الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط

الكاتب: د سامي عامري

525 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ما إلحاد القرنين العشرين والواحد والعشرين؟

إنه ذاك الصّراخ الصّاحب والحَفد السريع لإثبات أن الإنسان بهيمةٌ من البهائم لاتَفْضْل النعاج والسباع بشيء، وإن تميّرَت عنها جينيا، كتميّز القطّط عن الضّفَادع، والكلاب عن القنافد، والقرود عن التُعالب. وليس في ذلك التمايز فاضل ومفضول، ولا حَسَنٌ ومقبوحٌ؛ لأنّ هذا الاختلاف كمي لا تَعلّق له بالفضائل القيميّة؛ فهو لا يرفع الخير فوق الشرّ ولا يَسْتَحْسِن الحقٌّ دون الباطل. وقد ألغى الإلحادٌ -بذلك- الفارق بين الوحشيّة والأخلاق المدنيّة، والعقل والجنون..

لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه؛ وهو أمر يَظهَر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظريّة المعرفة والقيم، ومعنى الحياة. والفكاك عن ذلك -إلحاديًا- مُحالٌ؛ لأنّ رفض الداروينية أو أيّ صورة أخرى من صور التطوّر العشوائي للكائنات الحيّة؛ حُجَة للتدخل فوق الطبيعي (=الإلهيّ) في هذا العالم، وذاك ما يرفضه الملاحدة قاطبة؛ فإنّ العلم قد أثبت أن مستوى تعقيد الكائنات الحيّة بالغ جدًّا، لا يمكن تفسيره بالنُشُوء العفويّ اللّحظيّ؛ ولذلك يَفِر الملاحدةٌ إلى الخلْقِ العشوائي التّدَرّجِيَ البطيء جدًا من البسيط إلى المعقّد.

لقد أَسَقَطَ الإلحاد الإنسان المؤمن بالداروينية من عز التكريم الإلهيّ إلى درَكِ الحيوانية بعد أن سَلَبَهُ فضيلتين، أولاهما: أن الكون مسخر له؛ وقد خلق الحيوان والنبات لأجله، وله أن يأخذ منهما لتحقيق بقائه ما شاء ضمن حدود تضبطها الشرائع السّماوية. وثانيهما: أنه مخلوق بزينة العقل؛ فهو بعقله يرتقى فوق جميع الحيوانات ليكون الكائن الأرضيّ الوحيد المخلوق لينحت طريقَهُ في الحياة عن إرادة حُرَّةٍ ووّعي لا عن غريزة جبرية قاهرة..

لقد أضحى الإنسان -في الرؤية الالحاديّة- جزْءًا من الطبيعة، لا يَفضل غيرَهُ بشيء؛ فكلٌ الأحياء على الأرض أثرٌ لأخطاء النَّسخ في الشّريط الصَبغيّ داخل الخلية، فلا تمايز ولا تَفَاضُلَّ ولا قيمة ترفع وتخفض... كل العالم المادي الحيّ طفيلي على الأرض، لم يُسْتَدْعَ وجوده، وإِنّما تسلّل عن طريق الحركة العمياء للتّناسخ الحيويّ.

إن الطبيعة التي تحيط به لم تُخلقْ له -كما هو مُعْتَقَدُ المؤمنين بالقرآن-، وإنّما تطوّرَ الإنسانٌ ليوافق بناء الطبيعة. وإن كان لأحدهما فضْلٌ؛ فَليكُنْ هو فضل الطبيعة التي
أنشأته وأَخْضَعَته لها ضمن سنّة الانتتخاب الطبيعي.

 


 

المصدر:

د. سامي عامري، الإلحاد في مواجهة نفسه، ص35

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
محاولة لاستثارة النخوة لدى عديمي النخوة | مرابط
فكر مقالات

محاولة لاستثارة النخوة لدى عديمي النخوة


لم يعد يجدي مع بعض طبقات مجتمعاتنا أن تذكر لهم نصوصا من الكتاب والسنةفهم يرونها جزءا من تراث لا يحبونه ولا يعتزون به هم أنفسهم يدعون إلى إحياء التراث غير الإسلامي كدعوات إحياء الفخر بالحقب الفرعونية وعروبة ما قبل الإسلام

بقلم: د إياد قنيبي
886
من خصائص القرآن البيانية | مرابط
اقتباسات وقطوف

من خصائص القرآن البيانية


فإذا أنت لم يلهك جمال العطاء عما تحته من الكنز الدفين ولم تحجبك بهجة الأستار عما وراءها من السر المصون بل فليت القشرة عن لبها وكشفت الصدفة عن درها فنفذت من هذا النظام اللفظي إلى ذلك النظام المعنوي تجلى لك ما هو أبهى وأبهر ولقيك منه ما هو أروع وأبدع

بقلم: محمد عبد الله دراز
908
التغريب: الأهداف والأساليب ج1 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج1


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2202
الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة | مرابط
تفريغات

الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة


وكذلك أيضا من فضل الله عز وجل على عباده: أن جعل هذه الأيام موضعا للصيام وآكد هذا الموضع في الصيام هو صيام يوم عرفة كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي الكلام عليه بإذن الله. ويشرع للإنسان أيضا أن يصوم عشر ذي الحجة إلا يوم النحر فإنه يحرم صيامه لكونه عيدا وأما الأيام الباقية اليوم التاسع وما قبله فإنه يشرع للإنسان أن يصومها وكان السلف يصومون ذلك.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
327
المسألة فيها خلاف الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

المسألة فيها خلاف الجزء الثاني


كان الناس قبل عقود -بل سنوات- قليلة إذا تباحثوا في مسألة ما قال أحدهم: ما الدليل واليوم وبعد أن سمع فتوى فلان وفلان قال لك: المسألة فيها خلاف فرد التنازع إلى الخلاف لا إلى الدليل من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وبدلا من أن يجعل القرآن والسنة حاكمين عند الاختلاف جعل الاختلاف حاكما عليهما ومرد ذلك إلى الجهل والهوى والتساهل والتهاون في اتباع الشرع والأخذ بالدليل

بقلم: علوي بن عبد القادر السقاف
1634
النفس جبل عظيم شاق | مرابط
اقتباسات وقطوف

النفس جبل عظيم شاق


النفس جبل عظيم شاق في طريق السير إلى الله عز وجل وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل فلابد أن ينتهي إليه ولكن منهم من هو شاق عليه ومنهم من هو سهل عليه وإنه ليسير على من يسره الله عليه.

بقلم: ابن القيم
465