أعمال القلب وأعمال الجوارح

أعمال القلب وأعمال الجوارح | مرابط

الكاتب: ابن عثيمين

430 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

المقدم: لكن ما الفرق بين الاعتراف باللسان والقلب؟ وهل يلزم الجمع بينهما؟

الشيخ: الفرق بين الاعتراف بالقلب واللسان ظاهر، فإن من الناس من يعترف بلسانه دون قلبه كالمنافقين، فالمنافقون يقول الله عنهم: "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ" [المنافقون:1]، لكن قال الله تعالى: "وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" [المنافقون:1]، فهؤلاء اعترفوا بألسنتهم دون قلوبهم، وقد يعترف الإنسان في قلبه لكن لا ينطق به، وهذا الاعتراف لا ينفعه بالنسبة لنا ظاهرًا، أما فيما بينه وبين الله فحكمه إلى الله، لكنه في الدنيا لا ينفعه، ولا يحكم بإسلامه ما دام لا ينطق بلسانه، اللهم إلا أن يكون عاجزًا عن ذلك عجزًا حسيًا أو حكميًا، فقد يعامل بما يقتضيه أو بما تقتضيه حاله، فلا بد من الاعتراف بالقلب واللسان.

 

المقدم: الذي جرنا لهذا السؤال أن هناك فريقًا من الناس الآن إذا دعي إلى العبادة قال: إن الله رب القلوب، هذا الذي نريد أيضًا التعليق عليه؟

الشيخ: نحن نقول: إن الله تعالى رب القلوب والألسن، وليس رب القلوب فقط، والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، وهذا الحديث يفسد كل دعوىً يدعيها بعض الناس إذا نصحته في أمرٍ من الأمور مما أتى الله به، قال لك: التقوى هاهنا، وهي كلمة حق أريد بها باطل، والكلمة قد تكون حقًا في مدلولها العام لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنىً باطلًا، ألا ترى إلى قول الله تعالى: "سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ" [الأنعام:148].

 

فهم قالوا: لو شاء الله ما أشركنا، وصدقوا فيما قالوا: ولو شاء الله ما أشركوا، ولكنهم لا يريدون بهذه الكلمة حقًا بل يريدون بها تبرير بقائهم على شركهم، ورفع العقوبة عنهم؛ ولهذا قال الله تعالى: "كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا" [الأنعام:148]، فلن ينفعهم الاحتجاج بالقدر حين أرادوا به الاستمرار على شركهم ورفع اللوم عنهم والعقوبة، أما الواقع فإنه كما قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148]، كما قال الله تعالى لنبيه: "اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا" [الأنعام:106-107].

 

لكن هناك فرق بين الحالين، فالله قال لنبيه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] ليبين أن شركهم ماض بمشيئته، وأن له حكمة سبحانه وتعالى في وقوع الشرك منهم؛ وليسلي نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الأمر الواقع منهم بمشيئته تبارك وتعالى، فالمهم أن هذا الذي قال فيما نصحته: (التقوى هاهنا) قال كلمة حق لكنه أراد بها باطلًا، فالذي قال: ( التقوى هاهنا ) هو النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي قال: التقوى هاهنا هو الذي قال: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله)، فإذا كان في القلب تقوى لزم أن يكون في جوارحه تقوى، والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن.

 


 

المصدر:

ابن عثيمين، محاضرة فقه العبادات الجزء الرابع

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
تدمير الحضارة سنة الغزاة | مرابط
تاريخ

تدمير الحضارة سنة الغزاة


بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل مسلمي بغداد وسفك دمائهم اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر عمل ليس له مسوغ إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم الديني منها والدنيوي

بقلم: د راغب السرجاني
480
أن تكون أبا | مرابط
مقالات

أن تكون أبا


أن تكون أبا فليس ذلك بالأمر الهين..أن تكون أبا فيعني ذلك أن الخوف والقلق والفزع البشري الطبيعي لم يعودوا من المشاعر التي يحق لك أن تجدها وإن حدث ووجدتها يوما فليس من حقك أن تستسلم لها أو تنساق خلف تبعاتها إلا لثوان ثم تتدارك بعدها نفسك لتستطيع إكمال المهمةمهمة أن تكون أبا..

بقلم: محمد علي يوسف
326
حب الظهور | مرابط
فكر تفريغات

حب الظهور


روي أن أعرابيا بال في ماء زمزم فقام الناس عليه فأمسكوا به وقالوا: ما حملك قال: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات يعني: المهم عنده الصيت ولذلك هذا المرض الخطير يمكن أن يجعل الإنسان يعمل من البلايا ما الله به عليم لأجل فقط أن يخرج صيته يعمل أي شيء له حاجة أوليس له حاجة له داع أو ليس له داع يحرك ساكنا ويسكن متحركا المهم أن يخرج صيته أمام الناس

بقلم: محمد صالح المنجد
2325
جهاد النفس ومنعها من شهواتها | مرابط
مقالات

جهاد النفس ومنعها من شهواتها


حدثني محمد بن عبيد الله ثنا عثمان بن مطر عن ثابت عن مطرف بن عبد الله أنه كان يقول: يا إخوتاه اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما ترجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات الجنة وإن يكن الأمر شديدا كما تخاف وتحذر لم نقل: ربنا أرجعنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك

بقلم: ابن أبي الدنيا
587
الحذر من إطلاق البصر | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحذر من إطلاق البصر


وليحذر العاقل إطلاق البصر فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه وربما وقع من ذلك العشق فيهلك البدن والدين فمن ابتلي بشيء منه فليتفكر في عيوب النساء. قال ابن مسعود: إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مثانتها وما عيب نساء الدنيا بأعجب من قوله عز وجل ولهم فيها أزواج مطهرة وإياك والاستكثار من النساء فإنه يشتت الشمل ويكثر الهم. ومن التغفيل أن يتزوج الشيخ صبية وأصلح ما يفعله الرجل أن يمنع المرأة من المخالطة للنساء فإنهن يفسدنها عليه وأن لا يدخل بيته مراهق ولا يأذن لها في الخروج.

بقلم: ابن مفلح
240
الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط
الإلحاد

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية


لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه وهو أمر يظهر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظرية المعرفة والقيم ومعنى الحياة والفكاك عن ذلك -إلحاديا- محال لأن رفض الداروينية أو أي صورة أخرى من صور التطور العشوائي للكائنات الحية

بقلم: د سامي عامري
505