كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال، ولكل امرئ ما نوى، وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله، فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة، كما قال معاذ بن جبل في صفة العلم: إن طلبه لله عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، به يعرف الله ويعبد، ويمجد الله ويوحد. ولهذا تجد أهل الانتفاع به يزكون به نفوسهم، ويقصدون فيه اتباع الحق لا اتباع الهوى، ويسلكون فيه سبيل العدل والإنصاف، ويحبونه ويلتذون به، ويحبون كثرته وكثرة أهله، وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه ومقتضاه، بخلاف من لم يذق حلاوته، وليس مقصوده إلا مالًا أو رياسة، فإن ذلك لو حصل له بطريق آخر سلكه، وربما رجحه إذا كان أسهل عليه.
ومن عرف هذا تبين له أن المقاصد التي يحبها الله ويرضاها التي حصلت لأبي بكر، أكمل مما حصل لعمر، والتي حصلت لعمر أكمل مما حصل لعثمان، والتي حصلت لعثمان أكمل مما حصل لعليّ، وأن الصحابة كانوا أعلم الخلق بالحق، وأتبعهم له، وأحقهم بالعدل وإيتاء كل ذي حق حقّه، وأنه لم يقدح فيهم إلا مفرط في الجهل بالحقائق التي بها يستحق المدح والتفضيل، وبما آتاهم الله من الهدى إلى سواء السبيل.
المصدر:
ابن تيمية، منهاج السنة 8/ 209