ماذا تعملين يا سيدتي؟

ماذا تعملين يا سيدتي؟ | مرابط

الكاتب: عبد الوهاب المسيري

507 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

"يمكن أن يدور الحديث التالي في عدة أماكن:

- ماذا تعملين يا سيدتي؟ 
- أنا مجرد ربة بيت. 
- ماذا فعلت اليوم؟ 
- لم أفعل شيئًا على الإطلاق.

هذه الكلمات هي ترجمة لحوار سمعته الآف المرات في الستينيات في الولايات المتحدة قبل ظهور حركة تحرير المرأة، ونسمعه الآن في مصر.

ويمكننا أن نفك شفرة هذا الحوار على النحو التالي:

- ماذا تعملين يا سيدتي؟
(العمل هنا يا سيدتي هو العمل الذي تقومين به خارج منزلك في الحياة العامة، وهو العمل الذي يمكن حسابه وقياسه، ويمكن أن تتقاضي عنه أجرًا نقديًَّا وثمنًا محددًا، وأي عمل آخر تمارسينه في حياتك الخاصة مثل تربية الأطفال والاعتناء بأسرتك قد يكون له قيمة إنسانية كبرى، ولكنه ليس عملًا على الإطلاق، فهو يتم داخل المنزل ولا تتقاضين عنه أجرًا، فهو لا يُقاس، وليس بكم، وينتمي لرقعة الحياة الخاصة لا العامة.

ولا تقولي إنَّ عملك في منزلك كأم يحقق ذاتك الإنسانية، فهذه إهابة بقيم إنسانية وبفكرة الطبيعة البشرية، وهذه أمور غير علمية، أي غير مادية وغير كمية.
ولا تقولي أيضًا إن مجتمعك قد يستفيد من وجودك في منزلك أكثر من وجودك في مكتب حكومي، فمسار التاريخ العام يدل على أن كل النساء لابد ان يعملن وأنه لابد أن يلهث الجميع في حلبة السوق والمصنع والحياة العامة).

- إذا قبلت بتعريفك، وعليّ بطبيعة الحال قبوله، فهذا هو الخطاب العلمي المادي السائد، فأنا إذن مجرد ربة بيت (فما أقوم به من عمل ليس بعمل).

- ماذا فعلت اليوم؟ 
- (على الرغم من أنني كنست المنزل وطبخت الطعام وودعت ابني الأكبر وهو في طريقه إلى المدرسة وأطعمت ابنتي الصغيرة وأرضعت طفلي واستقبلت زوجي عند عودته وأدخلت الطمأنينة على قلوب الجميع.. إلخ، على الرغم من كل هذا فإنها أشياء تتم في منزلي، أي في رقعة الحياة الخاصة، ولا أتقاضى عنها أجرًا، لذا فأنا لم أفعل شيئًا على الإطلاق.

في حوار برئ مثل هذا نجد أن كلمة "يعمل" قد عُبِّئَت تمامًا بمضمون أيدولوجي متحيز، وفقدت الكلمة براءتها وأصبحت مصطلحًا محددًا لا يمكن فهمه تمامًا إلا في إطار النموذج المعرفي المادي الغربي الحديث.

فالعمل الذي يتقاضى الإنسان عنه أجرًا خارج منزله في رقعة الحياة العامة هو عمل يقوم به الإنسان الاقتصادي، والإنسان الاقتصادي هو إنسان منتج ومستهلك، جزء من عالم السوق/المصنع، إنسان يمكن أن تقاس حركاته وسكناته. 
أما رقعة الحياة الخاصة، فيتحرك فيها الإنسان الإنسان، وهو إنسان يقوم بنشاطات إنسانية كثيرة، بعضها لا يمكن قياسه ومن ثم فهو ليس موضوعًا للعلم.

وبالتدريج، نعرف أن هذه الزوجة المسكينة التي لم تفعل شيئًا من منظور مادي بسيط فعلت الكثير من منظور إنساني أكثر تركيبًا، ولكنها استبطنت الخطاب المعرفي المادي، ولذا فعليها أن تخرج من المنزل فورًا حتى "تعمل" أي حتى تتقاضى أجرًا فتستعيد احترامها لنفسها

قد يفسد الأطفال وقد تنهار الأسرة وتضيع خصوصية الحضارة؛ فالأمّ هي التي تعلم الأطفال الحضارة والقيم، ولكن هذه أمور ثانوية. فكما يقول الجميع: "كل الأمور اقتصادية" وكما قال الرجل في السوق: "في أي بنك سأصرف (آسف) هذه؟" وكما قال بلوتارخ “حينما تطفأ الشموع فكل النساء جميلات”، فكل البشر مادة استعمالية.


المصدر:
عبد الوهاب المسيري، العالم من منظور غربي، ص107

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المسيري #العالم-من-منظور-غربي
اقرأ أيضا
الأسباب والنتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

الأسباب والنتائج


كثيرا ما يرتبط في أذهاننا أن قوة النتائج مرتبطة بما يظهر من قوة الأسباب في مظاهرها وغطائها المادي ولذلك تهفو النفوس للتعلق بالسبب كثيرا ما يمور في عقولنا تصورات مسبقة أن أقوى الناس هم أولئك الذين يملكون أقوى الأسباب المادية وقد أثار انتباهي تنبيه لطيف لأحد السلف يزلزل هذه القناعات والتصورات المطمورة وقد نقله أبو العباس ابن تيمية واحتفى به في عدة مواضع من كتبه

بقلم: إبراهيم السكران
852
خير أمة | مرابط
اقتباسات وقطوف

خير أمة


خص الله الأمة الإسلامية بكثير من الخصائص والمميزات فهم خير أمة أخرجت للناس أتباع النبي الخاتم الذي لن يأتي بعده نبي آخر ولهذا عصمهم الله من الاجتماع على الضلال وجعلهم شهداء على الناس وخصهم بالرواية والإسناد وحفظ الذكر الذي نزله وغير ذلك وهذا مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن الأمر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1962
إضاءة في سبيل العلم وطلبه | مرابط
مقالات

إضاءة في سبيل العلم وطلبه


هل جربت يا طالب العلم قبل كل كتاب تقرؤه أو درس تحضره أو مادة تسمعها أن تتضرع إلى الله وتسأله أن يبارك لك في هذه القراءة وهذا الدرس وأن يفتح على قلبك وأن ييسر لك سبيل العلم النافع وأن لا يكلك إلى نفسك وأن يجعل ذلك كله سبيلا إلى رضوانه.

بقلم: د. طلال الحسان
1586
العبر من الحروب الصليبية الجزء الأول | مرابط
تفريغات

العبر من الحروب الصليبية الجزء الأول


عندما نختار أن نأخذ مرحلة الحروب الصليبية بالذات فإن ذلك له دلالته الخاصة من جهة أنها تحكي أو تشابه الواقع الذي نعيشه الآن والمرحلة التي تحياها هذه الأمة في ظل هذه الهجمة الخبيثة الماكرة التي يستجمع الغرب فيها قواه مرة أخرى فما أشبه الليلة بالبارحة إن المؤرخين يقولون: التاريخ يعيد نفسه ونحن نقول: سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا هذه هي سنة الله تعالى في الأمم وبالذات في الأمة الإسلامية كل حياتها كر وفر وكل مواقفها إقبال وإدبار

بقلم: سفر الحوالي
730
إشكالية المصطلح النسوي 2 | مرابط
اقتباسات وقطوف النسوية

إشكالية المصطلح النسوي 2


إن مشكلة كثير من المصطلحات النسوية المتداولة أنه يتم التفكير بها داخل نظام الثقافة الغربية وأدواتها فهي منتوج غربي في النهاية وتزداد الصعوبة في المصطلحات ذات البعد الديني كمصطلح الحجاب أو مصطلح القوامة وغيرها حيث ينطلق الغرب من توصيف مفاهيمها من منطلقه الفلسفي في تفسير الدين تفسيرا اجتماعيا وهو النظرة السائدة في الغرب إلى حد ما فيتم النظر تباعا لهذه المصطلحات الدينية المتعلقة بالمرأة بمنظار علم الاجتماع فقط

بقلم: د خالد بن عبد العزيز السيف
770
مقالة مفيدة لسفيان الثوري | مرابط
مقالات

مقالة مفيدة لسفيان الثوري


عليك بالصدق في المواطن كلها وإياك والكذب والخيانة ومجالسة أصحابها فإنها وزر كله وإياك يا أخي والرياء في القول والعمل فإنه شرك بعينه وإياك والعجب فإن العمل الصالح لا يرفع وفيه عجب ولا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفق على دينه فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه وينصح لنفسه كيف يعالج داء الناس وينصح لهم؟

بقلم: أحمد بن عبد الله الأصفهاني أبو نعيم
275