زين العابدين علي بن الحسين -رحمه الله تعالى-: ريحانة العابدين، زين العابدين علي بن الحسين -رحمه الله- من أكابر التابعين، كان في مجلسه، وعنده أصحابه من العلماء، والأشراف، والوجهاء، وجميع طبقات المجتمع في مجلس حافل؛ لأنه رجل عالم، وهو أبو الفقراء، يصدع للناس في نوائبهم، فكان جالسًا، وكان بينه، وبين بن عم له، وهو حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب شيء مما يكون بين الناس، فلم يتمالك حسن بن حسن نفسه، وخرج عن طوره، وجاء يبحث عن زين العابدين، فوجده جالسًا مع أصحابه في المسجد، فجاء إليه، وما ترك شيئًا إلا قاله في حقه من الشتم، وقبيح القول..
وعلي بن الحسين ساكت لا يرد بشيء، فلما تشفى منه انصرف، ثم ذهب علي بن الحسين بعد أن أكمل مجلسه إلى بيته، فلما كان الليل ذهب زين العابدين إلى بيت حسن بن حسن، وفي مثل هذه المواقف المتوقع أنه يخفي تحت ثيابه ما يؤدبه به، لكنه لم يفعل شيئًا من ذلك، بل جاء إلى بيته، وطرق عليه الباب، فلما خرج حسن بن حسن قال له: يا أخي إن كنت صادقًا فيما قلت فغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك، السلام عليكم، وتركه، فهشمت هذه الكلمات العداوة المستحكمة في نفس حسن بن حسن، ولم يتمالك مشاعره، فتحولت مشاعر العداوة، والبغض، والكراهية، والغضب إلى مشاعر أخرى معاكسة، فجعل يتبعه، ويجري خلفه، والتزمه من خلفه، وجعل يبكي حتى رثي له، ثم قال: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه، فقال له علي بن الحسين: وأنت في حل مما قلت لي.
في ليلتها لم يذهب ليتكلم، ويبحث عن فرص الانتقام، فهل تفعل ذلك إن جاءك إنسان، وشتمك، وكنت في مجلس مناسبة، أو في صالة أفراح فتسلط عليك إنسان، وأسمعك قبيح القول، فما موقفك من هذا الإنسان، إن كنت من أصحاب النفوس الكبيرة فستتجاوز النفس، ولهذا كان بعضهم يقول لمن يشتمه، ويبالغ في شتمه: يا هذا لا تفرط في شتمنا، وأبق للصلح موضعًا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.