(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)
كم سبب الخلل في فهم حقيقة الدنيا والآخرة، وعدم إدراك الفرق الهائل بينهما من شبهات وإشكالات، ووساوس وأمراض قلوب، ونكوص على الأعقاب، واعتراض ظاهر أو خفي على الرب وأقداره.
وقد شاء الله أن تكون الدنيا دار امتحان واختبار وبلاء، وليست دار جزاء، ولا حكم بين العباد، ولا فصل بينهم فيما هم فيه يختلفون، وأنواع الابتلاءات متعددة ومتنوعة، وليست قاصرة على الشر والمحن والمصائب فقط، كما أن الناس بعضهم لبعض فتنة، وموضع اختبار وامتحان (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)
واختيار طبيعة الابتلاء والاختبار ليست راجعة لأهواء العباد ولا لرغباتهم، بل هي من مقتضيات ربوبية الرب ومشيئته وحكمته،وهو سبحانه في ذلك كله (لا يسئل عما يفعل) وحكمه سبحانه لا معقب له (والله يحكم لا معقب لحكمه) وقضاؤه ماض لا يرد، وإن كان موصوفا بالعدل، ومحفوفا باللطف (ماض في حكمك عدل في قضاؤك)
وكثير من الناس يظنون أن الدنيا دار فصل وجزاء، وإثابة للطائعين، وانتقام من الظالمين، وتعجيل للقصاص والحكم بين العباد، وكل ذلك خطأ وخلل في الفهم، فيوم الحساب والجزاء هو يوم الدين، أي يوم القيامة، والله مالكه وحده والحكم فيه له وحده (مالك يوم الدين) وهو اليوم الذي يحكم الله فيه بين العباد فيما فيه يختلفون (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ويفصل الله فيه بين العباد فيما كانوا يعملون ويختلفون (إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وفي هذا اليوم " يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) ولا يظلم ربك أحدا.
وأخيرا فأنت في هذه الدنيا عبد لمولاك، وأنت في فترة اختبار وامتحان، وحكمه سبحانه ماض في العباد أجمعين (ماض في حكمك عدل في قضاؤك) وسوف يسألك ربك عما فعلت فيما كلفت به فحسب، وهل بذلت غاية الوسع ولم تقصر أم لا ؟ أما بلوغ النتائج، وتحقيق الآمال، فهو بيد الله، ولن يسألك عنه سبحانه.