
وقال لي شيخُ الإسلام رضي الله عنه، وقد جعلتُ أوردُ عليه إيرادًا بعد إيراد: «لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السِّفِنْجَة، فيتشرَّبها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المُصْمَتة، تمرُّ الشبهاتُ بظاهرها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلا فإذا أَشْرَبتَ قلبَك كلَّ شبهةٍ تمرُّ عليك صار مقرًّا للشبهات» أو كما قال؛ فما أعلمُ أني انتفعتُ بوصيَّةٍ في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك.
وإنما سُمِّيت الشبهةُ شبهةً لاشتباه الحقِّ بالباطل فيها؛ فإنها تلبسُ ثوبَ الحقِّ على جسم الباطل، وأكثرُ الناس أصحابُ حُسْنٍ ظاهر، فينظرُ الناظرُ فيما أُلبِسَتْهُ من اللباس فيعتقدُ صحتها، وأما صاحبُ العلم واليقين فإنه لا يغترُّ بذلك، بل يجاوزُ نظرَه إلى باطنها وما تحت لباسها، فينكشفُ له حقيقتُها.
ومثالُ هذا: الدرهمُ الزائف؛ فإنه يغترُّ به الجاهلُ بالنقد، نظرًا إلى ما عليه من لباس الفضَّة، والناقدُ البصيرُ يجاوزُ نظرَه إلى ما وراء ذلك فيطَّلعُ على زيفه. فاللفظُ الحسنُ الفصيحُ هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضَّة على الدرهم الزائف، والمعنى كالنحاس الذي تحته.
المصدر:
مفتاح دار السعادة، ابن القيم 1/ 443