مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج4

مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج4 | مرابط

الكاتب: شيخ الإسلام ابن تيمية

218 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

وذكرت ذم المبتدعة فقلت: روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: ((إن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) وفي السنن عن العرباض بن سارية، قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) وفي رواية ((وكل ضلالة في النار))

 

فقال لي: البدعة مثل الزنا، وروى حديثًا في ذم الزنا، فقلت هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزنا معصية، والبدعة شر من المعصية، كما قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها. وكان قد قال بعضهم: نحن نتوب الناس، فقلت: مماذا تتوبونهم؟ قال: من قطع الطريق، والسرقة، ونحو ذلك. فقلت: حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم؛ فإنهم كانوا فساقًا يعتقدون تحريم ما هم عليه، ويرجون رحمة الله، ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة. فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله، وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي.

 

قلت مخاطبًا للأمير والحاضرين: أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في (صحيحه) عن عمر بن الخطاب ((أن رجلًا يدعى حمارًا، وكان يشرب الخمر، وكان يُضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما أتي به النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد فلعنه رجل مرة. وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)) قلت: فهذا الرجل كثير الشرب للخمر ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنهى عن لعنه.

 

وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في (الصحيحين) عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما -دخل حديث بعضهم في بعض- ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم، فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية، محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد - وفي رواية - لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل - وفي رواية - شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوا))

 

(قلت): فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وقيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقتلهم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لخروجهم عن سنة النبي وشريعته، وأظن أني ذكرت قول الشافعي: لئن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلى الشرك بالله خير من أن يبتلى بشيء من هذه الأهواء. فلما ظهر قبح البدع في الإسلام، وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنهم مبتدعون بدعًا منكرة فيكون حالهم أسوء من حال الزاني والسارق وشارب الخمر أخذ شيخهم عبدالله يقول: يا مولانا لا تتعرض لهذا الجانب العزيز -يعني أتباع أحمد بن الرفاعي- فقلت منكرًا بكلام غليظ: ويحك؛ أي شيء هو الجانب العزيز، وجناب من خالفه أولى بالعز يا ذو الزرجنة (كذا بالأصل) تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله، فقال: يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم، وقلت: مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم، ويقول أصحابهم إن لهم سرًا مع الله فنصر الله وأعان عليهم. وكان الأمراء قد عرفوه بركة ما يسره الله في أمر غزو الرافضة في الجبل.

 

وقلت لهم: يا شبه الرافضة يا بيت الكذب، فإن فيهم من الغلو والشرك والمروق عن الشريعة ما شاركوا به الرافضة في بعض صفاتهم. وفيهم من الكذب ما قد يقاربون به الرافضة في ذلك، أو يساوونهم. أو يزيدون عليهم، فإنهم من أكذب الطوائف حتى قيل فيهم: لا تقولوا أكذب من اليهود على الله، ولكن قولوا أكذب من الأحمدية على شيخهم، وقلت لهم: أنا كافر بكم وبأحوالكم "فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ" [هود: 55]

 

ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة أخذوا يطلبون مني كتبًا صحيحة ليهتدوا بها فبذلت لهم ذلك، وأعيد الكلام: من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه، وأعاد الأمير هذا الكلام واستقر الكلام على ذلك. والحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.

 


المصدر:

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - 11/445

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #الأحمدية
اقرأ أيضا
ليلة في بيت النبي الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الثاني


فلابد للرجل -وإن كان سيدا مطاعا أو ملكا متوجا- أن يداري رعيته والمداراة من خلق المسلم الحاذق وكم من مشاكل تحصل في البيوت بسبب أن الرجل لا يداري مع أنه يمكن أن تمر هذه المشاكل بسلام لو أن الرجل تغافل قليلا وقد أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا التغافل فقال: إن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإذا ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته ظل على عوجه فاقبلوهن على عوج

بقلم: أبو إسحق الحويني
325
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الأول


القدر مما تعبدنا الله به استسلاما له فلابد أن نعرف حكم القضاء والقدر وأن الإيمان بالقضاء والقدر واجب لنتعبد الله بالاستسلام لهذا القضاء والقدر وفي هذا المقال بجزئيه استعراض ماتع من الشيخ محمد صالح المنجد لفوائد وثمرات الإيمان بالقدر مثل حسن الظن بالله والتسليم لحكمه سبحانه

بقلم: محمد صالح المنجد
953
لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟


واعلم أن الله تعالى قد يوقع بعض المخلصين في شيء من الخطأ ابتلاء لغيره أيتبعون الحق ويدعون قوله أم يغترون بفضله وجلالته؟ وهو معذور بل مأجور لاجتهاده وقصده الخير وعدم تقصيره ولكن من تبعه مغترا بعظمته بدون التفات إلى الحجج الحقيقية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكون معذورا

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
115
الدليل العقلي عند السلف ج2 | مرابط
أبحاث

الدليل العقلي عند السلف ج2


والحق أنهم -أي السلف- أيقنوا بغناء الدلائل الشرعية بالبراهين العقلية الفطرية وكفايتها عن الابتداع في دين الله وهذا جوهر الخلاف بينهم وبين مخالفيهم فإن المخالفين لما اعتقدوا أن الدلائل النقلية تعرى عن البراهين العقلية قادهم ذلك إلى ابتداع دلائل على مسائل الدين بل جمعوا بين الابتداع في الدلائل والإحداث في المسائل. ولو أنهم علموا أن دلائل القرآن العقلية لها صفة الثبات والاستمرارية إلى يوم الدين بحيث لا يفتقر في الاستدلال على أصول الدين إلى غيرها لما وقعوا في هذه المشاقة.

بقلم: عيسى بن محسن النعمي
101
أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية | مرابط
تفريغات

أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية


هذا الرجل النبيل الكريم البحر العلم الذي ما يزال يرمى بالكفر حتى هذه الساعة وكثير من المسلمين لا يعرفون شيئا عنابن تيمية حياة شيخ الإسلامابن تيميةحياة لا تعلم إلا بمطالعة كل ما كتب عنه سواء بقلمه أو بقلم أتباعه فإذا كنت ممن يحبه بالغيب تزداد له حبا وإن كنت ممن يتوقف في محبته فتحبه بلا تردد وإن كنت ممن عاديته فتراجع نفسك على أقل تقدير

بقلم: أبو إسحق الحويني
408
دور محمد علي الجزء الثالث | مرابط
تاريخ مقالات

دور محمد علي الجزء الثالث


لقد لعب محمد علي دورا بارزا في إحكام السيطرة على الحالة الإسلامية في مصر وفي العالم الإسلامي بشكل عام عندما استطاعت فرنسا أن تحتويه وتوفر له كل الإمدادات اللازمة حتى يحقق أهدافها في بلادنا وكان على رأس هذه الأهداف الانفصال عن الدولة العثمانية والمساهمة في إضعافها بشتى الطرق والهدف الهام الثاني هو بداية التغريب وسحق الروح الإسلامية المتبقية وفي هذا المقال يقف بنا المؤلف على محاور هذا الموضوع كلها وما يتفرع عنها وما نتعلمه منها من دروس الهدف هنا أن ندرك ما حدث في بلادنا حتى نفهم كيف وصلنا إلى...

بقلم: محمد قطب
1757