في باب القدر انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
قسم آمنوا بقدر الله عز وجل وغلوا في إثباته، حتى سلبوا الإنسان قدرته واختياره، وقالوا: إن الله فاعل كل شيء، وليس للعبد اختيار ولا قدرة، وإنما يفعل الفعل مجبرًا عليه، بل إن بعضهم ادعى أن فعل العبد هو فعل الله، ولهذا دخل من بابهم أهل الاتحاد والحلول، وهؤلاء هم الجبرية.
القسم الثاني قالوا: إن العبد مستقل بفعله، وليس لله فيه مشيئة ولا تقدير، حتى غلا بعضهم، فقال إن الله لا يعلم فعل العبد إلا إذا فعله، أما قبل؛ فلا يعلم عنه شيئًا، وهؤلاء هم القدرية، مجوس هذه الأمة.
فالأولون غلوا في إثبات أفعال الله وقدره، وقالوا: إن الله عز وجل يجبر الإنسان على فعله، وليس للإنسان اختيار.
والآخرون غلوا في إثبات قدرة العبد، وقالوا: إن القدرة الإلهية والمشيئة الإلهية لا علاقة لها في فعل العبد؛ فهو الفاعل المطلق الاختيار.
القسم الثالث: أهل السنة والجماعة، قالوا: نحن نأخذ بالحق الذي مع الجانبين؛ فنقول: إن فعل العبد واقع بمشيئة الله وخلق الله، ولا يمكن أن يكون في ملك الله ما لا يشاؤه أبداً، والإنسان له اختيار وإرادة، ويفرق بين الفعل الذي يضطر إليه، والفعل الذي يختاره؛ فأفعال العباد باختيارهم وإرادتهم، ومع ذلك؛ فهي واقعة بمشيئة الله وخلقه.
لكن سيبقى عندنا إشكال: كيف تكون خلقًا لله وهي فعل الإنسان؟
الجواب: أن أفعال العبد صدرت بإرادة وقدرة، والذي خلق فيه الإرادة والقدرة هو الله عز وجل، لو شاء الله تعالى؛ لسلبك القدرة؛ فلم تستطع، ولو أن أحدًا قادرًا لم يرد فعلًا؛ فإنه بإرادته، اللهم إلا من أكره، فنحن نفعل باختيارنا وقدرتنا، والذي خلق فينا الاختيار والقدرة هو الله.
المصدر:
- شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، شرح الشيخ محمد الصالح العثيمين، ط دار ابن الجوزي: ج2 ص68