التسلح سباق نحو الهاوية

التسلح سباق نحو الهاوية | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

1555 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

سباق التسلح

إنَّ ما نراه في تاريخنا الحديث من سباقٍ محمومٍ نحو التسلُّح -كمًّا وكيفًا- فمِنْ حيث الكمِّ نرى المليارات التي تُنفق سنويًّا لشراء الأسلحة وتكديسها، بما يُشير لما نحن مُقْبِلُون عليه من مستقبلٍ دامٍ، ولعلَّ الجدول رقم (2)[1] يُوَضِّح الكمَّ الكبير من الأموال التي تُرصد لإحراز مكانةٍ متقدِّمةٍ في هذا السباق المحموم، الذي يعكس حالة التوتر وترقُّب الحرب لدى الكثير من دول العالم في واقعنا المعاصر!

هذا من ناحية الكمِّ، أمَّا من ناحية الكيف فنرى التطوُّر المذهل في تقنية الأسلحة، بما يجعلها أشدَّ فتكًا وتدميرًا بصورةٍ مرعبةٍ وتَفُوق التصوُّر، على غرار انتشار ما عُرِف بأسلحة الدمار الشامل، وعلى الرغم من أنَّها مُحَرَّمةٌ دُوَلِيًّا ويُعْتبر مستخدمُها ضدَّ مدنيِّين مجرم حرب، فإنَّها أصبحت واسعة الانتشار بأنواعها الثلاثة: (الأسلحة النوويَّة، والأسلحة الجرثوميَّة، والأسلحة الكيميائيَّة).

الأسلحة النوويَّة

فأمَّا السلاح النووي -ويُعَدُّ أشدَّ الأسلحة فتكًا- فيعتمد في قوَّته التدميريَّة على عمليَّة الانشطار النووي أو الاندماج النووي؛ ونتيجة لهذه العمليَّة تكون قوَّة انفجار قنبلةٍ نوويَّةٍ صغيرةٍ أكبر بكثيرٍ من قوَّة انفجار أضخم القنابل التقليديَّة؛ حيث إنَّ بإمكان قنبلةٍ نوويَّةٍ واحدةٍ تدمير أو إلحاق أضرارٍ فادحةٍ بمدينة بكاملها؛ لذا تُعتبر الأسلحة النوويَّة أسلحة دمار شامل، ويخضع تصنيعها واستعمالها إلى ضوابط دُوليَّة حرجة، ومع ذلك يُمَثِّل السعي نحو امتلاكها هدفًا تسعى إليه غالب الدول في زماننا الحالي[2].
 
وقد استُعمِلَت القنبلة الذرية مرَّتين في تاريخ الحروب؛ وكانتا كلتاهما أثناء الحرب العالمية الثانية عندما قامت الولايات المتحدة بإسقاط قنبلتين ذَرِّيَّتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان، وذلك صباح يوم 6 أغسطس 1945م حينما ألقت الولايات المتحدة الأميركيَّة قنبلتها الذريَّة الأولى على مدينة هيروشيما اليابانيَّة، فمات على الفور 70 ألف مواطنٍ ياباني، والعجيب أنَّه بعد ثلاثة أيَّام فقط ألقت أميركا القنبلة الثانية على مدينة ناجازاكي، فمات على الفور 60 ألف مواطنٍ آخر!
 
وقد صرَّحَ مجلس مدينة هيروشيما أنَّ عدد قتلاها ارتفع في سنوات قليلة إلى 230 ألف شخص؛ بسبب ما خلفته القنبلة من إشعاعات، كما وصل عدد الجرحى إلى 157 ألف شخص[3]!

الأسلحة الكيميائية

ثُمَّ تأتي الأسلحة الكيميائيَّة التي يُراد باستخدامها تدمير أو تحجيم أو الحدِّ من نشاط مجموعةٍ بشريَّةٍ مُعَيَّنةٍ لتحقيق أهدافٍ مختلفة؛ حيث إنَّ ما تتميَّز به الأسلحة الكيميائيَّة هو التأثير غالبًا على الكائنات الحيَّة فقط، بينما الأسلحة النوويَّة يكون تدميرها شاملًا بل ومتعدِّيًا حدود المكان الجغرافيَّة، وتُصَنَّف الأسلحة الكيميائيَّة عدَّة تصنيفات؛ إمَّا حسب شدَّة تأثيرها، أو حسب إمكانيَّة السيطرة عليها والحدِّ من سرعة انتشارها، وقد استُخْدِمت الأسلحة الكيميائيَّة بكثرة في القرن الماضي، وفي العديد من الحروب..

نذكر منها حرب فيتنام (1964-1975م)؛ التي شنَّتها الولايات المتحدة الأميركية ضدَّ فيتنام الشماليَّة، ففي هذه الحرب وعندما استَخْدمت المقاومة الفيتنامية الغابات للتخفِّي من القوَّات الأميركيَّة، قامت الولايات المتحدة الأميركيَّة بشنِّ حربٍ كيميائيَّةٍ على منطقة الغابات الفيتناميَّة التي تبلغ مساحتها 40 مليون فدان، وتقترب من نصف مساحة فيتنام الشماليَّة، فاستخدمت القوَّات الأميركيَّة المبيدات القاتلة، التي أتت على الأخضر واليابس، ودمَّرَت هذه الغابات تمامًا، وظلَّت آثار هذه المبيدات لسنوات طوال امتدَّت لِمَا بعد نهاية الحرب، ويكفي أن نعرف أنَّ بعثة الأكاديميَّة القوميَّة الأميركيَّة للعلوم قد قامت بزيارةٍ للمنطقة عقب انتهاء الحرب، وذكرتْ في تقريرها أنَّ منطقة الغابات يلزمها أكثر من مائة عام لكي تعود لسابق عهدها[4]! وقد بلغ عدد الضحايا عند نهاية حرب فيتنام 3 ملايين قتيل فيتناميٍّ معظمهم من المدنيِّين[5]!

الأسلحة الجرثومية

ثُمَّ تأتي الأسلحة الجرثوميَّة (البيولوجيَّة) ثالث أسلحة الدمار الشامل التي كَثُر استخدامها في العصر الحديث، وخاصَّةً خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وتتكوَّن الأسلحة البيولوجيَّة من مكوِّناتٍ بكتيريَّةٍ سامَّة أو سموم بكتيريَّة، وتكمن خطورتها في سرعة انتشارها، وتُعتبر أخطرها هي الجدري والجمرة الخبيثة، وتأتي روسيا في مقدِّمة الدول التي تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة البيولوجيَّة في العالم، وقد نجحت روسيا في وضع رءوسٍ حربيَّةٍ مملوءةٍ بمزيجٍ من الجدري والطاعون والجمرة الخبيثة على صواريخ عابرة للقارَّات، وزوَّدت تلك الرءوس الحربيَّة بأجهزة تبريد تُبْقِي الفيروسات حيَّة خلال عودتها إلى غلاف الأرض الجوي، إلى أن تقترب من الهدف فتنطلق مظلات تُخَفِّف من سرعة الصاروخ، الذي يتفكَّك بعدئذٍ مطلقًا قنابل صغيرة تنفتح بدورها مطلقة العنان للفيروسات، كما تمكَّن الروس من إنتاج نموذجٍ مُحسَّنٍ من فيروس الجمرة الخبيثة، تبلغ فعَاليَته أربعة أضعاف فاعليَّة الفيروس العادي[6].
 
كلُّ هذه الأسلحة وغيرها الكثير على اختلاف قوَّتها التدميريَّة قابعةٌ ومكدَّسةٌ في انتظار صدور قرارٍ بنشوب حربٍ جديدة!

 


الإشارات المرجعية:

[1] تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: أكبر 15 دولة في الإنفاق العسكري، عامي (2005، 2009م)، على الرابط: www.sipri.org.
[2] للمزيد عن الدول النوويَّة الكبرى، انظر: ناريمان درويش: المشكلات السياسية المعاصرة، ص52.
[3] هشام عبد الرءوف حسن: تاريخ اليابان الحديث والمعاصر، ص238-240.
[4] أمل خليفة: هزيمة أميركا في فيتنام، ص72.
[5] أحمد كنعان: ذاكرة القرن العشرين، ص100.
[6] للاستزادة انظر: عبد الهادي مصباح: الأسلحة الكيميائية والجرثومية، الدار المصرية اللبنانية، ط1، 2000م.

المصدر:

كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #التسلح
اقرأ أيضا
لن نصلح إلا بما صلح به السلف | مرابط
تفريغات

لن نصلح إلا بما صلح به السلف


أنزل الله تبارك وتعالى هذا الدين ليكون منهجا للبشرية وقام محمد صلى الله عليه وسلم -نبي هذه الأمة- بهذا الدين خير قيام حكم به الحياة وبلغه إلى العالمين ومضت الفترة التي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم لتكون هي النموذج الذي يحتذي المسلمون حذوه ويسعون دائما لأن يصلوا بأنفسهم وبجماعتهم إلى المستوى الذي وصل إليه المسلمون في تلك الأيام

بقلم: عمر الأشقر
713
متى يكون الرد على المخالف | مرابط
فكر

متى يكون الرد على المخالف


كثير ممن يطيل الجدل والمناظرة لا يفرق بين بيان إثبات الحجة وبين الإقرار بها فيجعل لازم إثبات الحجة أن يقر المحجوج بها وهذا ليس من العلم والنظر ولا من مقاصد التشريع في شيء وذلك أن محل الإقرار في القلب واللسان ناقل لما في القلب والصدق في هذا شاق جدا حتى ربما ظهر الحق لجميع السامعين ويبقى المحاجج في سكرة نفي ثبوت الحجج والتهوين منها والتعلق بالإقرار تعلق بباطن لا يمكن الوصول إلى حقيقته

بقلم: عبد العزيز الطريفي
994
لا يأمن البلاء من يأمن البلاء | مرابط
أباطيل وشبهات

لا يأمن البلاء من يأمن البلاء


هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يلح في الدعاء بأن يثبت الله قلبه على الدين وأن يعيذه من فتنة المحيا والممات ومن فتنة الدجال. وهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يدعو الله بأن بجنبه عبادة الأصنام وهو المعصوم! فمن هذا الذي يأمن على نفسه فيلج إلى مواطن الفتن غير آبه؟ ومن تلك التي تحسب نفسها من الملائكة فتلج إلى مواضع الشبهات غير عابئة بأي شيء؟

بقلم: محمود خطاب
509
لماذا يحل زواج المسلم من الكتابية لا العكس؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا يحل زواج المسلم من الكتابية لا العكس؟


في كل نظام اجتماعي في العالم توجد قاعدة أساسية هي حفظ النظام الاجتماعي أو تماسك النظام الاجتماعي .. كل تشريع كل قانون في أي نظام اجتماعي يجب أن يخدم هذه القاعدة سواء كانت دولة قانون أو دين أو أعراف.. وإلا انهار النظام الاجتماعي المشكل للدولة كلية!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
473
محاورة دينية اجتماعية الجزء الأول | مرابط
مناظرات مقالات الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الأول


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1853
ويلك آمن | مرابط
فكر مقالات

ويلك آمن


هذه هي الحضارة الأوربية الحديثة قد انتهت بالناس إلى خلق هذا الإشكال الدائم الذي لا يحل وساقت الناس إلى مرعى من الشك وبيء كلما ازدادوه غذاء زادهم بلاء فلا ينتهي من ينتهي إلا إلى هلكة تدع فكرة الحياة خرافة عظيمة قد اتخذت لها أسلوبا تتجلى فيه فكان أبلغ أسلوب وأفظع أسلوب هذا الإنسان الذي يحمل من رأسه قنبلة حشوها المادة المتفجرة التي تهلكه وتهلك ما يطيف به أو يقاربه فلا هو ينتفع بنفسه ولا ينتفع العالم به

بقلم: محمود شاكر
2477