يا حبذا نوم الأكياس

يا حبذا نوم الأكياس | مرابط

الكاتب: ابن القيم

539 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فصل قال أبو الدرداء رضي الله عنه يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين.. وهذا من جواهر الكلام وأدله على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم في كل خير رضي الله عنهم

 

فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته ولا ببدنه والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح قال تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {وقال} لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال النبي التقوى ههنا وأشار إلى صدره؛ فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق؛ فإن العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل فإن ساواه في همته تقدم عليه بعمله وهذا موضع يحتاج إلى تفصيل يوافق فيه الإسلام والإحسان

 

فأكمل الهدي هدي رسول الله وكان موفيا كل واحد منهما حقه فكان مع كماله وإرادته وأحواله مع الله يقوم حتى ترم قدماه ويصوم حتى يقال لا يفطر ويجاهد في سبيل الله ويخالط أصحاب ولا يحتجب عنهم ولا يترك شيئا من النوافل والأوراد لتلك الواردات التي تعجز عن حملها قوى البشر والله تعالى أمر عباده أن يقوموا بشرائع الإسلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على بواطنهم ولا يقبل واحدا منهما إلا بصاحبه وقرينه وفي المسند مرفوعا الإسلام علانية والإيمان في القلب فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه ذلك من النار كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان لم ينجه من النار

 

وإذا عرف هذا فالصادقون السائرون إلى الله والدار الآخرة قسمان قسم صرفوا ما فضل من أوقاتهم بعد الفرائض إلى النوافل البدنية وجعلوها دأبهم من غير حرص منهم على تحقيق أعمال القلوب ومنازلها وأحكامها وإن لم يكونوا خالين من أصلها ولكن هممهم مصروفة إلى الاستكثار من الأعمال وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن إلى الاهتمام بصلاح قلوبهم وعكوفها على الله وحده والجمعية عليه وحفظ الخواطر والإرادات معه وجعلوه قوة تعبده بأعمال القلوب من تصحيح المحبة والخوف والخوف والرجاء والتوكل والإنابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات التي ترد على قلوبهم من الله أحب إليهم من كثير من التطوعات البدنية..

 

فإذا حصل لأحدهم جمعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل لم يستبدل به شيئا سواه البتة إلا أن يجيء الأمر فيبادر إليه بذلك الوارد إن أمكنه وإلا بادر إلى الأمر ولو ذهب الوارد فإذا جاءت النوافل فههنا معترك التردد فإن أمكن القيام إليها به فذاك فذلك به وإلا نظر في الأرجح والأحب إلى الله هل هو القيام إلى تلك النافلة ولو ذهب وارده كإغاثة الملهوف وإرشاد ضال وجبر مكسور واستفادة إيمان ونحو ذلك فههنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة ومتى قدمهما لله رغبة فيه وتقربا إليه فإنه يرد عليه ما فات من وارده أقوى مما كان في وقت آخر وإن كان الوارد أرجح من النافلة فالحزم له الاستمرار في وارده حتى يتوارى عنه فإنه يفوت والنافلة لا تفوت وهذا موضع يحتاج إلى فضل فقه في الطريق ومراتب الأعمال وتقديم الأهم منها فالأهم والله الموفق لذلك لا إله غيره ولا رب سواه

 


 

المصدر:

ابن القيم، الفوائد، ص141

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التقوى
اقرأ أيضا
هل هناك فلسفة إسلامية أم لا؟ | مرابط
فكر مقالات مناقشات

هل هناك فلسفة إسلامية أم لا؟


اختلفت مواقف الباحثين كثيرا في إثبات وجود فلسفة إسلامية فمنهم من تبنى القول بأنه ليس هناك فلسفة إسلامية وأن غاية ما وجد في المجال الإسلامي إنما هو نقل وترجمة حرفية عن الفلسفة اليونانية وغيرها ومنهم من ذهب إلى إثبات وجود خاص للفلسفة الإسلامية وإثبات أنها فلسفة نمت وترعرعت في أحضان الثقافة الإسلامية

بقلم: سلطان العميري
637
من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2


مقال تأصيلي محكم حول مسألة القبور والأضرحة وما وقع فيه عوام المسلمين من المفاسد العظيمة في تعظيم هذه القبور والتمسح بها والدعاء عندها والصلاة إليها بل وحتى الحج إليها واعتقاد أن أصحابها يملكون نفعا وضرا وسعادة وشقاء وعزة وذلا وغير ذلك من الأمور التي لا يملكها إلا الله وحده.. وهذا التأصيل مقتطف من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم وفيه رد على كل الشبهات المحيطة بهذا الموضوع وتبيين للعقيدة الصحيحة في هذا الباب.

بقلم: ابن القيم
516
في وصف شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه | مرابط
اقتباسات وقطوف

في وصف شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه


واجتمعت بطائفة بدمشق من الله بهم علي فوجدتهم عارفين بأيام النبوة والسير الصحابية ومعاني التنزيل وأصول العقائد المستخرجة من الكتاب والسنة.عارفين بأذواق السالكين وبداياتهم وتفاصيل أحوالهم يرونها من كمال الدين لا يتم الدين إلا بها ولا تشبه أنفاسهم أنفاس أهل العصر من فقهائهم وصوفيتهم.

بقلم: عماد الدين الواسطي
484
لماذا نصوم الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

لماذا نصوم الجزء الرابع


أما التائهون يسهرون إلى نصف الليل على الباطل ثم يتسحرون وينامون فلا يستيقظون لصلاة الصبح أبدا فتفوتهم صلاة الصبح لكن أمثالكم ينامون بعد صلاة التراويح أربع ساعات أو خمس ساعات ثم يقومون فيتسحرون فإذا أذن الصبح توضئوا وصلوا

بقلم: أبو بكر الجزائري
817
العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر | مرابط
تفريغات

العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر


من هاب الخلق ولم يحترم خلوته بالحق فإنه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب يفوح منه ريح الكراهة فتمقته القلوب فإن قل مقدار ما جنى قل ذكر الألسن له بالخير وبقي مجرد تعظيمه وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه

بقلم: إبراهيم الدويش
517
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الأول


تأملوا تكريم الشريعة للطفل الذي يولد جاءت بأشياء تدل على أنه قد حدث أمر مهم وليس مجرد أرحام تدفع ولا مجرد ولد خرج وإنما يحتفى به غاية الاحتفاء ويكرم غاية التكريم الشريعة تكرم الطفل من مبدأ أمره فيحنك بأن تلين التمرة حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ويفتح فم المولود وتوضع فيه ويدعى له بالبركة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

بقلم: محمد المنجد
695