أعمال القلب وأعمال الجوارح

أعمال القلب وأعمال الجوارح | مرابط

الكاتب: ابن عثيمين

526 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

المقدم: لكن ما الفرق بين الاعتراف باللسان والقلب؟ وهل يلزم الجمع بينهما؟

الشيخ: الفرق بين الاعتراف بالقلب واللسان ظاهر، فإن من الناس من يعترف بلسانه دون قلبه كالمنافقين، فالمنافقون يقول الله عنهم: "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ" [المنافقون:1]، لكن قال الله تعالى: "وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" [المنافقون:1]، فهؤلاء اعترفوا بألسنتهم دون قلوبهم، وقد يعترف الإنسان في قلبه لكن لا ينطق به، وهذا الاعتراف لا ينفعه بالنسبة لنا ظاهرًا، أما فيما بينه وبين الله فحكمه إلى الله، لكنه في الدنيا لا ينفعه، ولا يحكم بإسلامه ما دام لا ينطق بلسانه، اللهم إلا أن يكون عاجزًا عن ذلك عجزًا حسيًا أو حكميًا، فقد يعامل بما يقتضيه أو بما تقتضيه حاله، فلا بد من الاعتراف بالقلب واللسان.

 

المقدم: الذي جرنا لهذا السؤال أن هناك فريقًا من الناس الآن إذا دعي إلى العبادة قال: إن الله رب القلوب، هذا الذي نريد أيضًا التعليق عليه؟

الشيخ: نحن نقول: إن الله تعالى رب القلوب والألسن، وليس رب القلوب فقط، والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، وهذا الحديث يفسد كل دعوىً يدعيها بعض الناس إذا نصحته في أمرٍ من الأمور مما أتى الله به، قال لك: التقوى هاهنا، وهي كلمة حق أريد بها باطل، والكلمة قد تكون حقًا في مدلولها العام لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنىً باطلًا، ألا ترى إلى قول الله تعالى: "سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ" [الأنعام:148].

 

فهم قالوا: لو شاء الله ما أشركنا، وصدقوا فيما قالوا: ولو شاء الله ما أشركوا، ولكنهم لا يريدون بهذه الكلمة حقًا بل يريدون بها تبرير بقائهم على شركهم، ورفع العقوبة عنهم؛ ولهذا قال الله تعالى: "كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا" [الأنعام:148]، فلن ينفعهم الاحتجاج بالقدر حين أرادوا به الاستمرار على شركهم ورفع اللوم عنهم والعقوبة، أما الواقع فإنه كما قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148]، كما قال الله تعالى لنبيه: "اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا" [الأنعام:106-107].

 

لكن هناك فرق بين الحالين، فالله قال لنبيه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] ليبين أن شركهم ماض بمشيئته، وأن له حكمة سبحانه وتعالى في وقوع الشرك منهم؛ وليسلي نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الأمر الواقع منهم بمشيئته تبارك وتعالى، فالمهم أن هذا الذي قال فيما نصحته: (التقوى هاهنا) قال كلمة حق لكنه أراد بها باطلًا، فالذي قال: ( التقوى هاهنا ) هو النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي قال: التقوى هاهنا هو الذي قال: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله)، فإذا كان في القلب تقوى لزم أن يكون في جوارحه تقوى، والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن.

 


 

المصدر:

ابن عثيمين، محاضرة فقه العبادات الجزء الرابع

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
عن يوم عرفة | مرابط
تعزيز اليقين

عن يوم عرفة


في هذا اليوم أطل الدعاء والمناجاة اليوم اشك همك وبثك إلى الله أزح الهموم عن كاهليك وفوض أمرك إليه وكن على يقين من الإجابة إما أن يعطيك ما سألت أو يعطيك ما هو خير لك منه والله يعلم وأنتم لا تعلمون وتوسل إلى بابه بكلمة التوحيد كلمة لا يكذبها العمل فعلق قلبك به وحده ولا تطلب غير وجهه ولا تقصد سوى بابه ولا تعدل برضاه شيئا ..

بقلم: كريم حلمي
477
السر في كون البدعة أحب إلى إبليس من المعصية | مرابط
تفريغات

السر في كون البدعة أحب إلى إبليس من المعصية


قالسفيان الثوريوغيره من العلماء: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها ومن أظهر الدلائل على أن إبليس لا يكترث بالمعصية حديثجابرالذي رواه الإماممسلمفي صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء فهو يضع عرشه أي: الكرسي ثم يجلس عليه وبعد ذلك يعطي للأبالسة خط سير كل واحد يذهب إلى بني آدم: يرسل سراياه تترى إلى بني آدم تترى: بعضها خلف بعض إنهم لا يكلون ولا ينامون ولا يهدءون فإبليس لا يحاسب رأس كل شهر ولا أسبوع إبليس يحاسب كل يوم ي...

بقلم: أبو إسحق الحويني
915
إقناع العقل وإمتاع العاطفة | مرابط
تعزيز اليقين

إقناع العقل وإمتاع العاطفة


وفي النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير وقوة وجدان وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها فأما إحداهما فتنقب عن الحق لمعرفته وعن الخير للعمل به وأما الأخرى فتسجل إحساسها بما في الأشياء من لذة وألم والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين ويطير إلى نفسك بهذين الجناحين فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معا

بقلم: محمد عبد الله دراز
636
لماذا نحب الرسول الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الثاني


في هذه المحاضرة يدور الحديث حول محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطريق إليها معناها وأهميتها واجباتها ومستلزماتها وما ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الموضوع على درجة عظيمة من الحساسية لما وقع الناس فيه من أهل الإسلام أهل القبلة بين الإفراط والتفريط هذا الموضوع ينبغي أن يفتح كل مسلم قلبه وسمعه لتفاصيله ويتذكر حتى ولو لم يتعلم شيئا جديدا ويستعيد إلى نفسه وقلبه ذكريات هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويتذكر حقوق رسول الله وواجباته

بقلم: محمد المنجد
698
صديقات السوء | مرابط
تفريغات المرأة

صديقات السوء


عجبا لك يا ابنة الإسلام كيف تستخدمين صلة العلم التي هي أشرف الصلات وأكرمها في المدارس والكليات لتبادل الأرقام والأفلام كيف تجرأت على القلم الذي هو أفضل أداة للخير وأعظم وسيلة للفضيلة وواسطة للآداب والكمال فخططت به الأرقام ورسائل الحب والغرام ونشر الحرام ألم تسمعي للحبيب صلى الله عليه وسلم يقول ويل لمن كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير

بقلم: إبراهيم الدويش
419
لماذا خلقني كأنثى؟ | مرابط
فكر المرأة

لماذا خلقني كأنثى؟


هذا جزء من رسالة أرسلت لي من فتاة عبر تويتر تقول فيها: لماذا خلق الله النساء؟ إذا الله كتب على نفسه الرحمة لماذا خلقني كأنثى؟ لماذا جعل الرجل الذي يرى امرأة يريد أن يصل إليها؟ لماذا جعل قوة الرجل أكبر وجعل النساء فرائس سهلة القتل وهتك الأعراض واللمس؟ هل الله رحيم مع النساء؟ أين هو عدل الله مع النساء؟ هل خلقنا ذوات مشاعر وعواطف لتعذيبنا؟ أم ماذا؟

بقلم: محمد بن رمضان
1802