في ذكر من غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء

في ذكر من غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

808 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

حَدثنِي رجل من أهل الرقة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ أَخذ زِيَاد رجلا من الْخَوَارِج فَأَفلَت مِنْهُ فَأخذ خَاله فَقَالَ إِن جِئْت بأخيك وَإِلَّا ضربت عُنُقك قَالَ أَرَأَيْت إِن جِئْت بِكِتَاب من أَمِير الْمُؤمنِينَ تخلي سبيلي قَالَ نعم قَالَ فَأَنا آتِيك بِكِتَاب من الْعَزِيز الرَّحِيم وأقيم عَلَيْهِ شَاهِدين إِبْرَاهِيم ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام {أم لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} قَالَ زِيَاد خلوا سَبيله هَذَا رجل لقن حجَّته قَالَ يَمُوت بن المزرع قَالَ لنا الجاحظ مَا غلبني أحد قطّ إِلَّا رجل وَامْرَأَة فَأَما الرجل فَإِنِّي كنت مجتازًا فِي بعض الطّرق فَإِذا أَنا بِرَجُل قصير بطين كَبِير الهامة طَوِيل اللِّحْيَة متزر بمئزر وَبِيَدِهِ مشط يسْقِي بِهِ شقَّه ويمشطها بِهِ فَقلت فِي نَفسِي رجل قصير بطين الْحَيّ فاستزريته فَقلت أَيهَا الشَّيْخ قد قلت فِيك شعرًا فَترك الْمشْط من يَده وَقَالَ قل فَقلت:

(كَأَنَّك صعوة فِي أصل حش ... أصَاب الحش طش بعد رش)

فَقَالَ لي اسْمَع جَوَاب مَا قلت فَقلت هَات فَقَالَ:

(كَأَنَّك كندر فِي ذَنْب كَبْش ... يدلدل هَكَذَا والكبش يمشي)

وَأما الْمَرْأَة فَكنت مجتازًا بِبَعْض الطرقات فَإِذا أَنا بامرأتين وَكنت رَاكِبًا على حمارة فضرطت الحمارة فَقَالَت إِحْدَاهمَا لِلْأُخْرَى وي حمارة الشَّيْخ تضرط فغاظني قَوْلهَا فاحندت ثمَّ قلت لَهَا إِنَّه مَا حَملتنِي أُنْثَى قطّ إِلَّا وضرطت فَضربت بِيَدِهَا على كتف الْأُخْرَى وَقَالَت كَانَت أم هَذَا مِنْهُ تِسْعَة أشهر على جهد جهيد

لَقِي بعض الأكاسرة فِي موكبه رجلا أَعور فحبسه فَلَمَّا نزل خلاه وَقَالَ تطيرت مِنْك قَالَ أَنْت أشام مني لِأَنَّك خرجت من مَنْزِلك ولقيتني فَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا وَخرجت من منزلي فلقيتك فحبستني فَلم يعد بعْدهَا يتطير عَن الْأَصْمَعِي قَالَ قَالَ الْوَلِيد بن عبد الْملك لبديح خُذ بِنَا فِي المنى فوَاللَّه لأغلبنك قَالَ لَا تغلبني قَالَ بلَى لَأَفْعَلَنَّ وَقَالَ فستعلم قَالَ الْوَلِيد فَإِنِّي أُرِيد أَتَمَنَّى ضعف مَا تتمنى أَنْت فهات قَالَ فَإِنِّي أَتَمَنَّى سبعين كفلًا من الْعَذَاب ويلعنني الله لعنًا كثيرا فَقَالَ غلبتني قبحك الله قَالَ مرض مولى لسَعِيد بن الْعَاصِ وَلم يكن لَهُ من يَخْدمه وَيقوم بأَمْره فَبعث إِلَى سعيد بن الْعَاصِ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ لَيْسَ لي وَارِث غَيْرك وَهَهُنَا ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم مدفونة فَإِذا أَنا مت فَخذهَا فَقَالَ سعيد حِين خرج من عِنْده مَا أرانا إِلَّا قد أسأنا إِلَى مَوْلَانَا وقصرنا فِي تعاهده فتعاهده كل التعاهد ووكل بِهِ من يَخْدمه فَلَمَّا مَاتَ اشْترى لَهُ كفنًا بثلاثمائة دِرْهَم وَشهد جنَازَته فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْبَيْت حفر الْبَيْت كُله فَلم يجد شَيْئا وَجَاء صَاحب الْكَفَن يُطَالب بِثمن الْكَفَن فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن أنبش عَلَيْهِ وأسلبه كَفنه أَتَى الْحجَّاج بِرَجُل ليَقْتُلهُ وَبِيَدِهِ لقْمَة فَقَالَ وَالله لَا أكلتها حَتَّى أَقْتلك قَالَ أَو خير من ذَلِك تطعمنيها وَلَا تقتلني فَتكون قد بررت فِي يَمِينك ومننت عَليّ فَقَالَ ادن مني فأطعمه إِيَّاهَا وخلاه وأتى الْحجَّاج بِرَجُل من الْخَوَارِج فَأمر بِضَرْب عُنُقه فاستنظره يَوْمًا قَالَ مَا تُرِيدُ بذلك قَالَ أُؤَمِّل عَفْو الْأَمِير مَعَ مَا تجْرِي بِهِ الْمَقَادِير فَاسْتحْسن قَوْله وخلاه

وبلغنا عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه منع أَصْحَابه مَا كَانَ يصل إِلَيْهِم فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير اتخذ جندًا من حِجَارَة لَا تَأْكُل وَلَا تشرب فَقَالَ لَهُ عَمْرو أخسا أَيهَا الْكَلْب فَقَالَ لَهُ الرجل أَنا من جندك فَإِذا كنت كَلْبا فَأَنت أَمِير الْكلاب وقائدها

قَالَ المتَوَكل يَوْمًا لجلسائه أَتَدْرُونَ مَا الَّذِي نقم الْمُسلمُونَ من عُثْمَان قَالُوا لَا قَالَ أَشَاء مِنْهَا أَنه قَامَ أَبُو بكر دون مقَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمرقاة ثمَّ ومقام عمر دون مقَام أبي بكر بمرقاة فَصَعدَ عُثْمَان ذرْوَة الْمِنْبَر فَقَالَ عباد مَا أحد أعظم مِنْهُ عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من عُثْمَان قَالَ وَكَيف وَيلك قَالَ لِأَنَّهُ صعد ذرْوَة الْمِنْبَر فَلَو أَنه كلما قَامَ خَليفَة نزل عَمَّن تقدمه كنت أَنْت تخطبنا من بِئْر جلولًا فَضَحِك المتَوَكل وَمن حوله قَالَ رجل لغلامه يَا فَاجر فَقَالَ الْغُلَام أتولى الْقَوْم مِنْهُم قَالَ الرّبيع كنت قَائِما على رَأس الْمَنْصُور إِذْ أَتَى بخارجي قد هزم لَهُ جيوشًا فأقامه ليضْرب عُنُقه ثمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْن الفاعلة مثلك يهْزم الجيوش فَقَالَ لَهُ الْخَارِجِي وَيلك وسوءة لَك بيني وَبَيْنك أمس الْقَتْل وَالسيف وَالْيَوْم الْقَذْف والسب وَمَا كَانَ يُؤمنك أَن أرد عَلَيْك وَقد يئست من الْحَيَاة فَلَا تستقبلها أبدا فاستحى الْمَنْصُور وَأطْلقهُ

وَقَالَ الصاحب بن عباد مَا أخجلني غير ثَلَاثَة مِنْهُم أَبُو الْحُسَيْن البهديني فَإِنَّهُ كَانَ فِي نفر من جلسائي فَقلت لَهُ وَقد أَكثر من أكل المشمش لَا تَأْكُله فَإِنَّهُ يلطخ الْمعدة فَقَالَ مَا يُعجبنِي مَا يطب النَّاس على مائدته وَآخر قَالَ لي وَقد جِئْت من دَار السُّلْطَان وَأَنا ضجر من أَمر عرض لي من أَيْن أَقبلت فَقلت من لعنة الله فَقَالَ رد الله غربتك فَأحْسن عَليّ إساءة الْأَدَب وَصبي مستحسن داعبته فَقلت لبيْك تحتي فَقَالَ مَعَ ثَلَاثَة أخر يَعْنِي فِي رفع جنازتي فأخجلني قَالَ رجل شربت البارحة فَاحْتَجت إِلَى الْقيام لإراقة المَاء كأنني جدي فَقَالَ لَهُ عَامي لم تصغر نَفسك يَا سيدنَا

 


 

المصدر:

ابن الجوزي، الأذكياء، ص137

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-الجوزي #الأذكياء
اقرأ أيضا
بارود لم ينفجر وطباعة لم تطبع | مرابط
تاريخ فكر مقالات

بارود لم ينفجر وطباعة لم تطبع


تواتر القول بأن اختراع المطبعة واختراع البارود قد كانا فاتحة عهد أو نقطة تحول في تاريخ الحضارة الحديثة وبين المطبعة والبارود مناسبة أو مشابهة قريبة وهي مشابهة التعميم فقد أصبح الكتاب ميسورا لكل من يطلبه بعد نشر الطباعة وقد كان قبل ذلك موقوفا على رجال الدين أو على الذين يتفرغون لنسخ الكتب ودرسها وكلاهما يلجئ الطالب إلى تفرغ وانتظار وقد أصبح حمل السلاح ميسورا لمئات الألوف وألوف الألوف بعد صنع الرامية البارودية وقد كان السلاح الفعال حكرا قبل ذلك لفرسان القلاع

بقلم: عباس محمود العقاد
1181
قياس إبليس | مرابط
اقتباسات وقطوف

قياس إبليس


اعلم أن أول من قاس قياسا فاسد الاعتبار ابليس حيث عارض النص الصريح الذي هو السجود لآدم بأن قياس نفسه على عنصره وقاس آدم على عنصره فأنتج من ذلك أنه خير من آدم وأن كونه خيرا من آدم يمنع سجوده له المنصوص عليه من الله.

بقلم: محمد الأمين الشنقيطي
347
من واجبات المرأة المسلمة في وقتنا المعاصر | مرابط
المرأة

من واجبات المرأة المسلمة في وقتنا المعاصر


لا يتساهل في لبس الطفلة بدعوى أنها ما زالت صغيرة وأن من حقها أن تفرح بطفولتها حتى لا تكره الحجاب عندما تكبر ... إلخ. هذه شبهات شيطانية يأخذ الحق الذي في هذا الكلام ويطبقه بالباطل. نعم لا بد أن تعيش الطفلة حياتها ولكن ب الحق الذي يوصلها إلى مراد الحق سبحانه وتعالى. فتتعلم أن تتزين بالحق في بيتها بما يليق لها في وسط عائلتها والفرق بين التزين بصورة بين النساء والتزين بين المحارم الرجال والتزين للزوج فلكل حقه وما يليق به وما يمنع

بقلم: محمد حشمت
405
رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج2


مقال مختصر يرد فيه الكاتب محمد أبو شهبة على بعض الشبهات والأباطيل التي أثارها محمود أبو رية حول السنة النبوية ومن ذلك زعمه أن الأحاديث رويت بالمعنى وأن هذا ربما أدخل ضررا على الدين بل وقال أن الرواية بالمعنى هى الأصل والقاعدة والرواية باللفظ هي العارض أو النادر وبالطبع يؤسس بهذا لفكرة أخرى وهي أن الأحاديث لم تسلم من التغيير والتبديل والتحريف وأنها لم تصلنا بلفظها كما نطقها النبي ويرمي في النهاية إلى توهين الانقياد والاستسلام للسنة النبوية بشكل عام

بقلم: محمد أبو شهبة
2344
الافتتان بالآخرين وصد الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

الافتتان بالآخرين وصد الحق


قد يكون اتباع أحدهم للباطل ليس إلا افتتانا بمن رآهم يتبعون هذا الباطل إذ يقول في نفسه: كيف لهؤلاء العظام والعقول الراجحة أن تتبع باطلا لا بد أنه الحق وأنهم رأوا من آياته ما حملهم على اتباعه إذن أتبعه مثلهم حتى لو بدى لي خلاف ذلك

بقلم: الشاطبي
2118
حب العربية | مرابط
لسانيات اقتباسات وقطوف

حب العربية


من أحب الله -تعالى- أحب رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ومن أحب الرسول العربي أحب العرب ومن أحب العرب أحب العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته إليها

بقلم: الثعالبي
374