الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام وعلى خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد:
فإذا تأمل السني كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ لوجد فيهما الرد على جميع شبه أهل الباطل فسبحان من قال ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾
ومن ذلك آية في كتاب الله تنسف مسلكي الأشعرية في الصفات؛ فمن المعلوم أن الأشاعرة في الصفات على مسلكين:
قال ابن حجر في فتحه عند شرح قول النبي ﷺ: "أعوذ بوجهك":
"وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد أو الوجه الذي لا كالوجوه لاستحالة حمله على العضو المعروف فتعين التأويل أو التفويض" [13/389]
وقال النووي في شرحه لأحد الأحاديث: "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان:
أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء،وتنزيهه عن سمات المخلوقات
والثاني: تأويله بما يليق" [5/24]
قال اللقاني في جوهرة الشرك المسماة زورا وبهتانا بجوهرة التوحيد وهي منظومة في عقيدة الأشعرية المتأخرين:
وكل نص أوهم التشبيها ** أوله أو فوض ورم تنزيها
فهذه طريقة الأشعرية في كل ما تظنه عقولهم الخربة أنه يوهم التشبيه ! إما تأويل وهو في الحقيقة تحريف وتلاعب أو تفويض وهو في حقيقته تجهيل للأنبياء والصحابة بحيث لم يكونوا يعلموا معاني هذه الألفاظ، ويزعمون أن التفويض طريقة السلف ! وكذبوا في هذا..
قال الإمام الترمذي: " وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا. قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ويؤمن بها، ولا يتوهم، ولا يقال كيف؟ هكذا روي عن مالك بن أنس, وسفيان بن عيينة, وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة"[حديث رقم662].
بل السلف على إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه أو وصفه رسوله ﷺ أو وصفه به الصحابة ومن تبعهم بإحسان.. والآيات التي تنسف طريقة الأشعرية كثيرة ومنها قوله تعالى في سورة ص: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾
فهذه الآية العظيمة تنسف مسلكي الأشاعرة من أساسها:
فأما التفويض:
فإن المفوضة يزعمون أن قوله"بيدي" لا معنى لها معلوم، وأن معناها لا يعلمه أحدٌ غير الله سبحانه وتعالى؛قال ابن تيمية في بيان طريقة المفوضة:
"يَقُولُونَ: إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْرِفْ مَعَانِيَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَلَا جِبْرِيلُ يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْآيَاتِ وَلَا السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ عَرَفُوا ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ: إنَّ مَعْنَاهَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ" [مجموع الفتاوى5/34]
فإن كان الصواب في هذه الآية طريقة أهل التفويض وأن قوله "بيدي" لا يعلم معناها إلا الله، فإن لإبليس الحجة على الله لأن الله قد خاطبه بميزة لآدم لا يعلم معناها ولا يعرفها.
وأما التأويل:
فأهل التأويل يقولون عن هذه الآية"بيدي" أي بنعمتي أو بقدرتيّ ؛ قال ابن تيمية رحمه الله: "إن معنى اليد لو كان النعمة والقوة لوجد إبليس متعلقًا من هذه الجهة لما امتنع من السجود لآدم عليه السلام فيقول وما في خلقك إياه بنعمتيك أو قوتيك مما يوجب علي أن أسجد له لقد خلقتني بنعمتيك وقوتيك وأنا مساوٍ له في خلقك إيانا جميعًا بيديك اللتين هما النعمة والقوة لأنه لا يخفى على أحد من ذوي العقول أن الله سبحانه خلق الأشياء بقوته وقدرته" [بيان تلبيس الجهمية6/ 232]
وبذا يتم المراد
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾