إمام أهل السنة، والجماعة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى: هذا الإمام أحمد -رحمه الله- لما وقعت فتنة القول بخلق القرآن حبس، وجرجر، وضرب، واضطهد، يضرب وسط نهار رمضان في الحر، وهو صائم حتى يفقد وعيه، ثم بعد ذلك ينقل إلى موضعه في السجن، وآثار الدماء قد لطخت ثيابه، وهو الإمام أحمد إمام أهل السنة، والجماعة -رضي الله تعالى عنه، وأرضاه- إمام زمانه، ومع ذلك لم ينتصر لنفسه، ولم يغضب لنفسه، وإنما كان يغضب لله عز وجل وكان يقول بعد ذلك: كل من ذكرني ففي حل، ويقول: وقد جعلت أبا إسحاق -يعني المعتصم، وهو الذي ضربه، وجلده- في حل، ورأيت الله يقول: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ” [النــور: 22]، وأمر النبي ﷺ أبا بكر بالعفو في قصة مسطح في قصة الإفك.
ثم قال: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سبيلك، الإمام أحمد بعدما أوذي هذا الأذى لم يفتح ملفات من الأحقاد، وسجلات من العداوة، فلان هو المتسبب، وفلان هو الذي سعى في الموضوع، وفلان خذلني، وفلان قصر في حقي، وفلان لم يسع في خلاصي من أسر هؤلاء، وفلان ما زارني بعد السجن، وفلان صدرت منه بعض الكلمات التي لربما يفهم منها أنه كان مباركًا لهذا العمل راضيًا به، لم يفتح شيئًا من هذا إطلاقًا، ولم ينقل لنا التاريخ عن الإمام أحمد - رحمه الله - على طول ترجمته كلمة واحدة تدل على أنه وقف عند نفسه.