وضوح عقيدة الإسلام في الخالق

وضوح عقيدة الإسلام في الخالق | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

1153 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

لا يوجد تراث لأمة من الأمم المتدينة فيه تعظيم للإله الخالق سبحانه وتنزيه له عن النقائص وعما لا ينبغي أن يكون عليه، كما يوجد في القرآن الكريم وفيما صح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الأحاديث.

ولذلك فإن الإسلام قد تميز على سائر الديانات بوضوح العقيدة في (الإله) من جهة الكمالات المتعلقة به، ولذا فإن العقل لا يجد تكلفا في قبول الاعتقاد الإسلامي في الله سبحانه، بخلاف الخرافات والأساطير الموجودة في تصورات كثير من البشر تجاه الإله، وهذه القضية من أظهر القضايا في دين الإسلام، والاستدلال عليها لا يحتاج إلى كبير عناء، فالقرآن من أوله إلى آخره تمجيد وتعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى، والسورة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم سورة في القرآن هي السورة التي تبدأ بحمد الله والاعتراف بأنه رب العالمين، وأنه مالك يوم الدين، وتبين العلاقة بين المخلوق وبين الخالق بالتعظيم الذي ينبغي للخالق، بأنه لا يعبد إلا هو، ولا يستعان إلا به، فهذه أعظم سورة.

وكذلك أعظم آية في القرآن، كلها متعلقة بالإله من أولها إلى آخرها، وهي آية الكرسي، ولا يوجد عند أمة من الأمم المتدينة تعظيم للإله بمثل ما في آية الكرسي.. ثم إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن في القرآن سورة

تعدل ثلث القرآن، وهي سورة الإخلاص، وإذا تأملت فيها وجدت أن جميع السورة إنما هي تعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى. بينما إذا نظرت فيما جاء عن الخالق في سائر الأديان فلن تحتاج إلى كبير جهد لتدرك الفارق بين الإسلام وبين غيره، بل إن المقارنة بين الإسلام وغيره في هذا الباب ظالمة.

فإذا كانت اليهودية والنصرانية –التي هي أحظى الديانات بتراث الأنبياء بعد الإسلام- قد وصفت الإله ونسبت إليه ما لا يليق به فالنقص في غيرها أولى وأحرى.

ففي تراث اليهود إخبار عن الله بندمه على بعض الأفعال، وبصراعه مع يعقوب عليه السلام –تعالى الله- وبعجزه عن معرفة مكان آدم عليه السلام بعد أن أكل من الشجرة ثم اختبأ.

وبالنسبة للنصارى فإن غموض فكرة الإله والتكلف الموجود فيها يحتاج إلى عناء شديد ليدرك ويتصور، فضلا عن تأليههم المسيح عليه السلام مع اعترافهم بأنه نشأ في رحم أمه عليها السلام وادعائهم أنه صلب، ومهما كانت المبررات؛ فكيف يليق بالإله العظيم أن يصلب على عمود ويستنجد بأصحابه كما يقولون!

وفي الديانات غير الإبراهيمية: إذا نظرت مثلا إلى البوذية والهندوسية والزرادشتية والكونفوشيوسية وغيرها من الديانات، ستجد البون الشاسع الهائل بين التصور الإسلامي النظيف المعظم للإله وبين تصورات الوثنية في تعدد الآلهة أو الغموض في فكرة الإله.
وكما قال محمد مزروعة: “إذا أردت أن تعرف صلاحية الدين عند قوم فانظر أولا إلى عقيدتهم في الله”(1).

ومن جمال وكمال وعظمة التصور الإسلامي عن الله سبحانه وتعالى أنه لا يقتصر على مجرد الوصف الكامل، بل هذا الوصف يقتضي التعبد والخضوع والذل لله سبحانه وتعالى. وفي ذلك يقول فريد الأنصاري رحمه الله: “فالربوبية إذن -لمن عرفها حقا وصدقا- جالبة للمحبة؛ لأنه إذا كانت الإلهية -وهي عقيدة المحبة وما تفرع عنها خوفا ورجاء كما أصلنا- مبنية على الربوبية فمعنى ذلك أن الربوبية ذات خواص تجلب إليها القلوب فتألهها!”(2).

إذن فهذا الاعتقاد الإسلامي العظيم في الله سبحانه وتعالى -على وضوحه وجلاله وجماله- فإنه يزداد جمالا على ذلك باقتضائه التعبد لهذا الإله سبحانه وتعالى.
ومن المعلوم عند علماء الاعتقاد الإسلامي أن من أهم الأدلة القرآنية في الرد على المشركين الاستدلال بتوحيد الربوبية وبصفات الله سبحانه وتعالى وكماله على توحيد الإلهية واستحقاق الله له.

ونتيجة لما سبق من جمال هذه العقيدة الإسلامية فإن هذا الأمر ولد عند المسلمين ارتياحا كبيرا في تصورهم عن الله سبحانه وتعالى، فهم لا يواجهون التحديات في أصل اعتقادهم، ولذلك أيضا نجد أن مثيري الشبهات والإشكالات في الغالب يوجهون سهامهم إلى أحكام عملية فرعية في الشريعة الإسلامية، ولا يتوجهون إلى أصل تصور المسلمين واعتقادهم في الله تعالى؛ لأنه تصور لا مدخل للطعن ولا للتشكيك فيه، وهو تصور موافق للعقل ولمقتضيات الفطرة والنفس الإنسانية، وإذا اتضحت العقيدة في الله سبحانه وتعالى فإن ما وراء ذلك من أمور الاعتقاد سهل واضح بين يسير، بخلاف ما لو كان الأصل غير واضح، فإن تفاصيل الاعتقاد الأخرى سيكون فيها إشكال.

فمثلا الإيمان بالمعجزات هو فرع عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى القدير العليم الحكيم مسبب الأسباب وخالق الكون وقوانين الكون، وكذلك الإيمان بأصل النبوة هو فرع عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى الكامل العظيم العليم الحكيم.

 فالإيمان بالله أصل الأصول، وهو على عظمته وخطورته ومركزيته فإن بيانه في الإسلام واضح قريب سهل جميل، والحمد لله الذي هدانا لهذا.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. الدين وحاجة الإنسان إليه ، محمد مزروعة (345).
  2. جمالية الدين، معارج القلب إلى حياة الروح، لفريد الأنصاري (45).

 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص31

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
دعوني أصلي.. | مرابط
مقالات

دعوني أصلي..


في كل موقف جلل ستجد صلاة وليس الأمر بمستغرب إذا فهمت حقيقتها حقيقة الصلة تلك التي تثبت أصحابها عند المصائب وتهبهم قرار النفوس واتزانها عند تقلبات الدنيا وتغيرها وتهديهم راحة يسكنون إلى ظلالها كلما مستهم مصاعب الحياة ومتغيراتها وتعطيهم القدرة على التحكم في ضبط الانفعالات والمشاعر لأجل كل ذلك كان الاستثناء من الهلع والجزع إلا المصلين

بقلم: د. محمد علي يوسف
237
الاستحداث.. بين العلوم المدنية والشرعية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاستحداث.. بين العلوم المدنية والشرعية


وهاهنا الفارق الجوهري الذي غاب في زحمة الفكر العربي المعاصر ذلك أن الاستحداث في العلوم المدنية: مؤشر إبداع مطلوب والاستحداث في العلوم الشرعية: مؤشر تراجع وانحطاط لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم بكل وضوح يؤكد للصحابة هذين المنهجين المتعاكسين: ففي العلوم المدنية يقول لهم: أنتم أعلم بأمر دنياكم وفي العلوم الشرعية يقول لهم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

بقلم: إبراهيم السكران
398
أخطاء شائعة في تعدي حروف الجر | مرابط
لسانيات

أخطاء شائعة في تعدي حروف الجر


بين يديكم مجموعة من الأخطاء الإملائية الشائعة في حروف الجر مقتبس من كتاب التدقيق اللغوي للكاتبة أسماء رزق توضح لنا الخطأ الشائع وما هو الصواب استنادا إلى قواعد اللغة العربية وتقسم الكلمات إلى عمودين الصواب والخطأ

بقلم: د أسماء رزق
402
حول حديث: كمل من الرجال كثير.. | مرابط
المرأة

حول حديث: كمل من الرجال كثير..


حديث: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. هل هذا يعني أن من أتى بعدهم لا يمكن أن يكون كاملا كمالا بشريا سواء الرجال أو النساء واقتصر الكمال على السابقين؟ إليكم الجواب.

بقلم: قاسم اكحيلات
309
سد الذرائع في باب الاختلاط | مرابط
مقالات

سد الذرائع في باب الاختلاط


وقد كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه التمييز بين الرجال والنساء والمتأهلين والعزاب فكان المندوب في الصلاة أن يكون الرجال في مقدم المسجد والنساء في مؤخره وقال النبي صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها.

بقلم: ابن تيمية
337
قانون السببية وإيقاظ العقيدة الإلهية في النفس | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

قانون السببية وإيقاظ العقيدة الإلهية في النفس


يقرر قانون السببية أن شيئا من الممكنات لا يحدث بنفسه من غير شيء لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده ولا يستقل بإحداث شيء لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئا لا يملكه هو كما أن الصفر لا يمكن أن يتولد عنه عدد إيجابي فلا بد له في وجوده وفي تأثيره من سبب خارجي وهذا السبب الخارجي إن لم يكن موجودا بنفسه احتاج إلى غيره فلا مفر من الانتهاء إلى سبب ضروري الوجود يكون هو سبب الأسباب

بقلم: د محمد عبد الله دراز
2068