مناظرة ابن عباس مع الخوارج

مناظرة ابن عباس مع الخوارج | مرابط

الكاتب: النسائي

1852 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

ملخص: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، حريصًا على رجوع الخوارج إلى جماعة المسلمين، فربما أنهم انحازوا عن صفوص المسلمين لشبهة أو شيء أشكل عليهم، ومن هنا قرر أن يرسل إليهم ابن عباس، رضي الله عنهما، ليناظرهم ويجلي لهم الحق، وهو ما حدث فعلا.. وفي هذا المقال نص المناظرة التي دارت بينه وبينهم، والشبه التي ألقوها عليه ورده، رضي الله عنه، عليها.

 

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فخرجت إليهم ولبست أحسنَ ما يكون من حلل اليمن، وترجَّلت ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار -وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا- فقالوا: مرحبًا بك يا بن عباس؛ ما هذه الحُلَّة؟ قال: ما تعيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف:32].

 

قالوا: فما جاء بك؟

 

قال: قد أتيتُكم من عند صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار؛ من عند ابن عمِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصهرِه، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد؛ لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.

فانحنى لي نفر منهم.

 

قلت: هاتوا ما نقمتُم على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه.

 

قالوا: ثلاث. قلت: ما هن؟

 

قالوا: أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقد قال الله: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[الأنعام:57]؛ فما شأن الرجال والحكم؟

قلت: هذه واحدة.

 

قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنَمْ؛ فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيُهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيُهم ولا قتلهم.

قلت: هذه اثنتان، فما الثالثة؟

 

قالوا: محى نفسَه من أمير المؤمنين؛ فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟

قالوا: حسبنا هذا.

 

قلت لهم: أرأيتُكم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما يرد قولَكم؛ أترجعون؟

قالوا: نعم.

 

قلت: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صيَّر الله حكمَه إلى الرجال في ثُمُن رُبُع درهم، فأمر الله -تبارك وتعالى- أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)[المائدة:95]، وكان من حكم الرجال؛ أنشدكم بالله أفحُكم الرجال في صلاح ذات البَيْن وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟

قالوا: بلى، بل هذا أفضل.

 

وفي المرأة وزوجها: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)[النساء:35]؛ فأنشدكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بَيْنهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بُضْع المرأة؟!

خرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

 

قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنَم؛ أفتسْبُون أمَّكم عائشة تستحلُّون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟

 

فإن قلتم: إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها، فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم، والله -عز وجل- يقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)[الأحزاب:6]، فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج.

 

أفخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

وأما محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعليٍّ: "اكتُبْ يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم إني رسول الله، امح يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله"، والله لرسولُ الله خيرٌ من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.

 

أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون والأنصار

 


 

المصدر:

  1. النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص200
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-عباس #الخوارج #مناظرات
اقرأ أيضا
دين الأهوائية | مرابط
مقالات

دين الأهوائية


فمعظم الغربيين يمكن تعريفهم بأنهم نصارى الهوية لادينيون المنهج! وبينهما دين أو عقيدة أهوائية محضة فتجد الشخص يؤمن بالمتناقضات الصارخة لمجرد أن كلا منها توافق هواه في جانب من الجوانب

بقلم: الزبرقان
107
مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج2 | مرابط
مناظرات

مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج2


اشتهر أبو بكر الباقلاني بمفصاحته وقدرته على المناظرة والبيان والذب عن الإسلام وقد ناظر في عهده الكثير من النصارى أشهر هذه المناظرات كانت لما أرسله عضد الدولة إلى ملك الروم الأعظم ليظهر له رفعة الإسلام ويناظره في معتقده وبالفعل جرت المناظرة بينهما واستعان ملك الروم بكثير من علماء النصارى حتى يقدروا عليه وكان المناظرة سبب في إسلام الكثير من النصارى وأظهر الباقلاني فصاحة عالية ورؤية ثاقبة وقدرة مبهرة على الرد والبيان

بقلم: القاضي عياض
1784
قاعدة الجزاء والحساب ج2 | مرابط
تفريغات

قاعدة الجزاء والحساب ج2


إن الله تبارك وتعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما لما له من نتائج وخيمة وعواقب أليمة وكان ينبغي لأولئك الذين يظلمون العباد ويسعون في الأرض الفساد أن يتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الظلمة وهنيئا لذلك الرجل الذي امتلأ قلبه بحب الله فهو يعلم أن هدايته بيد الله وأن رزقه سيأتي إليه رضي الطواغيت أم سخطوا لأن الله هو الذي كتبه

بقلم: عمر الأشقر
511
شبهة: كل المخلوقات طائعة لله ومع ذلك نجد أن البشر لا يطيعون | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: كل المخلوقات طائعة لله ومع ذلك نجد أن البشر لا يطيعون


تقول الشبهة: جاء في القرآن أن كل المخلوقات في السموات والأرض طائعة وقاتنة لله تعالى فكيف يستوي ذلك مع ما نجده في حال الإنسان حيث نجد حالات كثيرة من عدم الطاعة من جانب البشر والمقال الذي بين يدينا يفند هذه الشبهة ويرد عليها ويوضح الخطأ فيها

بقلم: محمد عمارة
1157
نسبية الحق والإنسان المؤله | مرابط
اقتباسات وقطوف

نسبية الحق والإنسان المؤله


إن هذا المؤمن بنسبية الحق هو شخص مؤله لنفسه وذاته وما ادعاؤه لحب البشر واحترامه لهم ورحمته بهم إلا محاولة أخرى لتشبيه نفسه بالرب الرحيم العطوف كأنه في منافسة خفية مع ذلك الرب الأعلى الذي يؤمن به كثير من البشر تاركينه هو ذلك البشري الإله بلا عبادة ولا حمد برغم عطفه وحبه لهم

بقلم: عمرو عبد العزيز
376
محاورة دينية اجتماعية الجزء الثاني | مرابط
مناظرات مقالات الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الثاني


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1335