يا حبذا نوم الأكياس

يا حبذا نوم الأكياس | مرابط

الكاتب: ابن القيم

434 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فصل قال أبو الدرداء رضي الله عنه يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين.. وهذا من جواهر الكلام وأدله على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم في كل خير رضي الله عنهم

 

فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته ولا ببدنه والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح قال تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {وقال} لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال النبي التقوى ههنا وأشار إلى صدره؛ فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق؛ فإن العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل فإن ساواه في همته تقدم عليه بعمله وهذا موضع يحتاج إلى تفصيل يوافق فيه الإسلام والإحسان

 

فأكمل الهدي هدي رسول الله وكان موفيا كل واحد منهما حقه فكان مع كماله وإرادته وأحواله مع الله يقوم حتى ترم قدماه ويصوم حتى يقال لا يفطر ويجاهد في سبيل الله ويخالط أصحاب ولا يحتجب عنهم ولا يترك شيئا من النوافل والأوراد لتلك الواردات التي تعجز عن حملها قوى البشر والله تعالى أمر عباده أن يقوموا بشرائع الإسلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على بواطنهم ولا يقبل واحدا منهما إلا بصاحبه وقرينه وفي المسند مرفوعا الإسلام علانية والإيمان في القلب فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه ذلك من النار كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان لم ينجه من النار

 

وإذا عرف هذا فالصادقون السائرون إلى الله والدار الآخرة قسمان قسم صرفوا ما فضل من أوقاتهم بعد الفرائض إلى النوافل البدنية وجعلوها دأبهم من غير حرص منهم على تحقيق أعمال القلوب ومنازلها وأحكامها وإن لم يكونوا خالين من أصلها ولكن هممهم مصروفة إلى الاستكثار من الأعمال وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن إلى الاهتمام بصلاح قلوبهم وعكوفها على الله وحده والجمعية عليه وحفظ الخواطر والإرادات معه وجعلوه قوة تعبده بأعمال القلوب من تصحيح المحبة والخوف والخوف والرجاء والتوكل والإنابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات التي ترد على قلوبهم من الله أحب إليهم من كثير من التطوعات البدنية..

 

فإذا حصل لأحدهم جمعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل لم يستبدل به شيئا سواه البتة إلا أن يجيء الأمر فيبادر إليه بذلك الوارد إن أمكنه وإلا بادر إلى الأمر ولو ذهب الوارد فإذا جاءت النوافل فههنا معترك التردد فإن أمكن القيام إليها به فذاك فذلك به وإلا نظر في الأرجح والأحب إلى الله هل هو القيام إلى تلك النافلة ولو ذهب وارده كإغاثة الملهوف وإرشاد ضال وجبر مكسور واستفادة إيمان ونحو ذلك فههنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة ومتى قدمهما لله رغبة فيه وتقربا إليه فإنه يرد عليه ما فات من وارده أقوى مما كان في وقت آخر وإن كان الوارد أرجح من النافلة فالحزم له الاستمرار في وارده حتى يتوارى عنه فإنه يفوت والنافلة لا تفوت وهذا موضع يحتاج إلى فضل فقه في الطريق ومراتب الأعمال وتقديم الأهم منها فالأهم والله الموفق لذلك لا إله غيره ولا رب سواه

 


 

المصدر:

ابن القيم، الفوائد، ص141

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التقوى
اقرأ أيضا
موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج2 | مرابط
فكر مقالات

موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج2


في هذا المقال تأصيل هام لموقف الصحابة رضوان الله عليهم من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نظرا لكثرة الشبهات والأباطيل التي أثيرت حول هذا الموضوع وكثرة الأخبار الباطلة والمزعومة التي يوردها البعض عن الصحابة وأهل العلم ولا تخلو من لبس وإشكال ولذلك يقف بنا الكاتب الدكتور سلطان العميري على حقيقة الأمر

بقلم: د سلطان العميري
3669
لماذا خلقني كأنثى؟ | مرابط
فكر المرأة

لماذا خلقني كأنثى؟


هذا جزء من رسالة أرسلت لي من فتاة عبر تويتر تقول فيها: لماذا خلق الله النساء؟ إذا الله كتب على نفسه الرحمة لماذا خلقني كأنثى؟ لماذا جعل الرجل الذي يرى امرأة يريد أن يصل إليها؟ لماذا جعل قوة الرجل أكبر وجعل النساء فرائس سهلة القتل وهتك الأعراض واللمس؟ هل الله رحيم مع النساء؟ أين هو عدل الله مع النساء؟ هل خلقنا ذوات مشاعر وعواطف لتعذيبنا؟ أم ماذا؟

بقلم: محمد بن رمضان
865
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج4 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج4


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
711
أثر الإيمان في بناء الأمم ج1 | مرابط
تفريغات

أثر الإيمان في بناء الأمم ج1


محاضرة هامة عن عن أثر الإيمان في بناء الأمم والأفراد -والكلام القادم- سيكون عن أسباب انهيار الأمم ولماذا تنهار أمم وشعوب ولماذا تبقى غيرها فالأمر يحتاج إلى وقت طويل ولكن خطورة الأمر وأهميته هي التي تجعلنا نتحدث عنه بما يفتح الله تبارك وتعالى به علينا

بقلم: د سفر الحوالي
460
الرد على المفوضة الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الرد على المفوضة الجزء الأول


وردت الكثير من الشبه حول مسألة التفويض في آيات الصفات ونسبتها إلى أهل السنة وعقيدة السلف في هذه ذلك هو الإيمان بالمعنى وتفويض الكيف أما المعطلة فيظهر فساد مذهبهم في ذلك وتأثرهم بعلم المنطق وبين يديكم تفريغ لمحاضرة للشيخ الألباني يرد فيه على المفوضة وعلى من نسب عقيدتهم إلى السلف

بقلم: الشيخ الألباني
775
مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى


ومن أعظم صور المكابرة للفطرة وللعقل في الفكر الليبرالي: هي مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى وبهذا يهونون من الغايات كفاحشة الزنى لو وقعت وأن الغايات لا تستحق لأجلها وضع كل هذه الوسائل التي يسمونها عراقيل وعقبات فهم ينظرون لزنى الجنسين كمصافحة الكفين لبعضهما بل من المسلمين من يعظم أمر مصافحة الجنسين الأجنبيين بعضهما البعض أعظم من تعظيم زناهما في الفكر الليبرالي انتكست الفطرة وزالت الغايات وزالت الوسائل معها

بقلم: عبد العزيز الطريفي
955