أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج1

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج1 | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

495 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

السنة والقرآن

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن الله جل وعلا إنما خلق الخلق لعبادته، ويسر لهم السبل، وجعل لهذه السبل أسبابًا يعرفون فيها معالم الحق وطرائقه ونهجه، والقرائن التي تدل عليه، وجعل الله سبحانه وتعالى صراطه مستقيمًا لا معوجًا، يصل فيه السالك إلى غايته بأيسر وقت وأسهله، ومن غير أن يسلك طرقًا معوجة لا يرى غايته ببصره، وإنما يرى مواقع قدميه.

وقد جعل الله جل وعلا صراطه مستقيمًا، وحبله متينًا، مستقيمًا يصل فيه الإنسان إلى الطريق بأوضح الحجج، وجعله الله جل وعلا بينًا ظاهرًا لا تشوبه شائبة من الظلمة والغبش، فإن كانت ثمة ظلمة من الفتن أو الجهل أزاحها الله سبحانه وتعالى بدلائل الحق من الكتاب والسنة.

ولقد أنزل الله جل وعلا كتابه على نبيه عليه الصلاة والسلام، وأنزل معه سنته؛ ولهذا كان الكتاب والسنة وحيين منزلين من الله جل وعلا، فالسنة موصوفة بالإنزال كالقرآن؛ والله جل وعلا في كتابه العظيم أخبر عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلاغه لأمته:  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] يعني: كلام النبي عليه الصلاة والسلام وفعله، وتقريره لما يفعله أصحابه بالسكوت بعلامة رضًا، أي: أنه من رضا الله جل وعلا.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى طاعة نبيه عليه الصلاة والسلام، وقرنها بطاعته جل وعلا في ثلاثين موضعًا من كتابه العظيم، وجاء الأمر بذلك أيضًا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان الإسناد في الدين لا يقف عند محمد صلى الله عليه وسلم، كما روى الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية" من حديث أحمد بن زيد بن هارون أنه قال: (إنما هو وحي الله جل وعلا وشريعته الكاملة، إنما هو صالح عن صالح، وصالح عن تابع، وتابع عن صاحب، وصاحب عن رسول الله، ورسول الله عن جبريل، وجبريل عن الله)، فهذه الشريعة كلها من الله سبحانه وتعالى، ومن قدح في السنة بالجملة فهو قادح بالقرآن؛ ولهذا السنة هي قسيمة للقرآن وموضحة ومبينة له.

ومن أراد أن يفهم الشريعة على وجهها فعليه أن يقرن مع القرآن السنة، وإلا قد وقع في كثير من الضلال والغي، وقد وقع في الأزمنة المتأخرة كثير من أهل الضلال والفتنة والشر والجهل على تنوع صنوفهم، وكثرة حججهم في التملص من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجج واهية، اتباعًا لمشارب وأهواء، وطمعًا في الوصول إلى غايات، وإشباع النزوات، سواء نزوات نفسية، أو غير نفسية، وكل هذا قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

الأنبياء والمعجزات

وإن من أعظم ما عضد الله جل وعلا به نبيه عليه الصلاة والسلام من المعجزات ما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة لمن يأتي من أجيال على اختلاف الحقب والبلدان، فهي علامة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم المخبر، والنبي عليه الصلاة والسلام قد جعل الله جل وعلا بين يديه من الحجج البينة الظاهرة بعد نزول القرآن، وجعل من المعجزات الظاهرة ما يشاهدها الناس بين أيديهم، كانفلاق القمر فلقتين، ونبع الماء من بين يديه عليه الصلاة والسلام، وإخباره بالغائب، وغيرها مما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات التي يطول ذكرها.

وقد صنف العلماء جملة من المصنفات في هذا الباب، ويسميه العلماء بدلائل النبوة، وقد أدرج العلماء عليهم رحمة الله جملة منها فيما يسمى بكتب العقائد؛ ولهذا لا يخلو كتاب من كتب السنة على طرائق الأئمة المتقدمين إلا ويدرجون هذه المسائل في كتب السنة، ولا أدل على ذلك من طرائق الأئمة في الكتب الستة كـالبخاري و مسلم و أبي داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه ، وأضرابهم كـالدارمي و ابن خزيمة و ابن حبان ، وغيرهم من أئمة الإسلام، فهم يدرجون أمثال هذه الأمور في الإيمان، وفي مسائل الغيب، فإن لها أثرًا في تصديق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع الهدي.

والمعجزات أثرها على الحاضر أكثر ممن يأتي، وذلك أن من يأتي يكون إيمانه بهذه المعجزات واقفًا على ثبوت الخبر الوارد فيها، فإن كان من المقطوع المتواتر ككلام الله جل وعلا، ومتواتر السنة أخذ به، وإن كان مما ليس بمتواتر فإن الإيمان يتوقف على ثبوت ذلك، وهذا يتردد بين اليقين والظن، ويرجع فيه إلى كلام العلماء عليهم رحمة الله تعالى في أبواب علوم المصطلح وقواعده، ولا حاجة إلى إيراده هنا.

وبقي شيء قد أنعم الله جل وعلا به على هذه الأمة، وهو العلامات التي يجعلها الله جل وعلا أمارة على صدق محمد صلى الله وعليه وسلم فيما يخبر به مما يأتي في الأزمنة، وإن كان يتضمن في ذاته شرًا على فئة معينة في ظاهر أمره، إلا أن مآله إلى خير، فيزيد الإيمان في القلوب ويثبته، ويغرس الإيمان في قلوب كثير من الناس ممن لم يطرأ عليه الإيمان من قبل، ولهذا يؤمن بعيسى عليه السلام خلق كثير، حتى إن من اليهود من يؤمن بعيسى لما ينزله الله جل وعلا عند بيت المقدس، وهذا ظاهر في كلام الله جل وعلا على قول جماعة من المفسرين من أصحاب رسول الله صلى لله عليه وسلم كـعبد الله بن عباس و عبد الله بن مسعود وغيرهم، فيؤمن به خلق كثير، وإن كان في نزول عيسى شر لمن كتب الله جل وعلا عليه الشر من أرباب الضلال والزيغ من أتباع المسيح الدجال كما يأتي بيانه.

 

الغيب

والله جل وعلا قد جعل الغيب من خصوصياته لا ينازعه في ذلك أحد، ومن نازعه في ذلك فقد أشرك مع الله عز وجل غيره، ومن آمن بهذا الشيء فقد خرج من ملة الإسلام إن كان قد دخل في الإسلام قبل ذلك.

ولا يؤمن أحد بالإسلام على وجه الحقيقة، ويثبت معه حينئذٍ وصف الإسلام إلا ويؤمن بأن الغيب من خصوصية الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم:  قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، والاستثناء هنا في خصوصية الله سبحانه وتعالى أن الله جل وعلا إذ استثنى الخلق من شيء، وجعله من خاصته اللائق ألا يشركه أحد من خلقه على الإطلاق إلا بخصوصية بعض الأحوال في بعض الأزمنة والأمكنة، مما خص الله جل وعلا به نبيه عليه الصلاة والسلام، وما خص الله جل وعلا به بعض العارفين من أهل الدراية في أبواب النبوة، كمسألة الرؤيا، أو الأخبار التي يتناقلها الناس عن أنبياء الله جل وعلا، وهذا ضرب من ضروب معرفة الغيب التي أذن الله سبحانه وتعالى به.

والغيب من جهة الأصل لا يعلمه إلا الله، وأعظم هذا الغيب ما يرتبط فيه الناس بلقاء الله جل وعلا، فهو كالباب الذي يدخل فيه الناس إلى لقاء الله جل وعلا، وذلك هو قيام الساعة، فعلم الساعة هو من خصوصية الله جل وعلا، فمن نازع الله جل وعلا في هذا الباب أو في شيء من فروعه، وادعى علم ذلك فقد أشرك مع الله عز وجل غيره، وكفر حينئذٍ بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم  إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].

وهذه الخصائص قد سماها لله جل وعلا مفاتح الغيب، وقد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مفاتح الغيب خمسة، لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما يكون في الغد إلا الله، ولا يعلم أحد متى ينزل الغيث والمطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله )، فهذه مفاتح الغيب لا يعلمها إلا الله جل وعلا، فمن علم تمام الشروط علم زمن المشروط، وهو قيام الساعة.

 

الحكمة من أشراط الساعة

وما يذكره العلماء من النصوص في الأسانيد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة وأماراتها إنما هو شيء يسير من أشراط الساعة، وذلك أن الإنسان إذا توفرت لديه جميع الشروط التي بتحققها يتحقق المشروط يُعلم حينئذٍ أن الإنسان قد توفر فيه العلم اليقين في معرفة وقوع قيام الساعة.

وقد خصت هذه الأمة بمعرفة بعض أشراط الساعة، وحجب عنها شيء كثير لخصوصية هذا الأمر بالنسبة لله سبحانه وتعالى مما لا يشركه معه غيره جل وعلا.

وأشراط الساعة قد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكمة بينة ظاهرة، وهذه الحكم هي من جهة الأصل قد دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

غرس الإيمان في نفوس الناس

ومن أظهر هذه الحكم وأبينها: غرس الإيمان في نفوس كثير من الناس، وذلك أن الناس حينما يجهلون إيمان شخص من الأشخاص، أو صدقه من كذبه، ولا يعرف، ولا يقوم صديقه بسبر حاله، وسبر حال المتحدث أن يُنظر إلى ما يخبر به، فإن كان صادقًا في جملة من الأحوال فإن القرائن تتأكد في نفس الإنسان أنه يصدق فيما يليه؛ ويسمى عند المحدثين هذا بالسبر، أي: أنه يسبر حديث الراوي ويقرن في واقع حاله، أو يقارن بحديث بلده، حتى يعرف حاله من الثقة والضعف.

وهذا منغرس في الطبائع البشرية أن الإنسان إذا أراد أن يعرف صدق شخص من كذبه، فإنه ينظر إلى حاله، فإن خالطه مدة طويلة وعرف أنه أخبر بأشياء، ثم وجد بالنظر في حاله أنه قد صدق، فقال: زارني فلان، أو ذهب فلان، وأتى فلان، أو رأيت فلانًا، ونحو ذلك، وفي كل هذ الأحوال كان يصدق في الإخبار بها، فإنه يُعرف أن هذا الرجل صادق، وأنه دقيق في النقل، وكذلك يعرف خفيف الضبط والكذاب بسبر الحال.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الإيمان أن ينغرس في قلوب الناس من جهتين:

الجهة الأولى: من جهة الأصل بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، والتصديق بما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر الناس بالتعبد والتدين لله جل وعلا بجملة من أنواع العبادات، من الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وتجنب الشرك بأنواعه، وطاعة الله سبحانه وتعالى بأنواع الطاعات التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الطاعات: أركان الإسلام الخمسة بعد توحيد الله جل وعلا، وقد تقدم الإشارة إلى التوحيد، والإشارة إلى جملة من أنواع العبادات التي هي من فروع أركان الإسلام، كنوافل العبادات من الصلاة، ونوافل العبادات من الصيام، ونوافل الزكاة من الصدقة والنفقة على الأزواج، وكذلك الهدية التي تدخل في باب العبادة إن نوى الإنسان ذلك، وكذلك نوافل الحج، والعمرة على من قال بعدم وجوبها، وغير ذلك، والإكثار مما هو من فروع هذه العبادات من جهة التجزؤ، كذكر الله سبحانه وتعالى، وأن يكون لسان الإنسان رطبًا من ذكر الله جل وعلا.

الجهة الثانية: أن يزداد يقين الإنسان بالإيمان بقيام الساعة، وأن الله جل وعلا يبعث من في القبور، وأن الإنسان مقبل على الله جل وعلا، شاء من شاء، وأبى من أبى، وأن هذا الإنسان لا خيار له، وأنه أمر أراده الله جل وعلا لا راد لأمره، والإنسان حينئذٍ إذا آمن بهذا الشيء يزيده ذلك بالإكثار من العمل، وهذا ظاهر بين، فلا يستعجل قيام الساعة، وإنما يستعجل العمل.

وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الوحي بين الاستعجالين: الاستعجال الأول: بين الاستعجال والمبادرة بالعمل، كما قال رسول لله صلى لله وعليه وسلم: ( بادروا بالأعمال ستًا )، وعدم الاستعجال ونفيه باستعجال قيام الساعة (( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ )) وهو قيام الساعة،  فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1] قدوم هذه الساعة، ولكن بادروا بالأعمال التي تكسبكم عند الله جل وعلا علو منزلة وثواب.

إذًا من حكم معرفة قيام الساعة إذا ثبتت أنها تزرع إيمانًا في قلب الإنسان، ويثبت معها المبادرة بالعمل والإحسان والإكثار من الطاعة قبل أن تأتي إلى الإنسان قيامته.

ومن نظر إلى نصوص الكتاب والسنة وجد أن الله جل وعلا يطلق الساعة ويريد بها القيامة، وهذا ظاهر، وقد ذكرها الله جل وعلا في مواضع عديدة، وصور متنوعة، ويريد بذلك يوم القيامة، وكذلك جاءت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضع متعددة، وهي على الأكثر المراد بها قيام الساعة، وتأتي في غير ذلك.

وهي في كلام رسول الله صلى الله وعليه وسلم ليست كما هي على الإطلاق في كلام الله جل وعلا، ففي كلام الله لا تأتي إلا بمعنى القيامة، وأما في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتي على معنيين:

المعنى الأول: معنى قيام الساعة، وهو المراد في كلام الله جل وعلا.

المعنى الثاني: يراد بها الساعة الزمنية، والزمن في اليوم والليلة يقسمه العرب في الجاهلية والإسلام على أربع وعشرين ساعة، فالنهار اثنتا عشرة ساعة، والليل كذلك، ويزيد وينقص بحسب فصول السنة، وله معنى ثاني في لغة العرب وهي: الفترة الزمنية من النهار، ومن هذا المعنى اشتق لقيام الساعة، وكذلك وصف الساعة يوم القيامة بهذا الوصف أنها تأتي سرعة، ووقتًا زمنيًا يسيرًا، فلا يشعر به الإنسان، فيكون عامل الفجأة في ذلك أظهر من غيره.

 

إشباع ما في نفوس البشرية من حب الاطلاع على الغيب

ومن الحكم التي تظهر فيها أشراط الساعة، وتكثر النصوص فيها، وبيان علاماتها وأماراتها: إشباع ما في نفوس البشرية من حب الاطلاع على الغيب، ومكامن الأسرار، ومعرفة غائب الكون، وقطع حبال التعالم على المتعالمين، وأظهر ذلك في أحوال المنجمين والكهنة الذين يدعون علم الغيب.

فإذا كثرت النصوص في بيان قيام الساعة ولم تكن ثمة أمارات فإنه يكثر حينئذٍ الدجل والرجم بالغيب، وادعاء أن علامات الساعة كذا وكذا، ونحو ذلك، فيصحح حينئذٍ الضعيف، وتجعل الرؤى أخبارًا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل للأقوال المنثورة من أخبار بني إسرائيل أسانيد تجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقطعت هذه الحجج بعلامات ونصوص بينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك في كلام الله جل وعلا مما يأتي بيانه بإذن الله.

وهذا الراجم بالغيب نظر إلى الفطرة البشرية التي تتطلع إلى معرفة الغيب، ومعرفة الأسرار المغيبة عن الإنسان، وكثيرًا ما يميل ضعفاء النفوس إلى دجلة معرفة المستقبل؛ ويكثر عند الجهلة من الناس ضرب من ضروب السحر مما يسمى بمعرفة قراءة الكف، والنظر في الأبراج، فمن ولد في برج كذا وكذا فإن حاله يكون على كذا وكذا، وينساق في هذا كثير من العوام.

وفي بيان أشراط الساعة قطع لمظنة التصديق لمن يرجم بالغيب، وذلك أن الدلائل على صدق الإنسان وكذبه أظهرها الواقع، فإذا كذب الواقع خبر المخبر فإن هذا أظهر الدلائل على كذبه، والواقع بالنسبة للغيب مجهول، وذلك أن الساعة أمرها عند الله سبحانه وتعالى، فإذا أخبر مخبر أن الساعة تقع في الزمن الفلاني، أو أن من علاماتها كذا، فالواقع يصعب أن يكذب هذا الخبر، وذلك أن الواقع لا يمكن حده، فإنه يؤجل إلى عام بعد عام.

ولهذا تناقض كثير - حتى ممن ينتسب إلى العلم - في تحديد عمر أمة الإسلام، فمنهم من قال: إن عمر أمة الإسلام لا يزيد عن ألف سنة، ومنهم من قال: لا يزيد عن ألفي سنة، وقد صنف السيوطي عليه رحمة الله في ذلك كتابًا سماه "الكشف عن زيادة أمة الإسلام عن الألف" يعني: ألف سنة، وحد ذلك بأنها لا تزيد عن ألف وخمسمائة، ولكنها تزيد عن الألف، وهذا نوع من الاجتهاد، وفيه جناية أيضًا، وضرب من الظنون، وقد يتعلق بهذا بعض أهل الخير، وذلك أن تصديق الواقع لا يمكن، والسنوات تنتظر، وقيام الساعة أمره مجهول، فتصديق هذا عند أهل الظنة وضعفاء النفوس الذين ليس لديهم يقين هذا قد يقع.

وربما يقع حتى من عند أهل الإيمان في بعض من أطلقت علاماتهم لقيام الساعة، كظهور الدجال ، والنار التي تحشر الناس إلى المحشر، أو النار التي تخرج من الحجاز، فتضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وهي بلدة من بلاد الشام، بجوار دمشق، وهذه العلامات قد يجتهد فيها كثير من الناس إذا لم يكن لديهم نص بين من كلام الله عز وجل.

ونحن نجد أن النصوص البينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ظاهرة في تحديد الزمن وقوعًا أحجم كثير من الناس عن إلحاق الدعوى الكذابة بها، كمسألة نزول المسيح عيسى ابن مريم، وخروج الدابة.

ومن نظر إلى كثير من التخرصات والرجم بالغيب في أشراط الساعة نجد أن من أقل التخرصات مسألة الدابة، وذلك أن المحاكاة فيها والتشبه بها قريب من الاستحالة، أما ما يمكن التشبه فيه كمسألة المهدي، ومسألة النار، ومسألة الخسوف، ونحو ذلك، فيمكن لكثير من الناس أن يدعي هذه الدعاوى، كخروج من يشابه الدجال في بعض العصور، حتى إن هذا ربما يأتي على بعض أهل العلم.

وهذا يدلنا على مسألة مهمة أنه ينبغي لأهل الجهل، أو عامة الناس، أو حتى أهل العلم أن ينظروا في كلام العلماء العارفين الراسخين في العلم الذين جمعوا بين العلم والإيمان، الإيمان والعبادة، والعلم والرسوخ، رسوخ القدم فيه حتى يكونوا على بينة من أمرهم فيحلوا هذه الأمور.

وقد يكون في زمن من الأزمنة تظهر علامة من علامات الساعة فتحتف القرائن فيها، ولكن قرائن الحال الزمنية الأخرى لا تؤيد أن هذه علامة من علامات الساعة، كما حدث في مسألة المسيح الدجال في أواخر عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى الحاكم في المستدرك من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي الطفيل عليه رضوان الله تعالى قال: (كنا بالكوفة، فنادى مناد أنه قد خرج الدجال ، قال: فأتيت إلى حذيفة بن أسيد عليه رضوان الله تعالى، فقلت له: قد خرج الدجال ، فقال: اجلس. قال: فكنت عنده، قال: فخرج ودخل علي العريف قال: قد خرج الدجال ، وأخذ أهل الكوفة به ضربًا. فقال: اجلس، قال: ثم نادى منادٍ قال: إنه ليس الدجال ، إنما هي كذبة صباغ، فقال: قلت لـحذيفة بن أسيد عليه رضوان الله تعالى: ما أجلستنا إلا لأمر، قال: إني محدثك بأمر، إن الدجال لا يخرج في زمن كهذا، ولو خرج في زماننا لحذفه الصبيان بالخذف، ولكنه يخرج في زمن بغض من الناس، وقلة دين، فيهرجوا ويمرجوا فيه).

وبه يُعلم أنه لو ظهرت أوصاف الدجال الظاهرة، ولم تحتف قرائن الحال الأخرى التي لا تقع فيه بذاته، فحينئذٍ يعلم الراسخون من العلم أن هذا ليس الدجال، وإنما هو شيء من علاماته ولم تقترن به علامات أخرى تدل عليه، وإنما يكون هذا مع وجود جهل من الناس، وقد روى هذا الخبر عبد الرزاق في مصنفه من حديث معمر عن قتادة مرسلًا، وهو الصواب، والله أعلم.

 

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته

ومن فوائد بيان معرفة أشراط الساعة للناس، ولأجلها وردت النصوص المتضافرة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان الأشراط: أن يُعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كما أنه حريص على عاجل أمر الأمة فهو حريص بآجلها؛ ولهذا حرص النبي عليه الصلاة والسلام على عاجل الأمة وأسلافهم ببيان المعجزات حتى يدخلوا في الإيمان، وحرص على آجل الأمة ببيان الدلائل المتنوعة على أشراط الساعة بحسب القرون؛ ولا يكاد يوجد قرن من القرون إلا ويظهر فيه علامة من علامات الساعة.

وعلامات الساعة على الصحيح الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزيد عن مائة علامة، قد يأتي سرد جلها، وبيان الصحيح من الضعيف فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضها ما هو في حكم الموقوف، وله حكم المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتي بيان ذلك وتفصيله بأسانيده وتعليله بإذن الله عز وجل.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أشراط-الساعة
اقرأ أيضا
ما بين الإيمان والفكر | مرابط
فكر مناقشات

ما بين الإيمان والفكر


كتاب لا يبحث في أعيان وأفراد الخلل والتخلف الفكري المعاصر في شتى الحقول ولا يبحث في قضايا الإيمان والعقيدة بل يبحث في القناة التي تربط بينهما وهو وجه بديع جديد من البحث العلمي والفكري وعنوان هذا الكتاب يوحي فعلا بموضوع بحثه وهو ينبوع الغواية الفكرية للشيخ عبد الله العجيري وفي هذا المقال مراجعة للكتاب ومحتواه بقلم إبراهيم السكران

بقلم: إبراهيم السكران
1956
عقيدة الشيعة في أئمتهم | مرابط
تفريغات

عقيدة الشيعة في أئمتهم


جزء من محاضرة للشيخ عمر الأشقر يتحدث فيه عن عقيدة الشيعة في أئمتهم ويبين أن الشيعة يعتقدون في أئمتهم أنهم معصومون عن الخطأ وكلامهم ككلام الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم لا يخطئون ويقولون في علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه هو خليفة المسلمين وإمامهم

بقلم: عمر الأشقر
877
أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم | مرابط
تفريغات

أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم


إن المشكلة ليست مشكلة دولة أو مجتمع أو فرد وإنما هي مشكلة أمة كاملة أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها اليوم تقاد أمة رفعت رأسها قرونا فإذا هي اليوم تطأطئ رأسها للشرق وللغرب أمة ظلت دهرا تعلم الناس الخير وتضرب لهم الأمثال في الأخلاق وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل فإذا بها بعد أن عرفت طريق الهدى وعرفت به تتبع هذا وذاك وهذه مشكلة خطيرة

بقلم: د راغب السرجاني
735
البشر والبشاشة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم | مرابط
مقالات

البشر والبشاشة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم


لقد كان حبيبنا صلوات الله وسلامه عليه يسمي أشياءه كل أشيائه.. تقريبا ما كان يترك شيئا له إلا ويجعل له اسما أو لقبا سواء في ذلك ما كان مخلوقا ينبض بالحياة أو جمادا باردا لكل دابة كان يمتلكها أو يركبها اسم أو لقب تخيل هذه النفسية التي رغم انشغالها والهموم التي تحملها والبلاءات التي تتوالى على صاحبها ومع ذلك تصر على تسمية مرآة أو كوب ماء أو درع!! بعضنا لو فعل مثل ذلك لربما تلقاه الناس بالاستهجان واللوم والاتهام بالتشاغل عن الهموم الجسيمة والمهمات الجليلة ولرمي باللامبالاة أو كما يقال بالعامية...

بقلم: محمد علي يوسف
259
الصبر عن الشهوة | مرابط
اقتباسات وقطوف

الصبر عن الشهوة


مقتطفات من كتاب الفوائد للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب ابن قيم الجوزية وهو من أمتع مؤلفاته رحمه الله وفيه الكثير من الفوائد الجليلة في علوم الشريعة وفي أحوال القلوب والعباد كما يبث الكثير من الفوائد والفرائد من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف

بقلم: ابن قيم الجوزية
2089
الرد على المنكرين للإسراء والمعراج | مرابط
أباطيل وشبهات

الرد على المنكرين للإسراء والمعراج


في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى توطئة للهجرة ولأعظم مواجهة على مدى التاريخ للكفر والضلال والفسوق والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة منها: الذهاب إلى بيت المقدس والعروج إلى السماء ورؤية الأنبياء والمرسلين والملائكة والسماوات والجنة والنار ونماذج من النعيم والعذاب إلخ

بقلم: علي محمد الصلابي
374