فجوة الإبداع

فجوة الإبداع | مرابط

الكاتب: علي محمد علي

597 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

 

ظاهرة فجوة الإبداع  creativity Gap ظاهرة ممكن تسبب إحباطا للمبتدئين ومع ذلك فغياب هذه الظاهرة قد يحرم المحترفين من مزيد التطور

 

أي شخص قرر يتعلم مهارة أو يمارس هواية معينة طبيعي يكون اتجه لهذه المهارة بعد فترة اهتمام ورغبة ومتابعة للمحترفين في هذه المهارة أو الهواية، خصوصًا إن حاليا أصبح من السهل متابعة المحترفين وأعمالهم في كل مجال بمنتهى السهولة، من خلال يوتيوب أو فيسبوك أو مواقع متخصصة بالمهارات.. متابعتنا للمحترفين وأعمالهم بترفع لدينا مستوى التذوق والحس النقدي في المهارة أو مجال العمل الذي نهتم به، يعني قدرتنا على التمييز بين الأعمال الجيدة والرديئة تصبح عالية، لكن المشكلة إن مستوى قدراتنا في المهارة دي ليس عاليا ﻷننا مازلنا في البداية ولم نكتسب الحرفية التي تمكننا من إنتاج عالي الجودة يتوافق مع ذوقنا وحسنا النقدي = وهذا يجعلنا ننظر لإنتاجنا بإحباط.

 

وبالتالي، فجوة الإبداع هي الفرق بين مستوى قدراتنا ومستوى تذوقنا أو حسنا النقدي.. عيب فجوة الإبداع أنها عندما تكون أكبر من اللازم تتسبب في يأس وإحباط المبتدئ ومن ثم انسحابه وتوقفه عن تعلم المهارة. طبعا السبب الذي يُكبّر الفجوة هو كثرة المتابعة مع قلة الممارسة الفعلية يعني تتفرج يوميا بالساعات على فيديوهات المحترفين ولكنك لا تمارس المهارة بنفسك بالقدر الكافي، وكثير مننا يقع في هذا الفخ لأن المشاهدة سهلة وممتعة بينما الممارسة عادة فيها صعوبة وتحديات.

 

مع ذلك فجوة الإبداع لها ميزة جيدة وهي إنها ضرورية للتطور وتحسين المهارة، يعني تخيل شخص حسّه النقدي ضعيف، في نفس مستوى قدراته، كونه مبتدئ طبيعي ينتج أعمال جودتها ضعيفة، لكن ﻷن حسه النقدي ضعيف فهو بينظر لأعماله على أنها جميلة ورائعة وبالتالي لن يحاول أن يطور من نفسه، فهو يرى عمله رائعًا، والغريب أن هذا قد يحدث مع المحترفين بعد فترة طويلة من الزمن، بعد ما يكون مستوى إنتاجه عالي الجودة فتكون فجوة الإبداع عنده صغيرة جدًا، وهذا ما يدخله في نطاق الراحة أو ما يسمى بالcomfort zone وبالتالي لا يوجد دافع قوي لمزيد من التطور.

 

يتضح من كلامنا إن وجود فجوة الإبداع في حد ذاته ليس بالمشكلة، بل هو ضروري، لكن المشكلة في حجم هذه الفجوة؛ لو الفجوة أكبر من اللازم = هذا يسبب الإحباط واليأس، بينما لو كانت صغيرة جدًا أو غير موجودة = فهذا يحرمك من التحسن والتطور.

 

أيه الحل؟

بالنسبة للمبتدئ = لا بد أن تمارس المهارة بمعدل أكبر من متابعتك للمحترفين وأعمالهم، يعني من الخطأ أن تشاهد يوميا لمدة ساعتين أعمال المحترفين لكنك لا تمارس المهارة إلا ساعة أو أقل، لا بد أن يكون وقت الممارسة أكبر.

 

بالنسبة للمحترفين = ممكن يكون صعب بعد الوصول لدرجة عالية من الاحتراف أن تستمر في رفع حسك النقدي بمعدل ملحوظ، ولكن من الممكن أن تسعى للتميز بالتنوع وتجربة أساليب جديدة، فتكون صاحب أسلوب وطابع مميز عن بقية المحترفين، وتحاول أن تجرب أشياء جديدة لم تجربها من قبل، فلا تكون فقط محترفًا وإنما تكون مبتكرًا أيضًا.

 

أفراد، بل وشركات كثيرة جدا لما استسلمت لنطاق الراحة الذي وصلت له بعد سنوات طويلة من العمل والاجتهاد ولم تحاول أن تجدد وتبتكر = انقرضوا، وظهر أفراد وشركات جديدة بمنتجات جديدة خطفت النجاح من القدامى الذين رفضوا تجريب أي شيء مختلف. (نموذج شركة نوكيا ثم الشركات الموجودة حاليا والأكثر انتشارا، آبل سامسونج ..إلخ)

 

نقطة أخيرة مهمة بخصوص فجوة الإبداع للذين يعانون من المثالية أو طلب الكمال perfectionism، لا بد أن تعرف أن الصورة الكاملة أو الرائعة في ذهنك مبنية على ذوقك وحسك النقدي الذي هو أعلى من قدراتك، ومن الطبيعي ألا يخلو العمل الذي تنتجه من العيوب من وجهة نظرك، لكن لا ينبغي أن يمنعك هذا من العمل، لا بد أن تعرف أن الطريق الوحيد لتحسين مستواك وجودة إنتاجك هو الاستمرار في الممارسة والعمل رغم العيوب الظاهرة لك، كذلك فالعمل لا يشترط فيه أن يخلو من العيوب أو يكون مثاليا حتى يحقق الهدف المطلوب.

 

في النهاية فجوة الإبداع ظاهرة طبيعية ومطلوب وجودها لكن بالحجم المناسب الذي لا يسبب الإحباط ويدفعنا للتطور باستمرار.
 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#فجوة-الإبداع
اقرأ أيضا
الربوبية والوعي المبتور | مرابط
فكر

الربوبية والوعي المبتور


والربوبي -في حقيقة الأمر- شر حالا من الملحد إذ الملحد لا يرى في الوجود غير ركام من الأشياء بلا غاية وآكام من النظم مبعثرة فيبني على ذلك أن الكون عبث بلا هدف بلا حكمة وأما الربوبي فيرى الحكمة في خلق الذرة والمجرة ويدرك مظاهر العظمة فيها ثم هو ينتكس بعد ذلك إلى مذهب الملحد نفسه فلا يرى في الوجود غير أشياء تسير إلى حتفها رغم أنفها. والربوبية -على الصواب- مظهر من مظاهر الكسل المعرفي ﻷنها وقوف على تخوم الإيمان والإلحاد فلا الباحث أكمل المسير إلى نهاية الغاية من الخلق ولا هو أدبر إلى نقطة الإنكار...

بقلم: د. سامي عامري
275
العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة ج2 | مرابط
تفريغات

العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة ج2


قبيل البعثة النبوية المحمدية لم يبق في فجاج الأرض من نور الوحي إلا شموع قاتمة وباهتة لا يكاد الناس يعرفون في ضوئها معالم الطريق ولا تصلح لهدايتهم إلى الحق الخالص من الشوائب وكان العالم كله كذلك ولا سيما الجزيرة العربية التي انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان وكانت العرب تعبدها لتقربهم إلى الله زلفى فجاء رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنور المبين والصراط المستقيم والحق الأبلج وفتح الله به العيون العمياء والآذان الصماء وأنار به القلوب وأظهر الله به الحق

بقلم: عمر الأشقر
856
الرأسمالية ومعاناة الإنسان | مرابط
فكر

الرأسمالية ومعاناة الإنسان


قرابة 40 في المئة من الغذاء الذي يتم إنتاجه ومعالجته ونقله في أمريكا يتم إهداره.. هل تتخيل الرقم؟ .. هذه الكمية وحدها كافية للقضاء على الجوع في العالم.. بل تزيد عن القدر المطلوب! .. فالأمريكان من أكثر الشعوب شهية وأكثرهم سمنة بسبب عاداتهم الغذائية.

بقلم: علي محمد علي
375
من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة | مرابط
فكر تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة


كان السلف الصالح رضوان الله عليهم ينكرون أشد الإنكار على ما ظهر من بدع في أيامهم كما أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه على بدع في التسبيح فعلها بعض القراء ثم لما ظهرت الفرق المبتدعة وتميز أهل السنة رأينا كيف كانت عقوبتها

بقلم: سفر الحوالي
384
فضيلة الاستسلام | مرابط
فكر ثقافة

فضيلة الاستسلام


الفكرة الأساسية في خطابات التحفيز وفي كثير من أطروحات إدارة الذات تدور حول مقاومة الاستسلام. لا بد أن مر بك مؤخرا مواد مرئية أو مسموعة أو مكتوبة تتضمن أفكارا من قبيل: لا تستسلم dont give up واصل الإنجاز ثابر لتحقق أهدافك فطموحاتك تنتظرك وأحلامك ممكنة. وهذا التحفيز يفيد -أحيانا- إذا خلا من المبالغة والابتذال ولكن ماذا لو كان الخيار الأمثل هو الاستسلام؟

بقلم: عبد الله الوهيبي
317
القرآن ومشكلة الغنى والفقر | مرابط
اقتباسات وقطوف

القرآن ومشكلة الغنى والفقر


والقرآن هو الذي حل المشكلة الكبرى التي يتخبط فيها العالم اليوم ولا يجد لها حلا وهي مشكلة الغنى والفقر فحدد الفقر كما تحدد الحقائق العلمية وحث على العمل كما يحث على الفضائل العملية وجعل بعد ذلك التحديد للفقير حقا معلوما في مال الغني يدفعه الغني عن طيب نفس لأنه يعتقد أنه قربة إلى الله

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
396