مسائل في الحجاب

مسائل في الحجاب | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

410 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

 

وقبل الشروع في ذلك نتكلم على جملة من المسائل مما اتفق عليه العلماء مما تقدمت الإشارة إليه على وجه الإجمال.

 

الاستتار والنهي عن دواعي الفتنة

أولاً: قد دل الدليل من جهة الإجمال على أهمية الاستتار والعفاف والستر، وأن الإنسان ينبغي قدر إمكانه أن يحترز من النساء، فقد قد جاءت الأدلة كثيرة في كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير من مخالطة النساء والدنو منهن، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في بيان عاقبة التكشف والتعري، كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث إسرائيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة : ( صنفان من أهل النار لم أرهم قط، أناس معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت لا يرحن ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ).

 

فقوله عليه الصلاة والسلام: ( كاسيات عاريات مائلات مميلات ) مائلات أي: بأنفسهن، مميلات لغيرهن بما يبدينه من زينتهن، فإنهن قد أملن الدين وأملن الأخلاق فانحرف هؤلاء بانحرافهن، وهذا يظهر من قوله عليه الصلاة والسلام: ( واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )، ولهذا حرم النبي عليه الصلاة والسلام جملة من دواعي الفاحشة من النظر المحرم، بل بين النبي عليه الصلاة والسلام أن النظرة الأولى للإنسان، وأنه لا يجوز أن يستغفل، وبيّن عليه الصلاة والسلام نظر الفجاءة.

 

كما جاء في حديث جرير في الصحيح: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النظرة )، بل قال غير واحد من العلماء: إن هذا محل إجماع، بل قال ابن مفلح في الفروع: إن النظر لشهوة محرم، ومن أنكره فقد كفر، ومراده بذلك أنه ظاهر في كلام الله سبحانه وتعالى، ومن أنكره فقد أنكر شيئاً بيناً من كلام الله عز وجل، فهو متواتر ومن أنكر المتواتر البين من جهة اللفظ أو المعنى فإنه كافر بالله سبحانه وتعالى خارج عن الملة.

 

ومن هذا المعنى نهى الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام في جملة من الأخبار أن تلبس المرأة ما يشف جسدها أو يصف عضوها، وهذا محل اتفاق عند العلماء، حكى اتفاق العلماء على ذلك غير واحد، وقد جاء في ذلك جملة من الأخبار عنه عليه الصلاة والسلام، كما جاء في المسند والبيهقي من حديث أسامة بن زيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له ثياباً قبطية، فلما لم يرها عليه سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: أهديتها لزوجتي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: مرها فلتضع تحتها شيئاً فإني أخشى أن تصب إضامها )، وقد حسن هذا الخبر غير واحد من الأئمة.

 

وقد جاء عند ابن سعد من حديث هشام بن عروة عن المنذر بن الزبير أنه لما قدم من العراق أهدى إلى أسماء بنت أبي بكر عليها رضوان الله تعالى ثياباً قبطية وكانت قد عميت فمستها بيدها فقالت: أف أعيدوا إليه كسوته، وراجعها في ذلك فقالت عليها رضوان الله تعالى: إنها تشف، وإذا لم تشف فإنها تصف. أي: تصف الجسد.

 

وقد جاء في ذلك عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى كما جاء في سنن البيهقي وغيره: أنه نهى النساء عن لبس الثياب القبطية؛ لأنها تصف الأجساد، أو تشفها، أي: أنها تبدي الجسد من ورائها، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلبس الغلاظ من الثياب، حتى لا يظهر جسد المرأة، وهذا محل إجماع عند العلماء، ولا خلاف عندهم في ذلك.

 

لون الملابس

ومن المسائل المتعلقة بهذا الباب ما تلبسه المرأة وتستتر به، وهل له لون معين أم لا؟ الوارد في ذلك عن الصحابيات عليهن رضوان الله تعالى أنهن كن يلبسن السواد، وقد جاء هذا عن عائشة عليها رضوان الله تعالى، كما روى مسدد في مسنده من حديث إسماعيل بن أبي جعفر عن أمه وأخته أنهما دخلتا على عائشة عليها رضوان الله تعالى، وعليها خمار أسود، فسألنها عن تخمر المرأة وهي محرمة، فأخذت بخمارها من على صدرها ووضعته على وجهها.

 

وقد جاء هذا في حديث أم سلمة لما أنزل الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى:  وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]، قالت: خرجن النساء وكأنهن الغربان عليهن أكسية سود، وجاء هذا عند عبد الرزاق في مصنفه وغيره، وجاء وهذا ما يفهم من خبر أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى كما في الصحيح، وإن لبست المرأة غير ذلك فلا حرج فيه، إذا كان عليه الوصف تاماً والابتداء بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا.

 

حكم كشف شعر المرأة

وأما ما تستره المرأة، وقد اتفق العلماء على أنها يجب عليها أن تستر جميع جسدها على خلاف في بعض الأجزاء مما يأتي الكلام عليه، فاتفق العلماء على أن المرأة يحرم عليها أن تظهر شعرها، حكى إجماع العلماء على ذلك غير واحد منهم ابن المنذر ، وابن حزم الأندلسي في كتابه الإجماع، وغيره من الأئمة أنه لا يجوز للمرأة أن تظهر شعرها على الإطلاق، وهذا المقرر في سائر المذاهب الفقهية: المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة، وكذلك مذهب الظاهرية، بل قد نص الفقهاء من أرباب المذاهب البدعية من جهة الاعتقاد كالرافضة والإباضية وغيرها على أنه يحرم على المرأة أن تظهر شيئاً من شعرها، فيكون حينئذٍ هذا من النصوص القطعية المتواترة.

 

حكم النقاب

وأما النقاب وستر المرأة لوجهها من جهة الأصل وتقرير هذه المسألة، فينبغي أن يعلم أن النقاب كما أنه موجود في الجاهلية، فهو كذلك موجود في صدر الإسلام على هيئته بإظهار المرأة لعينيها، ومن نفى ذلك فإنه دليل على الجهل الظاهر البين، كما تقدمت الإشارة إليه ببيان أشعار الجاهليين، وكما جاء عن عائشة عليها رضوان الله تعالى، كما ذكر ابن سعد في الطبقات من حديث أم سلمة أنها دخلت على أمهات المؤمنين، وهن منتقبات، وسمت منهن عائشة عليها رضوان الله تعالى، و زينب و جويرية ، وغيرهن عليهن رضوان الله تعالى، وكذلك ما يذكره الفقهاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحكام النقاب في جملة من المواضع في عورة المرأة عند الرجال، وسترها، وكذلك في مسائل المناسك.

 

وتنقب المرأة في الإحرام، وقد عقد غير واحد من العلماء فصولاً في لبس المرأة نقابها في حال طوافها، كما ترجم لذلك الفاكهي في كتابه أخبار مكة فقال: باب ذكر طواف المرأة متنقبة، وأورد في ذلك عشرة من الأخبار، عن عبد الله بن عباس و عائشة و عطاء بن أبي رباح و مجاهد بن جبر و جابر بن زيد وغيرهم من السلف أنهم يرون طواف المرأة وهي متنقبة، وإن كانت محرمة إذا كانت لا تجد ما تغطي بها وجهها، وقد جاء ذلك عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ستأتي الإشارة إليه.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#قضية-الحجاب #الحجاب
اقرأ أيضا
مسلمو الروهينجا: جذور المشكلة | مرابط
توثيقات

مسلمو الروهينجا: جذور المشكلة


مأساة المسلمين الروهينجا في بورما ميانمار ليست وليدة اليوم أو الأشهر الأخيرة عندما طفت مشكلتهم على السطح جراء تجدد أعمال العنف ضدهم من قبل حشود البوذيين بتحريض من الرهبان وعلى أعين السلطات والحكومة وإنما ترجع تلك المأساة إلى سنوات بعيدة وتحديدا إلى العام 1982م عندما صدر قانون ينص على أن أي أقلية في البلاد لا تستحق الجنسية الميانمارية إلا إذا ثبت أنها كانت موجودة في البلاد قبل عام 1823م أي قبل الحرب الأنجلو-بورمية الأولى

بقلم: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
724
مهارة الحفظ | مرابط
ثقافة

مهارة الحفظ


قدرة الحفظ لها لياقة تنمو بالمراس والمران والدربة والمزاولة ومعيار اللياقة أمران: أن تزيد كفاءة وفعالية المهارة وأن تثمر المهارة نتائجها دون مشقة وتعب مفرط. وهذان يحصلان كما سبق بكثرة التمرين واستمراره.

بقلم: إبراهيم السكران
397
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج4 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج4


وهذا سعيد بن المسيب رحمه الله سيد التابعين كان يقول: كنت أرحل للحديث الواحد الليالي والأيام هناك مجموعة كثيرة من الناس عاصرت الصحابة لكن ليس كل الناس علماء وليس كل الناس سعيد بن المسيب رحمه الله والإمام البخاري تعلم على يد ألف شيخ سافر إليهم إلى مختلف البلدان في العالم الإسلامي في ذلك الوقت من أجل العلم

بقلم: د راغب السرجاني
697
جذور الخطاب المدني المعاصر | مرابط
اقتباسات وقطوف

جذور الخطاب المدني المعاصر


يبدو أن الخطاب المدني المنتشر في بلادنا الإسلامية قد حظي باهتمام بالغ لدى الباحثين في محاولة لمعرفة الجذور التي أدت إليه يقول البعض أنه نتاج مباشر للمدرسة العقلانية بينما يظن آخرون أنه الامتداد الطبيعي لمدرسة المعتزلة أو أنه نتج بسبب الانبهار الشديد بالغرب وبين يديكم مقتطف هام من كتاب مآلات الخطاب المدني يقف فيه إبراهيم السكران على هذا التساؤل الهام والآراء المنتشرة حوله

بقلم: إبراهيم السكران
789
مآسي الروهنجيين | مرابط
توثيقات

مآسي الروهنجيين


الرجل الروهنجي لا يبكي على مال كان معه ثم ضيعه لا يبكي على منزل أتى الحقد البوذي عليه فاقتلعه إنه يبكي أسفا على أمة بلغت المليار ولم تردع عنه بطش الكفار يبكي على الإنسانية التي ماتت تحت ظروف غامضة الروهنجيا أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم هذه الجملة وحدها تكفي لإدراك كم تعاني هذه الأقلية المسلمة من أهوال

بقلم: عبد الله عبد القادر أحمد
766
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب | مرابط
فكر مناقشات

خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب


ولقد طالعت هذا السر وقرأته فوجدت كتاب دجل وخرافة يراد تمريرها عبر بهرجة لفظية وزخرفة كلامية ودعاوى فارغة فتركت الكتاب ولم أحفل به كونه من الباطل البين ولم أعن حينها بالكتابة حوله كونه مكتوبا بلغته الأم مما ساهم في تحجيم انتشاره وتضييق عدد قرائه عندنا لكن حين ترجم الكتاب إلى العربية وأخذت إعلاناته تطل علينا في الشوارع ويسوق له على مستوى عال تغير الحال وتبدل الرأي

بقلم: عبد الله العجيري
711