من علامات الساعة: ضياع أمانة الدين ج2

من علامات الساعة: ضياع أمانة الدين ج2 | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

820 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

من ضياع الأمانة: التلاعب بالقرآن وتحريف آياته

كان عمر بن الخطاب يشدد غاية التشديد في الذي يلعب بمعنى آيات القرآن.. ليس بالقرآن.. أنت تعرف أن ابن عربي في تفسيره آيات القرآن، ليس المعنى فقط، بل الآيات نفسها، فهو يقول في قول الله تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] معناها ليس كما تفهمون ولا تقرءون، هذه فيها إشارة إلى الذل في العبادة، ما هو مفهومها؟ قال: من ذل ذي يشف عِ. يعني: (من ذل) من الذل.. (ذي) اسم إشارة إلى النفس، أي: من ذل نفسه يشف من الشفاء (عِ) فعل أمر من وعى أي: عِ هذا الكلام.. ويعتبر هذا تفسيرًا.

هذا عمر بن الخطاب كاد أن يقتل صبيغ العراقي ضربًا بسبب مسألة ليست كهذه؛ فإنه كان يسأل عن معنى (الذاريات ذروًا) والذاريات: هي الريح، وصبيغ العراقي ما كان يسأل عن (الذاريات ذروا) لأنه يجهل معنى هذا اللفظ، لا. العرب كانوا يفهمون القرآن، لكن صبيغًا أراد شيئًا آخر غير المعنى اللغوي، وهذا ما فهمه أبو موسى الأشعري ، لذلك أرسل إلى عمر بن الخطاب وقال له: إن هنا رجلًا يسأل عن معنى (الذاريات ذروًا) فقال عمر : ابعثه إلي. وبعد ذلك قال له: أرسله لي على إكاف بعير، وانتبه أن تبعثه على بردعة لينة طرية، إنني أريدك أن تكسر عظمه في الطريق، والإكاف نوع من الخشب فإذا قفز البعير وهو ماشٍ يكسر عظمه في الطريق، وهذا نوع من العقوبة العاجلة.

فأرسل إليه صبيغ العراقي ومعه رسول، ولما جاء صبيغ العراقي كان عمر بن الخطاب قد جهز الجريد الأخضر فأول ما دخل قال له: صبيغ العراقي !! تعال.. فسحبه وجعل يضربه بالجريد الرطب الثقيل المؤلم، فظل يضربه إلى أن أدمى ظهره، ثم تركه يومين أو ثلاثة حتى بدأ الجرح يخف ثم جاء به وضربه مرة أخرى حتى أدمى ظهره، ثم تركه، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام جاء به كذلك لكي يضربه.. قال له: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني قتلًا جميلًا، يعني: أموت مرة واحدة وانتهى الأمر، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت.

ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل لـأبي موسى الأشعري وقال له: لا أحد يكلمه، ولا يسلم عليه، فطال عليه ذلك فشكا إلى أبي موسى الأشعري ما يجد من الوحشة -فلا أحد يكلمه، ولا أحد يسامره- فأرسل أبو موسى الأشعري إلى عمر يخبره أن الرجل قد تاب وحسنت توبته، فأذن بالكلام معه.

فانظر إلى الصحابة كيف كانوا يعظمون القرآن؛ ولذلك لم يحدث التفسير الباطني ولا التفسير بالإشارة إطلاقًا على عهدهم أبدًا، وهذا اللعب بآيات القرآن والضياع التي الأمة المسلمة تجرعته في القرون التي أتت بعد ذلك سلم منه عصر الصحابة لشدة حرصهم، وفي نفس الوقت حزمهم بالنسبة للقرآن، انظر في صحيح البخاري في كتاب الحدود ستجد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم أبو بكر ورجمت، وأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائلهم: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ولولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله -هذا رواه البخاري وغيره، لفظ البخاري لا أحفظه فربما زدت شيئًا من الروايات الأخرى- لكتبته على حاشية المصحف).. انظر التوقي! لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتب حكم الرجم على حاشية المصحف، فحفاظًا على القرآن لم يكتب عمر رضي الله عنه هذا الذي ذكره، وكان حكم الرجم آية تتلى ثم رفعت كلها.. فكان الصحابة حريصين غاية الحرص..

فالرجل صبيغ لما قال: (والذاريات ذروًا) قصد نفس المعنى الذي قصده عمر كما رواه البخاري وغيره من حديث أنس (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة (وفاكهة وأبًا) ثم قال: الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟! ثم رجع إلى نفسه وقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر وما عليك أن لا تدريه) نحن نعرف (الأب) وعمر يعرفه قبلنا كذلك، (الأب) هو العشب، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا *مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [النازعات:31-32]، فالأب -الذي هو العشب- طعامًا للأنعام، لكن عمر بن الخطاب لم يقصد مطلق اللفظ من أنه لا يدري ما معنى (الأب)، الصحابة كانوا عربًا أقحاحًا، والقرآن نزل بلغتهم.. لكن عمر قصد شيئًا زائدًا على المعنى المعروف لديه.. يعني: أصله أين؟ وكيف البذرة تلقح؟ والرياح تأخذ ماذا؟ قصد الكلام هذا الذي الآن هم يدرسوه ويسمونه: الإعجاز العلمي للقرآن، ما هو أصل نبات (الأب)، عمر بن الخطاب قصد هذا المعنى، وصبيغ العراقي قصد (والذاريات ذروًا) مثل عمر في تفسير (الأب)، لذلك أنكر عليه عمر بن الخطاب وعاجله بهذه العقوبة.

فالصحابة كانوا يبجلون القرآن ويكبرونه ويحافظون عليه، إنما الذين ورثوا الكتاب بعد ذلك هان عليهم القرآن، يعني: انظر إلى ابن عربي وتفسيره لقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:6-7]، صح عن ابن عباس أنه قال: (إن الله عز وجل أنزل آيتين في المؤمنين، وآيتين في الكافرين، وثلاث عشرة آية في المنافقين.. فبعدما ذكر ربنا سبحانه وتعالى المؤمنين: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3]، ذكر الكافرين، ابن عربي قال: لا. الآيتين هذه.. (إن الذين كفروا..) نزلت في أهل الورع الذين هم أفضل المؤمنين، وقال: إن معنى (الذين كفروا..) أي: كفروا إيمانهم وغطوه.. لأن أصل الكفر التغطية، وسمي الكفر كفرًا لأنه يغطي الإيمان، وسمي الزارع كافرًا؛ لأنه يغطي البذرة في بطن الأرض ويواريها كقوله تعالى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ [الحديد:20] فالكفار هنا هم الزراع، وسميت الكفور كفورًا، لأن الكفور هي البيوت التي كفرتها الأشجار فغطتها عن العيون، أشجار متكاثفة فتغطي البيوت عن السائر، فسميت كفورًا لأجل ذلك.

فقال: (إن الذين كفروا..) أي: غطوا إيمانهم حتى لا يحبط بالرياء والسمعة.. سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون.. تهددهم بالناس أو لا تهددهم بالناس لا يصدقون هذا التهديد.. لماذا؟ لأنهم في معية الله.. ختم الله على قلوبهم فلا يدخلها غيره -بالشمع الأحمر- وعلى سمعهم.. فلا يسمعون إلا منه.. وعلى أبصارهم غشاوة.. يعني: لا يرون غيره، ولهم عذاب عظيم من المخالفين.

انظر! إذا جاز للإنسان أن يفهم الكلام بهذه الصورة لا يبقى حق على وجه الأرض، لماذا؟ لأن كل حق يمكن أنك تقدر محذوفًا وينقلب إلى باطل.. فمثلًا لو أن شخصًا يقول: لا إله إلا الله.. فأي إنسان ممكن أن يقدر أي تقدير ويضيع هذه الكلمة، فلو قال: لا إله إلا الله ولم يقدر (لا إله بحق إلا الله عز وجل) وقال: لا إله إلا أن يأذن الله يحط أي تقدير، الكلام كله يضيع.. الدين كله يضيع عندما نقول: الذين كفروا إيمانهم، ولهم عذاب عظيم من المخالفين، وختم على قلوبهم فلا يدخلها غيره.. ولذلك تفسير الإشارة كله لعب بهذه الطريقة.

فالقرآن كان عند الصحابة أعز عليهم من أن يفعلوا به هذا الفعل، ولذلك انظر الآية: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا [الأعراف:169] يرتكبون الموبقات ويقولون: سيغفر لنا.

أحد المقرئين الكبار في عام (65) تقريبًا زار مصر رئيس يوغسلافيا جوزف تيتو ، فشخص من الجماعة القراء يمازحه ويقول له: أنت اسمك ورد في القرآن، تيتو الله أعلم هل يرد على الجنة أو لا. فيقوم يقول: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].

وهذا شخص كان يمتحن طلبة في القرآن قال لأحدهم: أنا سأسألك سؤالًا واحدًا في القرآن، اذكر لي الآية التي فيها ثلاث (لمون) -أي: ليمون- في القرآن؟ ولو أجبت عن هذا السؤال سأعطيك الدرجة النهائية.. طبعًا الطالب حافظ، لكنه عصر دماغه لكي يعثر على الآية فلم يعرف يأتي بها نهائيًا، وفشل الآخر أنه يأتي بهذه الآية.. ويقوم الفالح يقول له: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ [النساء:104].

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
كتاب الحكم العطائية | مرابط
مناقشات

كتاب الحكم العطائية


أما كتابه الحكم العطائية فهو فيه حكم نافعة ولكن لم يخل من عبارات باطلة توحي بالاتحاد والحلول وغيرها مما يخالف العقيدة قال الذهبي:وله عبارات في التصوف مشكلة توهم ويتكلف له في الإعتذار عنها.

بقلم: قاسم اكحيلات
234
طاعة المرأة: للزوج أم للوالدين | مرابط
المرأة

طاعة المرأة: للزوج أم للوالدين


وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن امرأة تزوجت وخرجت عن حكم والديها. فأيهما أفضل: برها لوالديها أو مطاوعة زوجها؟

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
361
الوقاية بالغض من البصر | مرابط
تفريغات

الوقاية بالغض من البصر


إن الشارع قد منع إتيان أماكن الفساد والمحرمات بالإضافة إلى ذلك وأمر بغض البصر عند دخول الأسواق وغيرها من المجامع التي فيها مظنة النظر إلى ما حرم الله أو شيء من انكشاف العورات. ونحن اليوم ما أحوجنا إلى غض البصر أمام هذا الكم الهائل من الأجساد التي تعرت عما أوجب الله ستره والتي كشفت بقصير أو ضيق أو شفاف أو برقع فاتن أو نقاب واسع أو عيون قد غشاها الكحل ونحو ذلك من وسائل الفتنة!

بقلم: محمد صالح المنجد
267
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب | مرابط
فكر مناقشات

خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب


ولقد طالعت هذا السر وقرأته فوجدت كتاب دجل وخرافة يراد تمريرها عبر بهرجة لفظية وزخرفة كلامية ودعاوى فارغة فتركت الكتاب ولم أحفل به كونه من الباطل البين ولم أعن حينها بالكتابة حوله كونه مكتوبا بلغته الأم مما ساهم في تحجيم انتشاره وتضييق عدد قرائه عندنا لكن حين ترجم الكتاب إلى العربية وأخذت إعلاناته تطل علينا في الشوارع ويسوق له على مستوى عال تغير الحال وتبدل الرأي

بقلم: عبد الله العجيري
611
فلسفة الزواج | مرابط
المرأة

فلسفة الزواج


إن العلاقة الوثيقة والحب العميق بين الرجل والمرأة ليسا ناشئين عما تتطلبه الحياة الدنيا من الحاجات فحسب فالمرأة ليست صاحبة زوجها في حياة دنيوية وحدها بل هي رفيقته أيضا في حياة أبدية خالدة. فما دامت هي صاحبته في حياة باقية فلا ينبغي لها أن تلفت نظر غير رفيقها الأبدي وصديقها الخالد إلى مفاتنها ولا تزعجه ولا تحمله على الغضب والغيرة.

بقلم: بديع الزمان النورسي
201
فضل تعلم اللغة العربية | مرابط
تفريغات لسانيات

فضل تعلم اللغة العربية


الناس يرتفعون لفهمهم كلام الله جل في علاه ومراد الله في كتابه وهذا لا يكون إلا باللغة العربية ولذلك فإن عمر بن الخطاب كان يضرب بالدرة على ذلك ويقول: تعلموا العربية فإنها لغة القرآن ونحن أعاجم لسنا بعرب فكثير من كلمات المصنفين لا نستطيع أن نعرف معانيها إلا بالرجوع إلى المعاجم اللغوية فاللغة العربية لها أهمية قصوى لأنها من علوم الآلة التي بها استقامة اللسان واستقامة اللسان ممدحة في الشرع وكذلك العقل عن الله جل في علاه وفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

بقلم: محمد حسن عبد الغفار
364