اللغة العربية الجزء الأول | مرابط

الكاتب: محمود شاكر

2073 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

*اللغة لست عِلمًا .. بل هي شيء فوق العلم
*لغتنا في خطر داهم .. ونحن أيضًا

 

تفاصيل المؤتمر

 

دعت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية إلى عقد مؤتمر للغة العربية، تم عقده في 30 صفر إلى 4 ربيع الأول سنة 1402 هـ "26 - 30 ديسمبر سنة 1981 م". اشترك في هذا المؤتمر نحو من ستين عضوا، يمثلون تسع عشرة كلية، تنتمي إلى عشر جامعات مصرية، وسبع جامعات عربية من السودان والسعودية ولبنان، ومعهم غيرهم من أساتذة العربية في مصر وغيرها من البلاد العربية. وكان مقرر المؤتمر الدكتور محمد مصطفى هدارة، وكيل كلية الآداب للدراسات العليا والبحوث. عدد ضخم، ولولا ما نحن فيه اليوم، لتضاعف العدد تضاعفا يذهل ويخيف!

 

تناول المؤتمر قضية ضعف العربية على ألسنة أبنائها، من أول نشأة الطفل في بيت أمه وأبيه، ثم في المرحلتين الإبتدائية والثانوية، إلى أن ينتهي من دراسته الجامعية شابا، أو رجلا على الأصح، في نحو الخامسة والعشرين من عمره، ثم يلتحق بهيئة التدريس الجامعية، أو غيرها من الهيئات والأعمال.

 

قدم أساتذة المؤتمر أربعة وأربعين بحثا .. درست في المؤتمر العام، ثم في لجانه الخمس المتخصصة، وتخللتها مناقشات طويلة كثيرة دارت بين أعضاء المؤتمر نفسه. منذ أول يوم في المؤتمر، كانت الصورة قاتمة جدًّا، ومفزعة جدًّا، وظلت كذلك حتى صدرت توصياته تحمل نذير الخطر، وتتلمس في الظلام الدامس سبيلا إلى النجاة منه. ويكفي أن تلم بمجمل الوصايا الخمس، بأبوابها الثمانية والأربعين، حتى تدرك فداحة الخطر الذي يهدد العربية، وأبناء هذا اللسان العربي:

 

فالأولى، تتعلق بمرحلة التعليم قبل الجامعي، وفيها سبعة أبواب. والثانية، تتعلق بالمناهج وطرق التدريس في الجامعة، وهي أحد عشر بابا. والثالثة، تتعلق بتكوين الطالب الجامعي، وهي سبعة أبواب. والرابعة، تتعلق بتكوين المدرس الجامعي المتخصص، وهي ثلاثه أبواب. والخامسة، وهي أخطرهن، تتضمن وصايا جامعة شاملة لكل ما في حياتنا، وهي عشرون بابا.

 

إحساس غامض مبهم ممزق، ولكنه عميق مزلزل، أستشفه من وراء هذا المؤتمر، ومن تحت أكثر ما أقرؤه أحيانا في الصحف والمجلات والكتب، وما أسمعه في الإذاعات والمجالس. إحساس يرتجف ذعرا بما أصاب العربية اليوم على ألسنة أبنائها من الضعف والخلل والتفكك.

 

العربية في خطر داهم

 

"العربية في خطر داهم"، حقيقة واقعة .. نعم. ولكنها جزء يسير من الحقيقة المفزعة الكبرى. لأن الخطر الذي يحيط بالعربية، لا يحيط بها منفصلة عن أصحابها، أصحاب اللسان العربي نفسه وراثة وانتماء، ثم هو لا يحيط بأصحاب اللسان العربي، منفصلا عن حاضرهم، ولا عن مستقبلهم في هذه الدنيا الواسعة المتصارعة، ولا عن تاريخهم العريق الغائر في أغمض الآباد المتقادمة على طول القرون ولا عن حضاراتهم الغابرة والباقية التي بسطوها على أوسع رقعة من الأرض، من أقصى المغرب غربا، إلى جوف الصين شرقا، ومن قلب أوروبا شمالا إلى أطراف القارتين الإفريقية والآسيوية جنوبا، واستقرت فيها عشرات من القرون، تضئ ثم تكمن ثم تضئ.

 

"العربية في خطر داهم"، جزء يسير من الحقيقة المفزعة الكبرى، ولكنه الجزء المهدد الذي ينهار البناء كله بانهياره فإذا انهار، أصبح الحاضر كله، والمستقبل كله، ركاما وأطلالًا وملاعب يستبيحها من يشاء بما يشاء كما يشاء.

 

ومع أن هذا هو ما تجده مستكنا في صريح الدعوة إلى هذا المؤتمر وفي وصاياه، فإنه انعقد أياما ثم انفض، وتلقته بعض أجهزة الإعلام خبرا ضئيلا ينشر ثم يطوى، وكأنه كان لغوًا لا يحرك ساكنًا، ولا يثير أحدا، ولا ينذر بخطر، ولا يستحق أن ينال أسطرا قلائل من الآلاف المؤلفة من الأسطر التي تحوزها مشاكل الاقتصاد والإسكان والمرور، أو كرة القدم على الأقل. وهذا وحده نذير بشرّ لا يعلم إلَّا الله مداه.

 

أمر محزن أن تبلغ الاستهانة بشأن اللغة هذا المبلغ. موقف لا مثيل له في تاريخ أمم العالم، لأنه يخالف طبيعة الإنسان الذي ميزه الله من سائر خلقه باللغة والبيان، في قصة طويلة معقدة، منذ دب على الأرض أبونا آدم، عليه السلام، وتكاثر أبناؤه حتى عمروا وجه الأرض، واختلفت ألسنتهم وألوانهم، وصاروا شعوبا وقبائل وأممًا تتعارف وتتناكر على مر آلاف مؤلفة من السنين.

 

ضعف في اللغة يستشرى جيلا بعد جيل، واستهانة بما يصيب اللغة تتفاقم جيلا بعد جيل. موقف فريد مناقض للطبيعة، تقفه أمة العرب ومن ينتمون إليهم بالدين الواحد والحضارة الواحدة، أو باللسان الواحد والحضارة الواحدة وإن خالفوهم في الدين. كيف تم هذا كله؟ لابد من تفسير لما حدث كيف حدث، وإلاّ فلا علاج لعلة لا يعرف الطبيب أسبابها ولا نشأتها ولا تاريخها، وكفى بالطبيب جهلًا أن يعالج أعراض الداء، والداء في مكمنه حي طليق مسيطر مستبد.

 


 

المصدر:

  1. محمود محمد شاكر، جمهورة المقالات، ص1196
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
خيركم لمن؟ | مرابط
مقالات

خيركم لمن؟


اقرأوا مشاكل الناس شكاوى الزوجات من الإهمال وشكاوى الأزواج أيضا من الإهمال وكيف يؤدي هذا إلى تحطم الأسر وأحيانا إلى الوقوع في الفواحش أو مقدماتها والعياذ بالله بجانب الوقوع في الحقد والحسد والانشغال بالآخرين وانظروا إلى آثار هذا الإهمال على الأولاد والنشء ثم على المجتمع بالتبعية لتستشعروا قدر الخيرية التي يحققها ذلك الحاضن لأسرته المشغول بهم المشغول بهم أي بكل شيء يخصهم وأهمه دينهم وخلقهم ونفسيتهم ونضجهم العقلي والعاطفي وليس فقط مشغولا بأكلهم ولبسهم ومدارسهم.

بقلم: معتز عبد الرحمن
256
الزهد المشروع | مرابط
مقالات

الزهد المشروع


سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن رجل تفقه وعلم ما أمر الله به وما نهى عنه ثم تزهد وترك الدنيا والمال والأهل والأولاد خائفا من كسب الحرام والشبهات وبعث الآخرة وطلب رضا الله ورسوله وساح في أرض الله والبلدان فهل يجوز له أن يقطع الرحم ويسيح كما ذكر أم لا؟

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
279
الحقيقة الكبرى الناظمة للقرآن | مرابط
مقالات

الحقيقة الكبرى الناظمة للقرآن


يحدثك القرآن عن ظاهرة المصائب والأضرار التي تصيب الإنسان في حياته الشخصية وبالرغم من أن الله شرع لنا اتخاذ الأسباب كالأدوية للشفاء من المرض والتماس الرزق لرفع الفقر إلا أن القرآن يكثف دائرة الضوء على أمر آخر أهم وهو أن يرتبط الفؤاد بالله سبحانه وتعالى وهو يصارع هذه البلاءات

بقلم: إبراهيم السكران
361
دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني | مرابط
النسوية الجندرية

دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني


إن الموجة الجندرية المتصاعدة في هذه الأيام والتي تدعو إلى عدم اعتبار الهوية الجنسية البيولوجية الذكر والأنثى وإنما تدعو إلى هوية جندرية جديدة مصنوعة قد يرى فيها الرجل أنه امرأة والعكس قد تشعر فيها المرأة أنها تريد أن تصبح رجلا وتؤدي دوره الاجتماعي كاملا أي أن الجنس لا دلالة له ومن حق الرجل والمرأة اختيار الدور الاجتماعي المفضل وفقا للهوية الجندرية وهذه الموجة التي تدعو إلى تقنين الشذوذ واللوطية وإطلاق الحريات الجنسية لم تصعد إلا على أكتاف الحركة النسوية ومبادئها وأفكارها التي آلت إلى الفلسف...

بقلم: عمرو عبد العزيز
2136
عقول الصحابة والتابعين | مرابط
اقتباسات وقطوف

عقول الصحابة والتابعين


بين يدي القارئ اقتباس لامع لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من كتابه الماتع درء تعارض العقل والنقل يتحدث فيه عن عقول الصحابة الكرام رضي الله عنهم وعقول التابعين ومن تابعهم من العلماء الأجلاء وكيف أنها تفوق الناس جميعا ولا يسع أحد مخالفتهم

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2166
من علامات السعادة والفلاح | مرابط
اقتباسات وقطوف

من علامات السعادة والفلاح


من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته وكلما زيد في خوفه وحذره وكلما زيد في عمره نقص من حرصه وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم

بقلم: ابن القيم
827