مناظرة ابن عباس مع الخوارج

مناظرة ابن عباس مع الخوارج | مرابط

الكاتب: النسائي

3672 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ملخص: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، حريصًا على رجوع الخوارج إلى جماعة المسلمين، فربما أنهم انحازوا عن صفوص المسلمين لشبهة أو شيء أشكل عليهم، ومن هنا قرر أن يرسل إليهم ابن عباس، رضي الله عنهما، ليناظرهم ويجلي لهم الحق، وهو ما حدث فعلا.. وفي هذا المقال نص المناظرة التي دارت بينه وبينهم، والشبه التي ألقوها عليه ورده، رضي الله عنه، عليها.

 

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فخرجت إليهم ولبست أحسنَ ما يكون من حلل اليمن، وترجَّلت ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار -وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا- فقالوا: مرحبًا بك يا بن عباس؛ ما هذه الحُلَّة؟ قال: ما تعيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف:32].

 

قالوا: فما جاء بك؟

 

قال: قد أتيتُكم من عند صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار؛ من عند ابن عمِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصهرِه، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد؛ لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.

فانحنى لي نفر منهم.

 

قلت: هاتوا ما نقمتُم على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه.

 

قالوا: ثلاث. قلت: ما هن؟

 

قالوا: أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقد قال الله: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[الأنعام:57]؛ فما شأن الرجال والحكم؟

قلت: هذه واحدة.

 

قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنَمْ؛ فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيُهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيُهم ولا قتلهم.

قلت: هذه اثنتان، فما الثالثة؟

 

قالوا: محى نفسَه من أمير المؤمنين؛ فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟

قالوا: حسبنا هذا.

 

قلت لهم: أرأيتُكم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما يرد قولَكم؛ أترجعون؟

قالوا: نعم.

 

قلت: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صيَّر الله حكمَه إلى الرجال في ثُمُن رُبُع درهم، فأمر الله -تبارك وتعالى- أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)[المائدة:95]، وكان من حكم الرجال؛ أنشدكم بالله أفحُكم الرجال في صلاح ذات البَيْن وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟

قالوا: بلى، بل هذا أفضل.

 

وفي المرأة وزوجها: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)[النساء:35]؛ فأنشدكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بَيْنهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بُضْع المرأة؟!

خرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

 

قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنَم؛ أفتسْبُون أمَّكم عائشة تستحلُّون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟

 

فإن قلتم: إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها، فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم، والله -عز وجل- يقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)[الأحزاب:6]، فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج.

 

أفخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

وأما محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعليٍّ: "اكتُبْ يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم إني رسول الله، امح يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله"، والله لرسولُ الله خيرٌ من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.

 

أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون والأنصار

 


 

المصدر:

  1. النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص200
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-عباس #الخوارج #مناظرات
اقرأ أيضا
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: فضائلهن وخصائصهن | مرابط
تفريغات

أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: فضائلهن وخصائصهن


كما أن في الرجال رجالا أفاضل سبقوا إلى الإسلام وأفنوا أعمارهم في العلم والدعوة والجهاد فكذلك في نساء الأمة فضليات كن شامات في هذه الأمة المباركة وكن عونا لرجالهن على مهامهم في خدمة دين الله تعالى وفي مقدمتهن أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن إذ عشن في بيت النبوة وخدمن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلن عنه أقواله وأفعاله وأحواله في خاصة بيته وأهله

بقلم: د إبراهيم بن محمد الحقيل
1950
تحريف مفهومي الرجولة والأنوثة | مرابط
فكر

تحريف مفهومي الرجولة والأنوثة


كثير من الشباب في هذه الأيام في حاجة إلى إعادة تأهل ليكون رجلا قبل أن يكون زوجا أو صديقا أو موظفا.. الرجولة والشهامة والصلابة في خطر يا رجال. وكذلك كثير من البنات هذه الأيام في حاجة إلى إعادة تأهل لتكون امرأة وأنثى قبل أن تكون زوجة أو صديقة أو مربية.. الأنوثة والأمومة في خطر شديد هذه الأيام.

بقلم: سلطان العميري
241
الأهواء المتدينة | مرابط
فكر مقالات

الأهواء المتدينة


نتعامل في واقعنا المعاصر مع إشكال جديد يمكن تسميته بالأهواء المتدينة هذا الإشكال يظهر في أن ترك الالتزام بالأحكام الذي هو من جنس التقصير والهوى أصبح محسنا مزينا في نفس المسلم متوافقا مع الدين مقربا إلى الحق فلم تعد تلك المخالفات متضمنة مفسدة المخالفة فقط بل أضيف لها مفسدة التحسين والتزيين للهوى والباطل

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1050
استفسارات الحرية | مرابط
مناقشات

استفسارات الحرية


هذا الكتاب الذي سماه مؤلفه فضاءات الحرية وهو دراسة تفصيلية غزيرة مليئة بالمناقشات والحجج والاستشكالات والإيرادات والشواهد والمعطيات حول الخطوط الفاصلة بين الحرية في التصور الإسلامي والحرية في التصور الليبرالي الغربي الحديث فالمؤلف بشكل عام- يبتدئ كل فصل بعرض ميادين الحرية الواسعة في الإسلام في هذا المجال ثم يتبعها بمناطق الاختلاف والتمايز عن الحرية الليبرالية الغربية في هذا الباب

بقلم: إبراهيم السكران
2359
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1017
المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج3 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج3


أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر إيمانا كاملا مفصلا وعقيدتهم في الإيمان بالقدر عقيدة واضحة وبينة وهم ينهون ويأمرون بالإمساك عن مسائل القدر إذا كان الخوض فيها بغير منهاج الشرع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب وقال: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح

بقلم: عبد الرحيم السلمي
1146