من الغافل؟

من الغافل؟ | مرابط

الكاتب: سفر الحوالي

416 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا أحد أحب إليه العذر من الله) ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب، وأقام الحجة على الخلق فلله الحجة البالغة على الخلق جميعًا، وإنما هي الغفلة.. وإنما هي الغباوة، كما جاء في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وكل شيء يذكر الله تبارك وتعالى) فالسماوات والأرض والجبال والطير والأنهار، وكل ما في الوجود يذكر الله وأعظمهم ذكرًا الملائكة، وما استثنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طائفتين لا تذكران الله تبارك وتعالى قال: (إلا المردة من الشياطين والأغبياء من بني آدم) فالمردة هم شياطين الجن، وهم شر محض لا إيمان ولا خير فيهم، وهؤلاء لا يذكرون الله تبارك وتعالى.

 

وكل يوم تطلع فيه الشمس عليك صدقة -كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكل يوم محسوب عليك، وأقرب مثال نراه نحن -الآن- في حياتنا هو هذا التقويم الذي يعلق في البيوت وفي المساجد، إذا أخذت كل يوم منه ورقة تفاجأ وإذا به قد انتهى وهكذا العمر كل يوم تأخذ منه ورقة، وإذا بالعمر فجأة ينتهي، فهذا فيه عبرة لمن اعتبر.

 

ومن العجب أن بني آدم أحرص شيء على هذه الدنيا، ولو تفكر ابن آدم لوجد أنه من أقل مخلوقات الله عمرًا، سبحان الله! فبعض الطيور يعيش 300 سنة أو 400 سنة، والأشجار تجد الشجرة عند البيت من عهد جدك ومن قبله ولا تزال موجودة، ويموت الابن وابن الابن والشجرة موجودة، أما الجبال والبحار فهي أكثر بكثير، ولكن الإنسان يظن أنه الوحيد المخلد الذي يمتلك هذه الدنيا، ولذلك لو تأمل العقلاء ما اختلفوا وما اقتتلوا، وما بغى بعضهم على بعض من أجل قطعة أرض، أو من أجل بئر، هذه الدنيا طوت قبلنا أممًا عظيمة وقرونًا طويلة، وسوف نطوينا بعد كذلك.

 

إن كل ما نرى في هذه الحياة الدنيا مما يتقاتل عليه الناس، ويبغي بعضهم على بعض بسببه، وما يشغلهم عن ذكر الله من أراضٍ أو دور أو عقار ما هو إلا عارية عندهم ينتقل من بعضهم إلى بعض، وكلما انتقل إلى شخص قال: هذا بيتي.. هذه أرضي.. هذا ملكي، ولو تأمل في حاله فسيرى أنه ما وجد إلا أيامًا قليلة بالنسبة لعمر هذه القصور التي كانت قبل ثلاثين أو أربعين سنة تعد أفخم وأعظم وأفخر القصور، والتي لو تهدى إلى بعض الناس اليوم هدية والله ما يقبلها، وإنما يقال: انتبه لا تذهب إليه هذا خرابة، وفيه جن -مثلًا- أو كذا -سبحان الله!- أليس هذا من الدلائل الواضحات؛ على أن هذه الدنيا لا تستحق أن نتنافس من أجلها، ولا أن نتدابر أو نتقاطع أو نتهاجر ونتحاسد من أجلها.

 

وإنما الواجب أن نعمر أوقاتنا ونستغل حياتنا في ذكر الله، وفي عبادته، وفي طاعته، وفي العمل بما يرضيه، ولا يعني ذلك أن نتركها، وألا نقتني البيت الحسن، أو المرأة الصالحة، أو المركب المهيأ، ما قال أحد بذلك لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن المشكلة هي الغفلة عن الآخرة بالكلية وأن نتعلق بهذه الدنيا، ورحم الله من قال:

والله لو كانت الدنيا بأجمعها       تُبقي علينا ويأتي رزقها رغـدا

ما كان من حق حرٍ أن يذل لها      فكيف وهي متاع يضمحل غدا

 

يقول: لو كانت الدنيا هذه باقية، وأننا مخلدون فيها ومتاعها يأتينا رغدًا، ونحن إن شئنا بقينا فيها، وإن شئنا قلنا يا رب نعمل صالحًا وتنقلنا إلى الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفكروا في هذه المعادلة لو قيل لك كذلك: أنت مخير بين هذه الدنيا فتدوم دوامًا أبديًا لا نهاية له ولا موت فيه، ونعيمها دائم وهو نعيم دنيوي، أو أن تعمل فيها وتجتهد لطاعة الله وتقول: يا رب انقلني إلى الجنة التي فيها هذا النعيم الذي ليس في الدنيا منه إلا الأسماء، ماذا يختار العاقل؟ العاقل يقول: لا أختار الدنيا على الآخرة، فهو متاع قليل زهيد لا يساوي شيئًا، بل أختار أن أجتهد، وأن أعبد الله وأقول: يا رب اجعلني من أهل الآخرة، وانقلني إليها حتى أنال هذا النعيم، فهذا لو كانت الدنيا دائمة، ونعيمها يأتي رغدًا، فكيف وهي مضمحلة زائلة، وتخرج منها مضطرًا من غير خيار؟!

 


 

المصدر:

محاضرة قيمة العمر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الغفلة
اقرأ أيضا
هل العمل عبادة؟ | مرابط
مقالات

هل العمل عبادة؟


والعمل ليس عبادة إلا إذا نوى الإنسان به نية حسنة ككف نفسه عن سؤال الناس والحاجة إليهم أو النفقة على أهله والتصدق على المحتاجين وصلة الرحم ونفع المسلمين بهذا العمل.. ونحو ذلك من النيات الصالحة التي يثاب عليها. ولا بد من استحضار النية.

بقلم: قاسم اكحيلات
470
في أخبار الآحاد | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

في أخبار الآحاد


أخبار الآحاد هو أن يخبره عدل يثق بخبره ويسكن إليه بأمر فيغلب على ظنه صدقه فيه أو يقطع به لقرينة به فيحمل ذلك مستندا لحكمه وهذا يصلح للترجيح والاستظهار بلا ريب ولكن هل يكفي وحده في الحكم هذا موضع تفصيل

بقلم: ابن القيم
705
علمنة العلاج النفسي | مرابط
فكر العالمانية

علمنة العلاج النفسي


حتى المعالج المحب لدينه قد يذكر للمريض آيات وأحاديث لرفع معنوياته وإزالة كآبته لكن المعنى المسيطر عنده وعند المريض هو تسخير ذلك كله لدنيا المريض فحسب. بينما النظرة المتوازنة تتطلب أن يجعل هذا البلاء مسخرا لنفع المريض في دينه وآخرته مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تخليصه من مرضه.

بقلم: د. إياد قنيبي
456
الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي


إننا نقبل العلم الطبيعي كوسيلة بحث ولا نقبله كفلسفة شاملة ننظر من خلالها للحياة worldview ﻷن تبني هذه النظرة يجعلك متبعا للمذهب الطبيعي متبعا لفلسفة تنظر بها للعالم وتفسره من خلالها وأنت في اتباعك هذه الفلسفة لا تبني اتباعك على طريقة العلم الطبيعي والتجريب بل تبني اتباعك على طريقة فلسفية

بقلم: د. حسام الدين حامد
367
لئن كان قال ذلك لقد صدق | مرابط
تعزيز اليقين

لئن كان قال ذلك لقد صدق


المتأمل لما قاله أبو بكر رضي الله عنه لئن كان قال ذلك لقد صدق يدرك أن هناك قاعدة تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه فهذه العبارة ليست عشوائية ولم تأت اعتباطا لو كان النبي قال كذا فقد صدق إذن أيا كان الذي قاله النبي إنه صادق في كل ما يقول المهم أن يثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ما قال إنه التسليم المطلق للوحي ولمثل هذا كان أبو بكر هو الصديق فالتسليم هو محض الصديقية كما يقول ابن القيم رحمه الله وهذه هي القاعدة التي تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه

بقلم: محمود خطاب
838
أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج2 | مرابط
فكر

أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج2


يبدو أن موضوع مقاصد الشريعة يحظى باهتمام بالغ في الساحات العربية خصوصا بعد أحداث سبتمبر فالسياسيون اهتموا به لتمرير أجندتهم السياسية والإعلاميون تمسكوا بها لتبرير مخالفة الإعلام للشريعة وكثير من الدعاة تمسك بها من أجل المزيد من المكتسبات سواء لدى عامة الناس أو لدى شرائح الملأ وتولت مقاصد الشريعة مع ظاهرة الخروج عن مألوف الشريعة المعهود لدى المسلمين بحجة نبذ التقليد والعمل بالدليل مهمة تمرير لبرلة الإسلام وعصرنته وكان أخطر ما في الأمر تبني شرائح إسلامية عديدة لهذا الفكر الأصولي الفقهي فكانوا...

بقلم: الدكتور هيثم بن جواد الحداد
1908