مفاهيم تحتاجها الأمة ج2

مفاهيم تحتاجها الأمة ج2 | مرابط

الكاتب: د راغب السرجاني

676 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

بالإرادة والعزيمة نغير واقعنا

المفهوم الثامن: أمة الإسلام تملك الكثير، فلا يعتقدن أحد أن أمة الإسلام عاجزة، وليس من المقبول شرعًا أو عقلًا أن تقف دولة فقيرة معدمة مثل كوريا الشمالية هذه الوقفة أمام أمريكا ولا تستطيع أمة الإسلام أن تقفها، فكوريا الشمالية عدد سكانها ثلاثون مليون مواطن شيوعي ملحد، وأمة الإسلام مليار وثلث مليار، ومساحة كوريا الشمالية مائة وعشرون ألف كيلو متر مربع فقط -عشر مساحة مصر، أي: مثل محافظات فقط من مصر- و6.4 مليون مواطن في كوريا الشمالية مهددون بالموت جوعًا، فهم فقراء فقرًا معدمًا، ويعيشون على الطحالب والأعشاب، أما أمة الإسلام فتمتلك إمكانيات اقتصادية وبشرية وعقلية وجغرافية وإستراتيجية هائلة، وفوق ذلك إمكانيات عقائدية ليست لغيرها من الأمم، والله مولانا ولا مولى لهم، فكيف يستطيع الكوريون أن يصنعوا سلاحًا ولا نستطيع نحن؟! وكيف لا يقبل الكوريون خفض رءوسهم وتقبل أمة المليار أن تخفض رأسها؟!

فالمسألة -إخواني في الله!- مسألة روح وإرادة وعزيمة

والذي في يدينا من أجل أن نغير.

أولًا: رأي عام محلي وعالمي، فتحرك أخي في الله بهذه المفاهيم، واكتب بها خطابات للصحف، ورسائل على الإنترنت، وعلى الجوال، وأقم لها الندوات الثقافية، وتحدث بها مع الأهل والأصدقاء والجيران، حتى المظاهرات السلمية بالضوابط الشرعية، واشرح وجهة نظر الإسلام في كل هذه المتغيرات، وعلم من تستطيع، واخلق جوًا عامًا من الاعتزاز بهذا الدين والأمل بقيامه والرغبة في الجهاد والشوق إلى الشهادة، وسيؤتي كل هذا إن شاء الله ثمارًا عظيمة وحمية في قلوب المسلمين، ورعبًا في قلوب أعداء الدين.

ثانيًا: المقاطعة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي، وقد أصبح واضحًا أن الشراء منهم إثم وذنب وخطيئة، فلم يعد من المقبول أبدًا تحت أي مبرر أن نتعامل بالبيع والشراء مع الذين يسفكون دماء إخواننا وأمهاتنا وأطفالنا وشيوخنا، فالفتور في المقاطعة يعني: غياب الفهم وانعدم الرؤية، والمقاطعة للأعداء ليست بدعة في وسائل المقاومة، وإلى الذين فتروا عن المقاطعة أهدي لهم بحث الحكومة الأمريكية لمقاطعة الصادرات الألمانية لأمريكا والتي تجاوزت ستين بليون دولار، وبحث مقاطعة الطيران الفرنسي والجبن الفرنسي؛ ذلك لأن ألمانيا وفرنسا تعارضان السياسية الأمريكية فقط ولا تحاربانها.

عضو في الكونجرس طلب تغيير اسم الفرنش برايز البطاطس الفرنسية إلى اسم الفري برايز البطاطس الحر، مع أن هذا مجرد اسم البطاطس لا تصنع في فرنسا، ولكن العضو رفض كل ما يحمل اسمًا فرنسيًا حتى لو كان الفرنش برايز، فأين المسلمون؟

ثالثًا: الإيجابية في الانتخابات، فلا بد أن تذهب وتنتخب الأصلح مهما خرجت النتائج على غير الرغبة الحقيقية للشعوب، ولكن هذا واجب وطريق لا بد أن يسلك مع غيره من الطرق.

رابعًا: تربية الأطفال والشباب على هذه المعاني، وبث روح الجهاد والتضحية والبذل في نفوس الشعب، وضرب الأمثلة العظيمة واستعراض التاريخ المجيد، وهذا الدور ملقى على عاتق كل أب ومدرس وداعية وصاحب قلم مسلم غيور على الدين.

خامسًا: الإصلاح ومحاربة الفساد، والارتفاع بمستوى الأخلاق، وإشاعة جو من التعامل النظيف، حتى يكون في تعامله نظيف اليد واللسان والقلب، وكل في مكانه وعلى حسب طاقاته.

سادسًا: تحسين الإنتاج وتوجيهه إلى الأصلح والأنفع، ومراقبة الله عز وجل في كل عمل وصناعة وزراعة ومنتج.

سابعًا: الدعاء المستمر الملح، فهو سلاح فعال تمامًا، ولا تنسوا قولة أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: الدعاء يرفعه العمل.

فالله عز وجل لا يستجيب لدعاء من لا يعمل ولا يقوم ولا يتحرك لنصرة الإسلام والمسلمين، ولا لمن فتر وأحبط ويئس.

وهذه الأشياء في يد الأمة الإسلامية، وهناك أشياء أخرى كثيرة، فلا يعتقدن أحد أبدًا أن أمة الإسلام عاجزة.

 

استشعار كل فرد أنه مسئول وحده

المفهوم التاسع: أقتالهم وحدي حتى تنفرد سالفتي ويقطع عنقي، وهذه كلمة قالها الصديق رضي الله عنه وأرضاه عند الردة، يعبر فيها عن القيام بدوره حتى لو قعد الآخرون، فالمسئولية فردية، فنحن أمرنا أن نعمل مجتمعين ولكننا سنحاسب فرادى، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، وقال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94]، فلو قعد كل المسلمين فما المبرر لأن تقعد أنت؟ ولو تكاسل كل الخلق فما الداعي لأن تتكاسل أنت؟ ولو دخل كل أهل الأرض النار أيكون هذا مبررًا لأن تدخلها معهم؟! والله لا يؤاخذ أحدًا بجريمة أحد، وأنت لا تعمل لفلان أو لعلان، ولا لرئيس أو ملك، ولا لشهرة أو سمعة، ولا لمال أو سلطان، وإنما تعمل لله رب العالمين، وهو عز وجل حي لا يموت، فهو الأول الذي ليس قبله أحد، والآخر الذي ليس بعده أحد، وهو المطلع عليك والمحاسب لك، وسيجازيك عن الحسنة بعشر أمثالها، وسيعاقبك على السيئة بمثلها، والله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فلماذا الركود والفتور والكسل؟ فاعمل بكل طاقتك، وتذكر: أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي.

 

الحذر من التسويف

المفهوم العاشر والأخير: إياك والتسويف، ولا أقول لك: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، ولكن أقول لك: لا تؤجل عمل اللحظة الحالية إلى اللحظة القادمة. فإن لكل أمة أجل، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]. فإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أردت دعاءً فمن الآن، وإذا أردت مقاطعة فمن الآن، وإذا أردت صلاة وصيامًا وزكاة فمن الآن، وإذا أردت صلحًا مع أخيك وصلة لرحمك وبرًا لوالديك فمن الآن، وإذا أردت دعوة إلى الله وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر فمن الآن، وإذا أردت وقفًا لفساد أو رشوة أو وساطة فمن الآن، وإياك والتسويف، والشيطان لا يأمر المؤمنين بالامتناع عن الأعمال الصالحة ولكن يأمرهم بتأجيلها، فإذا أجلوها تركوها في أغلب الأحوال، فلا تسلمن نفسك للشيطان، ولا تكن متبعًا لهواك.

تلك عشرة كاملة، لو فهمناها وفهمناها وتحركنا بها لقامت لنا أمة، ولرفعت لنا راية، ولكتب لنا نصر وسيادة وتمكين.

 

الخاتمة

وختامًا: ليست هذه أول الأزمات التي مرت بأمتنا الإسلامية، ليست هذه أول الجروح والآلام، والخطوات، فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية، وظهر من يدعي أنه نبي يوحى إليه، وأنه رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ [الأنعام:93].

فظهر مسيلمة الكذاب وارتد معه عشرات الآلاف ومع ذلك لم تنزل طير أبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، بل ظل الوضع كما هو عليه إلى أن بعث الله عز وجل رجالًا يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، فجاء خالد بن الوليد وأصحابه؛ ليطهروا الأرض من مسيلمة وأصحابه، أما قبل قدوم المجاهدين فلا طير أبابيل.

وذبح الصليبيون في بيت المقدس سبعين ألفًا من المسلمين في يوم واحد، ولم تنزل الطير الأبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، وظل الوضع كما هو عليه إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي ومن معه من المجاهدين؛ ليطهروا الأرض من الصليبيين.

واستباح التتار بغداد وقتلوا من أهلها ألف ألف -مليون مسلم- في أربعين يومًا، ولم تنزل الطير الأبابيل على التتار المشركين الظالمين الكافرين، وظل الوضع كما هو عليه إلى أن بعث الله قطز ومن معه من أبطال المسلمين، فكانت معركة عين جالوت، وكان النصر والتمكين.

بل أشد من ذلك جهز القرامطة -وهم طائفة من أخبث طوائف الشيعة، كفرها كثير من علماء المسلمين- جيشًا لغزو مكة المكرمة، ودخلوا الحرم المكي والبيت الحرام في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية في سنة 617هـ، واستباحوا مكة وأهلها، وسفكوا دماء كل من كان بالحرم من الحاجين، حتى من تعلق بأستار الكعبة، وتناثرت الأشلاء في الكعبة المشرفة، وسالت الدماء على أطهر بقعة في الأرض، وكان زعيمهم عليه لعنة الله: أبو طاهر سليمان الجنابي -وما هو بطاهر- يقف على باب الحرم يقول:

أنا لله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا

وهذا كفر بواح، بل وأرسل رجلًا من أتباعه فنزع الحجر الأسود من مكانه وأتي به إليه، فرفعه إلى السماء وقال في كفر صريح:

أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل

ولم تنزل الطير الأبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، وانتزع الحجر الأسود من مكانه لمدة اثنتين وعشرين سنة كاملة، ولم يعد إلا في سنة 339 هـ، وظل المسلمون يحجون إلى بيت الله الحرام اثنتين وعشرين سنة بدون حجر أسود؛ لأن السنة الإلهية المستقرة لهذه الأمة: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، فنحن لسنا في زمان أبرهة، بل نحن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغير شرعه صلى الله عليه وسلم لا نصر ولا فوز ولا نجاة، فدين الله واضح لا غموض فيه، فهو قواعد شرعية معلومة وسنن إلهية ثابتة، إن سار عليها المسلمون فازوا في دنياهم وأخراهم، وإن أبوا فلا يلومن إلا أنفسهم، وصدق الله عز وجل إذ يقول: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].

وجزاكم الله خيرًا كثيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


 

المصدر:

محاضرة لسنا في زمن إبرهة، للدكتور راغب السرجاني

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1078
ابن تيمية والعقل | مرابط
اقتباسات وقطوف

ابن تيمية والعقل


ينظر كثير من الناس إلى كتاب درء تعارض العقل والنقل على أنه كتاب عقيدة للرد على الرازي والأشاعرة فقط والصحيح أنه -بالإضافة إلى ذلك- كتاب في المنهج منهج تلقي النصوص وتفسيرها وفهمها ومنهج للفهم العقلي بشكل عام فأساس الخلل الذي لحق بكثير من علماء الإسلام هو تخليهم عن المنهج الذي كان يسير عليه علماء الإسلام منذ الصحابة في فهم النصوص وقصدت فيه الرد على أهل الكلام بعامة والرازي بخاصة في قانونهم الذي أسموه القانون الكلي في التأويل

بقلم: د راشد العبد الكريم
506
إذا كانت الأمور مقدرة فلماذا يحاسبنا الله عليها | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

إذا كانت الأمور مقدرة فلماذا يحاسبنا الله عليها


يروج بعض المشككين لشبهة قديمة وهي: إذا كان كل شيء مقدر عند الله فما الدافع الذي يجعلنا نعمل ونسعى ولماذا يحاسبنا الله على الأعمال إن كانت هي مقدرة علينا والحقيقة أن هذه الشبهة تنتمي إلى التساؤل القديم الذي أجاب عنه العلماء وهو: هل الإنسان مخير أم مسير وفي هذا المقال تجد الإجابة على هذه التساؤلات والتأصيل الشرعي المناسب لهذه القضية

بقلم: مجموعة كتاب
1738
أثر الخلوات | مرابط
اقتباسات وقطوف

أثر الخلوات


إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذرا من عقابه أو رجاء لثوابه أو إجلالا له فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودا هنديا على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو.

بقلم: ابن الجوزي
557
أعمال الاستعمار | مرابط
تاريخ مقالات

أعمال الاستعمار


وخلال تاريخ الحركة الاستعمارية الغربية للعالم الإسلامي وبقية المستعمرات أظهر المستعمر الغربي صورا قاتمة كالحة ملؤها الظلم والقهر والاستغلال فعلى الصعيد الإنساني ارتكب المستعمرون مجازر بحق الشعوب التي قامت تدافع عن دينها وخيراتها فقد بلغت أعداد قتلى المسلمين في الهند حتى عام 1880م مليون مسلم سقطوا على يد الإنجليز ومثله كانت الجزائر بلد المليون شهيد

بقلم: منقذ السقار
640
الأهواء المتدينة | مرابط
فكر مقالات

الأهواء المتدينة


نتعامل في واقعنا المعاصر مع إشكال جديد يمكن تسميته بالأهواء المتدينة هذا الإشكال يظهر في أن ترك الالتزام بالأحكام الذي هو من جنس التقصير والهوى أصبح محسنا مزينا في نفس المسلم متوافقا مع الدين مقربا إلى الحق فلم تعد تلك المخالفات متضمنة مفسدة المخالفة فقط بل أضيف لها مفسدة التحسين والتزيين للهوى والباطل

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1127