شبهة حول الأمر بضرب الزوجة

شبهة حول الأمر بضرب الزوجة | مرابط

الكاتب: د منقذ السقار

793 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشبهة:
قالوا: القرآن ظلم المرأة حين أجاز لزوجها أن يضربها: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ الله كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء: ٣٤).

الرد عليها:
سبق لنا التعرف على منهج القرآن في التعامل مع المرأة، ورأينا ما فيه من التكريم والإجلال الذي عزَّ أن نجد مثيله في كتب الآخرين، فهذا هو الأصل في معاملة المرأة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان نموذجًا لهذا الأصل «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (1)، وصفته أم المؤمنين عائشة: (ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل) (2).

وهكذا، فالأصل تكريم المرأة، لكن للقاعدة شواذ، فالإنسان مكرم، لكن اللص والمجرم يهان، والأصل- في الإنسان- حفظ حياته، أما القاتل فيقتل، والأصل في المرأة تكريمها، لكن الناشز المستخفة برباط الزوجية تُضرب وتؤدب إذا لم تنفع معها وسائل الإصلاح، ولو قَتلت تُقتل.

وقد أذن القرآن الكريم للزوج بتأديب زوجه، بل أوجب عليه ذلك، فلو كانت زوجة الواحد منا لا تصلي مثلًا أو امرأة ناشزًا؛ فإن الزوج يندب إلى وعظها، ثم هجرها إن أصرت على النشوز وتدمير الحياة الأسرية، فإن لم ترعوي فإن الله أذن له بضربها ضربًا خفيفًا غير مبرح.

وهذا التأديب- كما سبق - ليس أصلًا في معاملة المرأة، بل هو خاص بالزوجة الناشز سيئةِ الخلق والدين، وهو نوع من الرحمة بها والوقاية لها من حساب الله وعقابه، قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ الله كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء: ٣٤)، فالضرب آخر وسائل الإصلاح، ويكون بعد الوعظ والهجر واستفراغ الجهد في التقويم والإصلاح.

وحين نتحدث عن الضرب تدور في مخيلة البعض النماذج السيئة التي يئن العالم في شرقه وغربه منها، فقد أصبح العنف مع النساء والقسوة معهن مرضًا عالميًا مزريًا بالإنسان اليوم، وهو بالطبع مما يحرمه القرآن الذي لا يأذن بالضرب المبرح، فالجائز في ضرب الناشز؛ الضرب غير المبرح، وقد مثلوا لها بضربها بالسواك، وهو عود صغير لو ضرب به طفل لما تأذى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - منبهًا على قدر الضرب المسموح به: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (3).

أما الضرب المبرح الذي يترك أثرًا على الجسد فهو حرام، وبخاصة إذا كان على الوجه، فقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضرب الحيوان على وجهه، فما بالنا بالزوجة: «أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها» (4).

ولما دخل معاوية القشيريُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه يؤكد على حقوقها ويقول: «لا تضربِ الوجه، ولا تقبِّحْ، وأطعمْ إذا أُطعمت، واكسُ إذا اكتسيت، ولا تهجُر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إلا بما حل عليهن» (5).

وذمًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأولئك الذين يضربون زوجاتهم وقف - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يوصي بالنساء، فيقول: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه» (6).

وذات مرة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يشكو زوجته، فقال: يا رسول الله، إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وإيذائها؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «طلقها». فقال: يا رسول الله، إنها ذات صحبة وولد؟ قال: «فأمسكها وأْمُرها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك ضربَك أَمتَك» (7)، فنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن ضربها رغم سوء معاملتها وخلقها.

وخشية من وقوع بعض الأزواج في الظلم والتعدي والتعسف في التأديب قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تضربوا إماء الله»، لكن بعض الزوجات أسأن إلى أزواجهن، إذ لا يصلح حالهن إلا التأديب، فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئِرنَ النساءُ على أزواجهن (أي نفرن واجترأن)، فرخص - صلى الله عليه وسلم - في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» (8).

وهكذا نرى وصاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لكل حر شريف أن يتقي الله تعالى في زوجه، وأن يعف لسانه ويكف يده بالأذى عنها، كما كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ما ضرب زوجًا ولا قبحها، وأما أولئك المسيئون الذين يضربون زوجاتهم فحسبهم حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم أنهم ليسوا من خيار المؤمنين، فخيرهم خيرهم لأهله، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرنا لأهله.

لقد أوجب القرآن العشرة بالمعروف حال الحب والكراهية {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: ١٩)، فإن وقع طلاق ثم انتهت عدتها؛ فإما أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: ٢٢٩).

وهذه العشرة بالمعروف للزوجة تصبح ميزانًا للخيرية عند الله يستبق فيه المسلمون إلى محبة الله ورضاه، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (9)، وفي رواية: «إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا وألطفُهم بأهله» (10)


الإشارات المرجعية:

  1. أخرجه الترمذي ح (٣٧٩٥).
  2. أخرجه مسلم ح (٢٣٢٨).
  3. أخرجه مسلم ح (١٢١٨).
  4. أخرجه أبو داود ح (٢٥٦٤).
  5. أخرجه أحمد ح (١٩٥٤١).
  6. أخرجه البخاري ح (٤٩٤٢)، ونحوه في مسلم ح (٢٨٥٥).
  7. أخرجه أبو داود ح (١٤٢)، وأحمد ح (١٥٩٤٩).
  8. أخرجه أبو داود ح (٢١٤٦)، وابن ماجه ح (١٩٨٥).
  9. أخرجه الترمذي ح (٣٧٩٥).
  10. أخرجه الترمذي ح (٢٦١٢)، وأحمد ح (٢٣٦٨٤).

المصدر:
د. منقذ بن محمود السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص270

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
ارتباط أعمال القلوب وأعمال الجوارح | مرابط
اقتباسات وقطوف

ارتباط أعمال القلوب وأعمال الجوارح


ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان فمركب الإيمان القلب ومركب الإسلام الجوارح فهذه كلمات مختصرة في...

بقلم: ابن القيم
762
صور من التهاون بالطلاق | مرابط
تفريغات

صور من التهاون بالطلاق


الحلف بالطلاق تهاون الناس به كثيرا حتى كان بعضهم يقول: إن لم أشرب فنجان الشاي فزوجتي طالق كيف هذا التلاعب على أدنى شيء يقول: إن لم أفعل كذا إن لم تفعلين كذا فأنت طالق مع أني أقول لكم: إن أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة على أن هذا الطلاق طلاق معلق بشرط متى وجد وقع الطلاق

بقلم: ابن عثيمين
422
الإيمان في القلب | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

الإيمان في القلب


نسمع كثيرا على ألسنة عامة الناس عبارة الإيمان في القلب والحقيقة قد يتخيل السامع أن المراد بها هو تعظيم الإيمان القلبي وتعظيم الاهتمام بباطن الإنسان وسريرته ولكن الحقيقة أن هناك سياقات أخرى تأتي فيها هذه العبارة ولا تكون إلا باطلا محضا وينتج عنها الكثير من المفاسد وهذا ما يوضحه لنا المقال

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2424
هل العمل عبادة؟ | مرابط
مقالات

هل العمل عبادة؟


والعمل ليس عبادة إلا إذا نوى الإنسان به نية حسنة ككف نفسه عن سؤال الناس والحاجة إليهم أو النفقة على أهله والتصدق على المحتاجين وصلة الرحم ونفع المسلمين بهذا العمل.. ونحو ذلك من النيات الصالحة التي يثاب عليها. ولا بد من استحضار النية.

بقلم: قاسم اكحيلات
583
رؤية السلف لصفات الله عز وجل | مرابط
اقتباسات وقطوف

رؤية السلف لصفات الله عز وجل


ومن أهم المعاني التي كان يستحضرها السلف عند تصور صفات الله استحضار التعظيم الإلهي بمعنى أنهم يتذكرون دائما وجوب تعظيم الله وإجلاله سبحانه وهذا المعنى أثر في طريقة بحثهم وفي طريقة تعبيرهم عن مقام الله وأسمائه وصفاته

بقلم: سلطان العميري
893
شخصية مريم المؤمنة | مرابط
تفريغات

شخصية مريم المؤمنة


مريم المسلمة المؤمنة العابدة القانتة الطائعة لربها التي جعلت لها محرابا تصلي فيه وتعبد ربها ومحراب المرأة أيتها النساء في قعر بيوتهن كلما كان أعمق في البيت كلما كان أفضل تصلي فيه الفرائض والنوافل.. تجلس لتقرأ القرآن وتحاول أن تقوم بهذه العبادات لله عز وجل كما أمرها الله سبحانه وتعالى

بقلم: محمد المنجد
383