لم نفعلها وحسبت علينا

لم نفعلها وحسبت علينا | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

1263 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

حين يقف الإنسان في اليوم الآخر لحظة تسليم الصحائف والاطلاع على محتوياتها، فإن الإنسان ربما لن يتفاجأ كثيرًا من خطايا نفذها فعلًا وقام بها، فهو قد علم مسبقًا بأنه سيراها في صحيفته.. ولكن المفاجأة المذهلة أن يجد الإنسان في صحيفته خطايا لم يفعلها هو، ومع ذلك يجدها مدونة في كتاب أعماله.. ربما يجد الإنسان في صحيفته خطايا لعشرات الأشخاص، بل ربما لمئات الأشخاص، بل ربما لملايين الأشخاص؛ وكلها محسوبة في صحيفة سيئاته، وسيحاسبه الله عليها..

 

حسنًا .. من أين جاءته هذه الأعمال التي لم يعملها؟ استمع إلى هاتين الآيتين العجيبتين اللتين تكشفان هذه الحقيقة المرعبة:
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) [النحل:25]
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) [العنكبوت:13]

 

يا ألله .. كم من كلمة نطقنا بها في مجلس من المجالس وقلنا فيها على الله بغير علم، فتأثر بها أحد الجالسين فتجرأ على المعصية، فصارت خطيئته في صحائفنا ونحن لا نعلم.. وكلما كرر معصيته .. تكررت في صحائفنا..

 

كم من مقالة أثار فيها كاتب من الكتّاب شبهة شوشت على آلاف القراء فتساهلوا في ذلك الحكم الشرعي، ونقلوا هم بدورهم تلك الشبهة إلى آلاف آخرين .. فيأتي ذلك الكاتب يوم القيامة يجرجر في صحيفته خطايا آلاف وآلاف من الناس لا يعرفهم..

 

كم من منتسب للدعوة مكّنه التغريبيون من فضائياتهم ليوفر لهم لغة شرعية مشحونة بمضامين غير شرعية .. فانخدع به ملايين من العامة وثقوا في لحيته ومشلحه ولحنه بألفاظ تشبه ألفاظ المشايخ.. فصار يدفع باتجاه توهين التدين في نفوسهم وأوقعهم في شذوذات فقهية وشبهات عقدية كانوا في سلامةٍ منها..

 

كنت مرةً أتحدث مع بعض الإخوة عن أحد متفقهة التغريب المذبذبين الذين ليسوا مع أهل السنة ولا مع أهل الضلال.. فقال لي أحدهم محتجًا: ولو .. هذا الرجل يستمع له الملايين في الفضائيات..

 

الحقيقة أنني حين سمعت مثل هذا الاعتراض أطرقت وشعرت بحزن عميق، وأخذت أقول في نفسي: مسكين .. لا يعلم أن زيادة الأرقام تعني زيادة عدد الضحايا.. لا يعلم أن زيادة الأرقام تعني زيادة أوزار المضللين التي ربما يحملها يوم القيامة..

 

والله إن الإنسان إذا جلس مع نفسه وأخذ يتذكر خطاياه أدرك أنها كافية أن توبق مستقبله الأخروي .. فكيف إذا انضم إلى ذلك أن يحمل فوق ظهره معاصي أشخاص آخرين لا يعرفهم .. والله إن الغبن كل الغبن أن يرى المرء نفسه يوم القيامة يصطلي بنار جهنم لا لمعصية فعلها هو وإنما لمعصية فعلها غيره!
إنها مجرد كلمة متهورة في حكم شرعي استحسنها المرء بذوقه وغفل عن تبعاتها المفتوحة..

 

إذا كان الأمر بمثل هذه الخطورة فكيف غفلنا عنه؟ إنه الرين الذي غلف القلوب حتى غفلت عن فظائع وأهوال هي أقرب للمرء من شراك نعله..
أخي الغالي .. والله إني لأحب لك ما أحب لنفسي .. فياليتنا يا أخي الكريم إذا أثيرت في مجلس من المجالس مسألة شرعية أن نتلوا في أنفسنا قوله تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) .. وقوله تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ).. فياليتنا نسلم من معاصينا فضلًا عن أن نسلم من معاصي الآخرين..

 


 

المصدر:

http://saaid.net/Doat/alsakran/28.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران
اقرأ أيضا
كيف تقضي على حياة أولادك المستقبلية؟ | مرابط
المرأة

كيف تقضي على حياة أولادك المستقبلية؟


هذه الفتاة التي قضت قرابة عشرين عاما بعيدا عن أعمال البيت وتدبيره ومسئوليته بمجرد أن ترتبط وتتزوج هل ستتحول مرة واحدة إلى حب الاستقرار والقرار في البيت وخدمة الزوج والأولاد وتأسيس بيت صالح ورعاية زوجها وأولادها والاهتمام بنظافتها الشخصية في طورها وكل هذه الأمور؟

بقلم: محمد حشمت
259
قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج2 | مرابط
فكر مقالات

قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج2


نيران سانت المو: هى الوهج الذى يلازم التفريغ الكهربى البطىء من الجو إلى الأرض وهذا التفريع المطابق لتفريغ الفرشاة المعروف فى تجارب معامل الطبيعة يظهر عادة فى صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة التى على غرار برج الكنيسة وصارى السفينة أو حتى نتوءات الأراضى المنبسطة وتصحبها عادة ضوضاء طقطقة وأزيز

بقلم: محمد الغزالي
909
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج3 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج3


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
638
لماذا نصوم الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

لماذا نصوم الجزء الثاني


لقد عرفنا الكثير من موجبات صيامنا ومقتضياتها وأول موجب للصيام: أن صيام رمضان قاعدة من قواعد الإسلام الخمس فمن قال: لا أصوم جاحدا منكرا لما شرع الله فقد أسقط بناء الإسلام ولم يبق له حظ فيه كمانع الزكاة الجاحد لفرضيتها وكتارك الصلاة الجاحد لفرضيتها فالكل يكفر والعياذ بالله إذا نصوم لتلك الفضائل التي اشتمل عليها الصيام والميزات العظيمة التي ينالها المؤمنون في الدنيا والآخرة

بقلم: أبو بكر الجزائري
672
الشعور بالذنب في زمن الحداثة | مرابط
فكر

الشعور بالذنب في زمن الحداثة


التفسير الأول يرى أن الشعور الطبيعي العميق بالذنب ينجم ضمن عملية تفرد الإنسان في الحداثة وهذه العملية الضرورية للتطور والنمو تستوجب على الفرد أن يضع نفسه في مواجهة الطبيعة أو الكون وهذه الوضعية تشعر الفرد بالضعة الهائلة أمام الكون وتملؤه بإحساس الضآلة والصغر والهامشية وانعدام القيمة ومن ثم يتولد الشعور بالذنب.

بقلم: عبد الله الوهيبي
462
كيف تتفاضل الأعمال؟ | مرابط
مقالات

كيف تتفاضل الأعمال؟


إن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض والرجلان يكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض.

بقلم: ابن القيم
229