وقد رُوي عن ابن المبارك؛ أنه قال: كنا في الكوفة فناظروني في ذلك -يعني: في النبيذ المختلف فيه-، فقلت لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، بالرخصة، فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا.
فما جاءوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه.
قال ابن المبارك: فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق! عُدَّ أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسًا فقال: هو لك حلال، وما وصفنا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في الشدة، كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى.
فقال قائلهم: يا أبا عبد الرحمن! فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟
فقلت لهم: دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال؛ فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة؛ أفلأحد أن يحتج بها؟
فإن أبيتم؛ فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟ قالوا: كانوا خيارًا.
قال: فقلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد؟ فقالوا: حرام.
فقال ابن المبارك: إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام، فبقوا وانقطعت حجتهم
المصدر:
- ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، 932