
المخالفة أن منهج أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان والتوحيد، أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وهذا خلافًا للمرجئة، فالإيمان بإجماع أهل السنة والجماعة: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان.
والإيمان قول وعمل القول باللسان، فإذن قول القلب وعمل القلب، وعمل اللسان وعمل الجوارح، الإيمان حقيقة مركبة من هذه الأشياء الأربعة، فما هو قول القلب؟ يا الله يا إخوان، قول القلب؟ تصديقه وإقراره ويقينه. ما هو قول اللسان؟ النطق بالشهادتين. ما هو عمل القلب؟ نيته وإخلاصه وإذعانه وتسليمه وحبه ورجاءه لله تعالى، والتوكل عليه، والصدق معه، والحياء منه، هذا عمل القلب، طيب، ما هو عمل الجوارح؟ العبادات، فعل المأمورات، ترك المنهيات.
فأهل السنة والجماعة إذن عندما يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، قول وعمل ونية واتباع للسنة، قول باللسان، اعتقاد بالقلب، عمل بالجوارح، كله صحيح، فإن قالوا: قول وعمل، فيقصدون قول القلب وعمل القلب، ويقصدون قول اللسان وعمل الجوارح.
وعندما قال أهل السنة: الإيمان قول وعمل قصدوا الرد على المرجئة؛ لأن المرجئة هم الذين ابتدعوا قضية أن الإيمان ما له علاقة بالعمل، الإيمان يصح بدون عمل، ففي عبارات نشأت عند أهل السنة في العقيدة، مثلًا يمكن ما قالها الصحابة، لكن أهل السنة قالوها لاحقًا للرد على أهل البدعة الذين خرجوا، ولو ما خرجوا كان ما قالوها، فهذا..
يعني مثلًا: نؤمن بالقرآن المنزل من الله غير مخلوق.
في عبارة كذا مثلًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أن القرآن غير مخلوق؟ غير مخلوق هذه متى نشأت؟ ليش؟ ليش خرجت يعني؟ لأنه طلع المعتزلة الذين قالوا: إن القرآن مخلوق، فأهل السنة ردوا عليهم بأن القرآن منزل غير مخلوق، وصارت العبارة هذه في عقائد أهل السنة.
هي لو ابتداءً ما طلع معتزلة كان ما طلعت، كان استمرينا القرآن منزل من ربك بالحق، وأنزله نزله، وخلصنا.
لكن ما طلعت هذه إلا نتيجة للرد على أهل البدع، وقل مثل ذلك في القدر، مثلًا في أمور تتعلق بالقدر، في أمور تتعلق .. الآن الإيمان قول وعمل، الإيمان في الكتاب والسنة يعني واضح، خلاص يعني إذا قال مؤمن إيمان يعني مفروغ منها، أنها تعني القول والعمل، حتى لو ما قيل قول وعمل، لكن متى نشأ التفصيل؟ لما خرج أهل البدع.
فإيمان القلب شرط لصحة الإيمان، ولا يصح الإيمان بدونه:"أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ" [المجادلة: 22]، "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ" [الحجرات: 7].
وجمع الله تعالى بين الإيمان والعمل في آيات كثيرة، مثلًا قول الله : "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا" [الكهف: 107]، "إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" [العصر: 3].
الإمام الآجري رحمه الله ممن ألف في العقيدة يقول: "اعلموا أنكم إن تدبرتم القرآن كما أمركم الله علمتم أن الله -تعالى- أوجب على المؤمنين بعد إيمانهم به وبرسوله العمل، وانه تعالى لم يثن على المؤمنين بأنه قد رضي عنهم، وأنهم قد رضوا عنه، وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة والنجاة من النار إلا بالإيمان والعمل الصالح، وقرن مع الإيمان العمل الصالح، لم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده، حتى ضم إليه العمل الصالح الذي قد وفقهم إليه، فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدقًا بقلبه، ناطقًا بلسانه، عاملًا بجوارحه. ولا يخفى على من تدبر القرآن وتصفحه، لا يخفى على من تدبر القرآن وتصفحه وجده كما ذكرت.
يقول الآجري رحمه الله: واعملوا رحمنا الله وإياكم أني قد تصفحت القرآن فوجدت فيه ما ذكرت في ستة وخمسين موضعًا من كتاب الله ، أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم، وبما وفقهم إليه من الإيمان والعمل الصالح، وهذا رد –يقول الآجري- على من قال الإيمان المعرفة، ورد على من قال المعرفة والقول -لأنه غلاة المرجئة قالوا: المعرفة فقط، بعض المرجئة زادوا قالوا: المعرفة والقول، وكلها الآيات ترد عليهم- وهذا رد على من قال: الإيمان المعرفة، ورد على من قال: المعرفة والقول وإن لم يعمل، نعوذ بالله من قائل هذا".[ كتاب الشريعة للآجري: 1/117].
الله سمى الصلاة إيمانًا، أين في كتابه؟
في قضية تحويل القبلة، والناس اللي ماتوا قبل التحويل، وتساءل الصحابة إيش مصيرهم، ما صلوا إلا إلى بيت المقدس، إيش مصيرهم؟
قال الله تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ" [البقرة: 143]، والمقصود بحسب أسباب النزول صلاتكم التي صليتموها إلى القبلة الأولى قبل أمركم بالتحول.
وقال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا" [فصلت: 30].
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك. قال: "قل آمنت بالله، ثم استقم" [رواه مسلم: 38].
فجمع له بين القول باللسان مع اعتقاد القلب والعمل الذي هو الاستقامة على أمر الله، فالاعتقاد لا ينفك عن القول والعمل، ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، هذا كما قال الأوزاعي رحمه الله. [الإبانة الكبرى لابن بطة: 1098].
المصدر:
https://almunajjid.com/courses/lessons/251