مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري

مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري | مرابط

الكاتب: د. سلطان العميري

588 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعد ابن تيمية من أشهر العلماء الذين قاموا بنقد المذهب الأشعري، ومن أكثرهم توغلا في تتيع تفاصيله بالنقض والاعتراض. وقد سلك في نقده للمذهب الأشعري عددا من المسالك المنهجية، هي أشبه بالمداخل العلمية الكبرى التي يجب أن تحاكم إليها كل المذاهب العقدية.

ومن أصول تلك المسالك:

المسلك الأول: المحاكمة إلى قواطع النصوص الشرعية وظواهرها، فقد تتبع ابن تيمية النصوص الشرعية المتضمنة للعقائد المعارضة لمقررات المذهب الأشعري، وبين تنوعها في دلالتها وتراكيبها ومواردها، فأثيت من خلال ذلك أن النصوص الشرعية يستحيل أن تكون متفقة مع مقررات المذهب الأشعري.

وأثبت بذلك ضخامة الانحراف الذي وقع فيه علماء الأشاعرة، وضخامة التحريف الذي وفعوا فيه، وضخامة عدد النصوص الشرعية التي يتعارض مذهبهم معها، فمشكلة المذهب الأشعري ليست مع نص ولا نصين ولا عشرة ولا مائة نص، وإنما مشكلته مع مئات النصوص الشرعية.

فإنه بناء على مذهبهم يجب عليهم أن يؤولوا أو يفوضوا مئات النصوص في الكتاب والسنة، ويقدموا عنها جوابا. وهذا الكشف أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق شرعي ظاهر، وكشف لهم حجم التكاليف الشرعية التي يجب أن يقوموا بها.

المسلك الثاني: المحاكمة إلى المستفيض عن أثمة السلف، فإن من أعظم ما قام به ابن تيمية في مواجهة المذهب الأشعري أن جمع أقوال أئمة السلف في القرون الثلاثة ومن جاء بعدهم مما فيه مناقضة ظاهرة لمقررات المذهب الأشعري.

فقد جمع قدرا كبيرًا من أقوال أئمة السلف في إثبات الصفات الاختيارية والصفات الذاتية في عدد من كتبه، كدرء تعارض العقل والنقل وشرح الأصفهانية والحموية وغيرها، وبين أن ما عليه أتباع المذهب الأشعري يخالف تلك الأقوال.

فجعل أتباع المذهب الأشعري في مواجهة مباشرة مع أئمة السلف، وهذه المواجهة تعد ورطة منهجية ظاهرة الخطورة على المذهب الأشعري، فإنها تبطل شرعية المذهب وتكشف عن حجم الانحراف الواقع في مقرراته.

المسلك الثالث: تكثيف النقد التفصيلي، فلم يقتصر ابن تيمية على إظهار حجم مخالفة المذهب الأشعري لقواطع النصوص الشرعية والمستفيض من أقوال أئمة السلف، وإنما زاد مع ذلك بأن فام بالنقد التفصيلي لمقررات المذهب الأشعري في عقائده وأدلته، فقد تنبع أقوال الأشاعرة فولا قولا، ودليلا دليلا، وقام بنقدها بالتفصيل.

وهذا النقد جعل الواجبات العلمية على المذهب الأشعري في غاية الاتساع والإرهاق، فإنه يجب عليهم منهجيا أن يقدموا جوابا تفصيليا لكل ما أورده ابن تيمية على مذهبهم من اعتراضات، سواء على جملة العقائد أو على جملة الأدلة.

وهذا جهد علمي في غاية العناء والإرهاق، لأن كثيرا مما أورده ابن تيمية يصعب الجواب عليه أو يستحيل.

المسلك الرابع: توسيع المحاكمة العقلية، فلم يقتصر ابن تيمية على نقد المذهب الأشعري من جهة النقل فقط، وإنما توسع دائرة نقده فشملت الجانب العقلي، فقد تتبع الأدلة العقلية التي يعتمد عليها أتباع المذهب الأشعري وأدر عليها كما كبيرًا من الاعتراضات العقلية.

وأقام ابن تيمية محاكم عقلية لمنظومة المذهب الأشعري، ومحص أصول ما يعتمدون عليه من الأدلة وكشف قدرًا كبيرًا من الإشكالات المنهجية الواقعة فيها.

المسلك الخامس: استثمار النقد الداخلي، فلم يكتف ابن تيمية بالنقد الذي يقدمه من تلقاء نفسه للمذهب الأشعري، وإنما استثمر التقد الذي قام به عدد من علماء الأشاعرة أنفسهم لعدد من عقائدهم وأدلتهم، وحشد ذلك كله في كتبه.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعتراف عدد من علماء الأشاعرة بقدر من الإشكالات العميقة في عدد من الأصول العقدية، كما هو ظاهر عند الآمدي.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعترافات عدد من علماء الأشاعرة بالتراجع عن علم الكلام وأنه غير مفيد لمقاصد الشريعة.

المسلك السادس: استثمار التناقض الداخلي، فقد اعتمد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري على ما في مقرراته من تناقض وتعارض، وذكر جملة منها، وقد تتبع عددًا من الباحثين التناقضات التي ذكرها ابن تيمية وجمعوها في كتب مفردة.

ويعد ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تتبعوا تناقضات المذهب الأشعري في عدد من الأبواب العقدية، وجمع قدرا كييرا منها بما لا يكاد يوجد عند غيره من العلماء.

وهذا الجهد أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق علمي كبير، فإنه فتح عليهم أبواب التكاليف العلمية المرهقة التي لا يكاد يوجد منفذ للخلاص منها.

المسلك السابع: استثمار النقد الكلامي والفلسفي، كما استثمر ابن تيمية النقد الأشعري، فإنه استثمر في الوقت نفسه النقد الكلامي والفلسفي للمذهب الأشعري، فأورد عددًا من الاعتراضات التي قام بها المعتزلة أو الفلاسفة وغيرهم.

وهذا المسلك يجعل القذائف النقدية الموجهة إلى هيكل المذهب الأشعري متسعة غاية الاتساع. وفي هذا المسلك كان ابن تيمية في غاية الحذر، فإنه لم يستثمر إلا ما يراه صحيحًا أو مستقيمًا في مناهج الإلزام والجدل، بل حذر بوضوح من الاعتماد على الأوجة الباطلة في الرد على المذاهب المنحرفة.

المسلك الثامن: الاهتمام بإنشاء البديل، فكما اجتهد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري بعدد من المسالك والطرق، فإنه اجتهد أيضًا في إنشاء البديل وتشييد أركانه وإبراز معالمه، فقد توسع في ذكر تفاصيل العقائد التي دلت النصوص الشرعية عليها، وتفاصيل الأدلة الشرعية التي يجب الاعتماد عليها في الدين، سواءًا كانت أدلة نقلية أو عقلية.

فالقارئ للتراث التيمي في نقد المذهب الأشعري يجد فيه مادة بنائية كبيرة تغنيه بقدر كبير جدًا عن مقررات المذاهب الكلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #المذهب-الأشعري
اقرأ أيضا
حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج1 | مرابط
تفريغات

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج1


بين يديكم تفريغ لجزء من محاضرة للدكتور راغب السرجاني يدور حول الاجتياح المغولي للعراق والذي يعتبر من أبرز الأحداث في تاريخنا الإسلامي حيث يحمل الكثير من المآسي والعبر والدروس التي يجب أن نتعلمها فيما يخص تعامل المسلمين مع الأعداء

بقلم: راغب السرجاني
833
مفهوم الصلاح وحبائل الشهوة | مرابط
المرأة

مفهوم الصلاح وحبائل الشهوة


وإني لأسمع كثيرا ممن يقول: الوفاء في قمع الشهوات في الرجال دون النساء فأطيل العجب من ذلك وإن لي قولا لا أحول عنه: الرجال والنساء في الجنوح إلى هذين الشيئين سواء وما رجل عرضت له امرأة جميلة بالحب وطال ذلك ولم يكن ثم من مانع إلا وقع في شرك الشيطان واستهوته المعاصي واستفزه الحرص وتغوله الطمع وما امرأة دعاها رجل بمثل هذه الحالة إلا وأمكنته حتما مقضيا وحكما نافذا لا محيد عنه البتة

بقلم: ابن جزم
234
قيمة الدنيا عند المسلم | مرابط
تفريغات

قيمة الدنيا عند المسلم


فنحن مطالبون بأن نعمل وأن نعمر هذه الدنيا ما استطعنا بخير لكن مطالبون كذلك بأن لا نغتر بها وأن نعلم أنها ليست دار بقاء ومن هنا فالتعامل الصحيح مع هذه الدنيا أن يجعلها الإنسان في يده ولا يجعلها في قلبه فإنه إن جعلها في يده كان بالإمكان أن يستفيد منها وأن يتصرف فيها وأن يبعد قذرها عن نفسه وإن جعلها في قلبه ملكته وكان وعاء لها وخادما لها ولم يفته شيء من أقذارها وأكدارها.

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
291
مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي | مرابط
فكر مناقشات

مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي


مازالت مشكلات الانحلال السلوكي والتدهور الأخلاقي مسيطرة على المشهد في الكثير من مجتمعات المسلمين وخصوصا في مسألة العلاقة بين الجنسين وموضوعات تحرير المرأة واعتدنا أن نسمع تحليلات تقليدية لهذه المشاكل ترجعها إلى عوامل فردية أو ظواهر عشوائية غير موجهة ولا مقصودة ولكن مؤلف كتاب التبرج المسيس قرر أن يتتبع هذه الظواهر ويصل إلى محركاتها الأولى وبالطبع وصل في تحليله إلى خيوط سياسية كأن هذا المشهد الذي نراه جميعا يقع ضمن أهداف سياسية ومخططات دولية ومن هنا نجد أنفسنا أمام سياسات مكافحة الإرهاب المحل

بقلم: إبراهيم السكران
2386
الطاقة الذهنية | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

الطاقة الذهنية


الإنسان يملك كمية معينة من وقود التفكير وينبغي للمرء أن يكون حاذقا في صرف طاقته الذهنية في المواد المجدية يقول ابن القيم في فصل عقده في كتابه الفوائد في بيان هذا المفهوم أصل الخير والشر من قبل التفكير فإن الفكر مبدأه الإرادة

بقلم: إبراهيم السكران
402
النمو الصامت | مرابط
ثقافة

النمو الصامت


أخوف ما أخافه على نفسي: هذا النمو الصامت غير المحسوس للعاددات السلبية والمشاعر القبيحة والأفكار السوداوية.. تنمو ببطء وهدوء وبدون أن ننتبه أو نشعر.. وبلا أي إرهاصات ننغمس في خطوات التغيير. كم من علاقة إنسانية قوية.. نمى الإهمال فيها حتى نضج وتضخم وانتهت بالهجر والانفصال

بقلم: د. خالد الدريس
369