لا يمكن لنا أن نتصور تاريخًا بلا ثقافة، فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما تاريخه. والثقافة -بما تتضمنه من فكرة دينية انتظمت الملحمة الإنسانية في جميع أدوارها من لدن آدم- لا يسوغ أن تعد علمًا يتعلمه الإنسان، بل هي محيط يحيط به وإطار يتحرك داخله، فهو يغذي جنين الحضارة في أحشائه، إنها الوسط الذي تتكون فيه جميع خصائص المجتمع المتحضر، وهي الوسط الذي تتشكل فيه جميع خصائص المجتمع المتحضر، وهي الوسط الذي تتشكل فيه كل جزئية من جزئياته تبعًا للغاية العليا التي رسمها المجتمع لنفسه، بمن في ذلك الحداد والفنان والراعي والعالم والإمام، وهكذا يتركب التاريخ. فالثقافة هي تلك الكتلة نفسها بما تتضمنه من عادات متجانسة، وعبقريات متقاربة وتقاليد متكاملة، وأذواق متناسبة وعواطف متشابهة، وبعبارة جامعة: هي كل ما يعطي الحضارة سمتها الخاصة ويحدد قطبيها: من عقلية ابن خلدون، وروحانية الغزالي، أو عقلية (ديكارت) وروحانية (جان دارك)، هذا هو معنى الثقافة في التاريخ
المصدر:
مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص 76