باطلٌ كلّ البطلان أن يكون في هذه الدنيا، على ما هي عليه، ثقافة يمكن أن تكون (ثقافة عالميّة)، أي ثقافة واحدة يشترك فيها البشر جميعًا ويمتزجون على اختلاف لغتهم ومللهم ونحلهم وأجناسهم وأوطانهم.. فهذا تدليسٌ كبيرٌ، وإنما يُراد بشيوع هذه المقولة بين الناس والأمم هدفٌ آخرُ يتعلق بفرض سيطرة أمةٍ غالبةٍ على أممٍ مغلوبة؛ لتبقى تبعًا لها .. فالثقافات متعددة بتعدد الملل، ومتميزة بتميز الملل، ولكل ثقافةٍ أسلوبٌ في التفكير والنظر والاستدلال منتزعٌ من الدين الذي تدين به لا محالة.. فالثقافات المتباينة تتحاور وتتناظر وتتناقش، ولكن لا تتداخل تداخلاً يُفضي إلى الامتزاج البتّة، ولا يأخذُ بعضها عن بعضٍ شيئًا، إلا بعد عرضه على أسلوبها في التفكير والنظر والاستدلال، فإن استجاب للأسلوب أخذته وعدّلته وخلّصته من الشوائب، وإن استعصى نبذتْهُ وطرحته
المصدر:
- محمود محمد شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ط مكتبة الخانجي، ص75