التسلح سباق نحو الهاوية

التسلح سباق نحو الهاوية | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

1465 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

سباق التسلح

إنَّ ما نراه في تاريخنا الحديث من سباقٍ محمومٍ نحو التسلُّح -كمًّا وكيفًا- فمِنْ حيث الكمِّ نرى المليارات التي تُنفق سنويًّا لشراء الأسلحة وتكديسها، بما يُشير لما نحن مُقْبِلُون عليه من مستقبلٍ دامٍ، ولعلَّ الجدول رقم (2)[1] يُوَضِّح الكمَّ الكبير من الأموال التي تُرصد لإحراز مكانةٍ متقدِّمةٍ في هذا السباق المحموم، الذي يعكس حالة التوتر وترقُّب الحرب لدى الكثير من دول العالم في واقعنا المعاصر!

هذا من ناحية الكمِّ، أمَّا من ناحية الكيف فنرى التطوُّر المذهل في تقنية الأسلحة، بما يجعلها أشدَّ فتكًا وتدميرًا بصورةٍ مرعبةٍ وتَفُوق التصوُّر، على غرار انتشار ما عُرِف بأسلحة الدمار الشامل، وعلى الرغم من أنَّها مُحَرَّمةٌ دُوَلِيًّا ويُعْتبر مستخدمُها ضدَّ مدنيِّين مجرم حرب، فإنَّها أصبحت واسعة الانتشار بأنواعها الثلاثة: (الأسلحة النوويَّة، والأسلحة الجرثوميَّة، والأسلحة الكيميائيَّة).

الأسلحة النوويَّة

فأمَّا السلاح النووي -ويُعَدُّ أشدَّ الأسلحة فتكًا- فيعتمد في قوَّته التدميريَّة على عمليَّة الانشطار النووي أو الاندماج النووي؛ ونتيجة لهذه العمليَّة تكون قوَّة انفجار قنبلةٍ نوويَّةٍ صغيرةٍ أكبر بكثيرٍ من قوَّة انفجار أضخم القنابل التقليديَّة؛ حيث إنَّ بإمكان قنبلةٍ نوويَّةٍ واحدةٍ تدمير أو إلحاق أضرارٍ فادحةٍ بمدينة بكاملها؛ لذا تُعتبر الأسلحة النوويَّة أسلحة دمار شامل، ويخضع تصنيعها واستعمالها إلى ضوابط دُوليَّة حرجة، ومع ذلك يُمَثِّل السعي نحو امتلاكها هدفًا تسعى إليه غالب الدول في زماننا الحالي[2].
 
وقد استُعمِلَت القنبلة الذرية مرَّتين في تاريخ الحروب؛ وكانتا كلتاهما أثناء الحرب العالمية الثانية عندما قامت الولايات المتحدة بإسقاط قنبلتين ذَرِّيَّتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان، وذلك صباح يوم 6 أغسطس 1945م حينما ألقت الولايات المتحدة الأميركيَّة قنبلتها الذريَّة الأولى على مدينة هيروشيما اليابانيَّة، فمات على الفور 70 ألف مواطنٍ ياباني، والعجيب أنَّه بعد ثلاثة أيَّام فقط ألقت أميركا القنبلة الثانية على مدينة ناجازاكي، فمات على الفور 60 ألف مواطنٍ آخر!
 
وقد صرَّحَ مجلس مدينة هيروشيما أنَّ عدد قتلاها ارتفع في سنوات قليلة إلى 230 ألف شخص؛ بسبب ما خلفته القنبلة من إشعاعات، كما وصل عدد الجرحى إلى 157 ألف شخص[3]!

الأسلحة الكيميائية

ثُمَّ تأتي الأسلحة الكيميائيَّة التي يُراد باستخدامها تدمير أو تحجيم أو الحدِّ من نشاط مجموعةٍ بشريَّةٍ مُعَيَّنةٍ لتحقيق أهدافٍ مختلفة؛ حيث إنَّ ما تتميَّز به الأسلحة الكيميائيَّة هو التأثير غالبًا على الكائنات الحيَّة فقط، بينما الأسلحة النوويَّة يكون تدميرها شاملًا بل ومتعدِّيًا حدود المكان الجغرافيَّة، وتُصَنَّف الأسلحة الكيميائيَّة عدَّة تصنيفات؛ إمَّا حسب شدَّة تأثيرها، أو حسب إمكانيَّة السيطرة عليها والحدِّ من سرعة انتشارها، وقد استُخْدِمت الأسلحة الكيميائيَّة بكثرة في القرن الماضي، وفي العديد من الحروب..

نذكر منها حرب فيتنام (1964-1975م)؛ التي شنَّتها الولايات المتحدة الأميركية ضدَّ فيتنام الشماليَّة، ففي هذه الحرب وعندما استَخْدمت المقاومة الفيتنامية الغابات للتخفِّي من القوَّات الأميركيَّة، قامت الولايات المتحدة الأميركيَّة بشنِّ حربٍ كيميائيَّةٍ على منطقة الغابات الفيتناميَّة التي تبلغ مساحتها 40 مليون فدان، وتقترب من نصف مساحة فيتنام الشماليَّة، فاستخدمت القوَّات الأميركيَّة المبيدات القاتلة، التي أتت على الأخضر واليابس، ودمَّرَت هذه الغابات تمامًا، وظلَّت آثار هذه المبيدات لسنوات طوال امتدَّت لِمَا بعد نهاية الحرب، ويكفي أن نعرف أنَّ بعثة الأكاديميَّة القوميَّة الأميركيَّة للعلوم قد قامت بزيارةٍ للمنطقة عقب انتهاء الحرب، وذكرتْ في تقريرها أنَّ منطقة الغابات يلزمها أكثر من مائة عام لكي تعود لسابق عهدها[4]! وقد بلغ عدد الضحايا عند نهاية حرب فيتنام 3 ملايين قتيل فيتناميٍّ معظمهم من المدنيِّين[5]!

الأسلحة الجرثومية

ثُمَّ تأتي الأسلحة الجرثوميَّة (البيولوجيَّة) ثالث أسلحة الدمار الشامل التي كَثُر استخدامها في العصر الحديث، وخاصَّةً خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وتتكوَّن الأسلحة البيولوجيَّة من مكوِّناتٍ بكتيريَّةٍ سامَّة أو سموم بكتيريَّة، وتكمن خطورتها في سرعة انتشارها، وتُعتبر أخطرها هي الجدري والجمرة الخبيثة، وتأتي روسيا في مقدِّمة الدول التي تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة البيولوجيَّة في العالم، وقد نجحت روسيا في وضع رءوسٍ حربيَّةٍ مملوءةٍ بمزيجٍ من الجدري والطاعون والجمرة الخبيثة على صواريخ عابرة للقارَّات، وزوَّدت تلك الرءوس الحربيَّة بأجهزة تبريد تُبْقِي الفيروسات حيَّة خلال عودتها إلى غلاف الأرض الجوي، إلى أن تقترب من الهدف فتنطلق مظلات تُخَفِّف من سرعة الصاروخ، الذي يتفكَّك بعدئذٍ مطلقًا قنابل صغيرة تنفتح بدورها مطلقة العنان للفيروسات، كما تمكَّن الروس من إنتاج نموذجٍ مُحسَّنٍ من فيروس الجمرة الخبيثة، تبلغ فعَاليَته أربعة أضعاف فاعليَّة الفيروس العادي[6].
 
كلُّ هذه الأسلحة وغيرها الكثير على اختلاف قوَّتها التدميريَّة قابعةٌ ومكدَّسةٌ في انتظار صدور قرارٍ بنشوب حربٍ جديدة!

 


الإشارات المرجعية:

[1] تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: أكبر 15 دولة في الإنفاق العسكري، عامي (2005، 2009م)، على الرابط: www.sipri.org.
[2] للمزيد عن الدول النوويَّة الكبرى، انظر: ناريمان درويش: المشكلات السياسية المعاصرة، ص52.
[3] هشام عبد الرءوف حسن: تاريخ اليابان الحديث والمعاصر، ص238-240.
[4] أمل خليفة: هزيمة أميركا في فيتنام، ص72.
[5] أحمد كنعان: ذاكرة القرن العشرين، ص100.
[6] للاستزادة انظر: عبد الهادي مصباح: الأسلحة الكيميائية والجرثومية، الدار المصرية اللبنانية، ط1، 2000م.

المصدر:

كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #التسلح
اقرأ أيضا
الأصول الفكرية للنسوية: البطريركية والقمع الذكوري | مرابط
فكر مقالات النسوية

الأصول الفكرية للنسوية: البطريركية والقمع الذكوري


يستعرض المقال واحدا من أهم الأسس والقواعد التي تقوم عليها الحركة النسوية بشكل عام على مدار التاريخ ألا وهو التسلط الذكوري أو السلطة الذكورية كما تراها النسويات وهنا توضح لنا المؤلفة منبع هذه الفكرة وتشكلها لدى التيار النسوي وكيف تستهدف النسويات كسر الإطار الذكوري في كل أشكال العلاقات

بقلم: د وضحى بنت مسفر القحطاني
2343
تفسير سورة العصر 2 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 2


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
1017
من أعمال الحملة الفرنسية: نشر السفور والتبرج والبغاء | مرابط
تاريخ اقتباسات وقطوف المرأة

من أعمال الحملة الفرنسية: نشر السفور والتبرج والبغاء


لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن.

بقلم: عبد الرحمن الجبرتي
566
مناظرة أحمد مع المعتزلة | مرابط
مناظرات

مناظرة أحمد مع المعتزلة


جاء في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي رحمه الله: قال علي بن المديني رحمه الله: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة وبين يدينا مناظرة الإمام أحمد مع المعتزلة في حضور المعتصم وموضوع المناظرة هو قولهم بخلق القرآن

بقلم: سليمان بن عبد الله السجزي
7518
ألهاكم التكاثر | مرابط
مقالات اقتباسات وقطوف

ألهاكم التكاثر


تعليق ماتع لابن القيم على قول الله تعالى ألهاكم التكاثر يقف بنا على دلالاتها ومعنى ألهاكم ولماذا قال ألهاكم ولم يقل أشغلكم وكذلك يوضح المقصود بالتكاثر هل هو على الإطلاق أم لا وهل اللهو كله محرم أم لا وكذلك التكاثر وغير ذلك من اللمحات المفيدة

بقلم: ابن القيم
1464
بداية المغول المسلمين | مرابط
تاريخ

بداية المغول المسلمين


إن دولة جنكيز خان توزعت بعد وفاته إلى أربعة فروع وبدأ الإسلام ينتشر في هذه الفروع الأربعة وأصبح التتر يعتنقون الإسلام بجهود الخاقان حتى دخلوا في ظرف مائة سنة في دين الله وفي هذا المقال المختصر توضيح لبداية انتشار الإسلام في الفروع الأربعة لهذه الدولة

بقلم: راغب السرجاني
1004