موقف شحرور من وجود الله

موقف شحرور من وجود الله | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

2511 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

"الإيمان بالله لا يمكن البرهنة عليه علميًّا"

يقول شحرور: الإيمان بالله عندي تسليم، وأنا مسلّم بوجود الله واليوم الآخر، وهذه مسلّمة، والمسلّمة هي أمر لا يمكن البرهان عليه علميًّا، كما لا يمكن دحضه علميًّا، ولهذا لا يجوز للملحد المنكر لوجود الله أن يقول: أنا ملحد لأن الإلحاد موقف علمي، ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي، وعندي أن الإلحاد أو الإيمان خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه. (1)

فيُقال: إن عنى بالبرهنة علميًّا بالتجربة المباشرة فهذا ما تفتقده كُتبه، فعليه يكون قد أقر على نفسه بأنها غير علمية، وأنه لا يملك دليلا ولا برهانا في سطر مما سطره في كتبه، وهذه معضلة الفكر الوضعي بشكل عام أن يرفض ما لا يقبل التجربة، ثم يكون نفس ضابطه فلسفيًا لا علميًا، فيعود على أصله بالإبطال.

وإن عنى بقوله "علميًا" ما هو أوسع من هذا بما يشمل حجج العقول فهذا الموقف الذي يقوله شحرور مجرد متابعة منه لإيمانويل كانط، إذ إن "كانط لما كان يرفع البحث في الله فوق القدرة العقلية ليسلم له اللاهوت من أي نقد سدّ على نفسه باب الاستدلال العقلي عليه من جهة أخرى، فالتزم كلامه إلى آخر نتائجه، وسلم بأن إثبات الله عن طريق العقل المحض مستحيل، فكانت طريقته له وعليه، فمن جهة قام بتقزيم دور العقل حتى لا يطال الإله بالنقد لكونه لا يمكن أن يقع عليه الحس، ومن جهة أخرى، فقد منع عن العقل المحض الاستدلال على إثبات الله"(2)

حجج المؤمن والملحد تتكافأ

ومعنى هذا أن حجج المؤمن والملحد تتكافأ، ولا يمكن معرفة الصحيح منها من الباطل، وبالتالي يضحي الموقف متساويا من حيث العلمية، سواء كان إيمانا أو إلحادًا. وما قاله كانط غير صحيح، فللعقل قدرة على معرفة الحق من الباطل، والأصل الذي انطلق منه كانط غير مسلّم، إذ إنه انطلق من أن الإله موضوع غير قابل للحس بتاتا، وليس هذا محل بيان زيف هذا الكلام، إلا أنه ورث هذا من اللاهوت الكنسي، وأقام فلسفته لينقذ اللاهوت من النقد، فامتنع عليه الاستدلال عليه، إلا أن هذا يُظهر أن شحرورًا يسلّم بالإيمان عاريًا عن أدلة، في موقف يقابل الإلحاد، فيتساويان وفي هذا، وانظر إلى قوله "ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي" (3)

فهل هذا يعني أن شحرورا يتحدث في موضوع غير علمي؟ يقول عما يكتبه في الدين "المنهج الذي اعتمدناه يُبنى على أسس علمية" (4) فمنهجه علمي ولكن إثبات وجود الله غير علمي، مع أن شحرورًا يتكلم في القرآن الذي هو فرع على إثبات وجود الله، فهل هذا الرجل يعني ما يخطّه؟

ويمتد الأمر معه ليقول "ويجب على المسلم أن يكون عنده ذرة شك في وجود الله، والملحد عنده ذرة شك في الإلحاد"(5)

الشك في ميزان الإسلام

فإن كان وجود الله عنده حقيقة، وأن له وجودًا موضوعيا خارج الذهن، وأنّ من نفاه كابر الحق فلم إذن يقول لمن اعتقد بهذه الحقيقة عليك الشك بها، وعلى من أنكرها وكابر أن يشك أيضًا؟ فهل يطالب معتقد الحقيقة بالشك فيها حتى يطالب منكرها بالشك بإنكاره؟ أم إن شحرورًا لا يعتقد أصلا أن وجود الله حقيقة، وأنه قد قامت عليها دلائل العقل، واستقرت في فطر الناس، ولذا يطالبهم بالشك في هذا؟ أليس من شروط الإيمان "اليقين المنافي للشك"(6)؟ فأين هو من قوله تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا"

فإن قيل: إن الشك خطوة في البحث عن الحقيقة، فيل له: فإن كنت تسلّم بأن وجود الله حقيقة فمن اعتقد بوجوده فقد وصل إلى المطلوب، فمتى كان الشك وسيلة إلى هذه الغاية، فهو قد وصل إلى الغاية فلم يهدم الغاية ليحقق الوسيلة، وهي ليست مطلوبة لذاتها؟

فإن "الشك والحيرة ليس محمودًا في نفسه باتفاق المسلمين، وغاية ما في الباب أن من لم يكن عنده علم بالنفي ولا الإثبات يسكت، فأما من علم الحق بدليله الموافق لبيان رسوله فليس للواقف الشاك الحائر أن ينكر على هذا العالم الجازم المستبصر المتبع للرسول العالم بالمنقول والمعقول" (7) فكيف يقال: على الإثنين أن يشكا؟

"الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي"

ويبرز هنا سؤال: إيمان شحرور دون دليل بالله كيف يجعله يتصور وجود الله؟ وهو القائل "الله في ذاته كينونة فقط، أي أنه وجود قائم بذاته" (8)

يوضح شحرور نظرته إلى الوجود الإلهي بشكل صريح، فيقول "الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي" (9)

فالوجود الموضوعي خارج الذهن هو الوجود الإلهي عنده، وهذا يعني أن كل الوجود خارج الذهن هو الله! فالله ليس موجودًا وجودًا موضوعيًا خارج الذهن، بل ما هو موجود خارج الذهن عنده هو الوجود الإلهي!

وعلى هذا، فالقاذورات والنجاسات والشياطين والكفار وكل ما في الوجود حقه وباطله، هو الوجود الإلهي عند شحرور، وهذا يفوق كلام النصارى، بل إنهم ينكرون على قائله، فيسألون إنكارًا: هل يُحصى الصانع مع مصنوعاته؟ وكيف يبدو وكأنه أحد المصنوعات التي صنعها هو نفسه؟ (10)

وهذا ليس إلزاما له حتى يقول: لا ألتزمه ولازم المذهب ليس بمذهب، بل يوضحه موقفه من كلام الله.


الإشارات المرجعية:

  1. الإسلام الأصل والصورة، محمد شحرور، طوى للنشر والثقافة والإعلام، ص5
  2. موقف ابن تيمية من المعرفة القبلية وشيء من آثاره الفلسفية، يوسف سمرين، ص18
  3. الإسلام الأصل والصورة، ص5
  4. الإسلام والإنسان من نتائج القراءة المعاصرة، محمد شحرور، ص205
  5. دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، ص60
  6. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، ص91
  7. القاعدة المراكشية، ابن تيمية، تحقيق ناصر بن سعد الرشيد-رضا بن نعسان معطي، ص55
  8. نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص37
  9. الكتاب والقرآن، ص72
  10. شرح الإيمان المسيحي، 31/1

المصدر:
يوسف سمرين، بؤس التلفيق: نقد الأسس التي قام عليها طرح محمد شحرور، ص41

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-شحرور #وجود-الله
اقرأ أيضا
الاستبداد يشل القوى | مرابط
فكر مقالات

الاستبداد يشل القوى


فحيث تسود الطمأنينة ويختفي الرعب ينصرف العامة إلى تثمير أموالهم وتكثير ثرواتهم لأنهم واثقون أن حصاد ما يغرسون لهم ولذراريهم فهم غير مدخرين وسعا في العمل والإنتاج إلا أن هذه البيئة الوادعة الآمنة المشجعة على الكدح والكسب تقلصت رقعتها في الأمة الإسلامية خلال القرون الأخيرة ووقع الفلاحون والصناع وأهل الحرف المختلفة في براثن أمراء يحكمون بأمرهم لا بأمر الله فكانت عقبى الترويع المتجدد النازل على رؤوسهم أن أقفرت البلاد وصوح نبتها وعم الخراب أرجاءها

بقلم: محمد الغزالي
640
السفر للخارج للتعليم | مرابط
مقالات

السفر للخارج للتعليم


في الحقيقة لا يوجد مانع بين التعليم وبين الآخرة ولكن إذا كان هناك تعارض بين التعليم الدنيوي والصلاح والاستقامة فطبيعي سنقدم الاستقامة والصلاح. وإذا كان ظني بأولادي حسن وهم على دين وخلق فالعاقل لا يرمي بهم في موطن يبيح الزنا والخمر والربا ولحم الخنزير واللواط وغيره ثم أقول بفضل الله أولادي متربيين تربية كويسة!!

بقلم: محمد سعد الأزهري
350
مختصر قصة التتار الجزء الرابع | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الرابع


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1328
الارتباط بالله | مرابط
فكر مقالات اقتباسات وقطوف

الارتباط بالله


قد تظل الأمة سليمة من الظاهر- جيلا أو جيلين أو ثلاثة بينما التحلل الخلقي يسري في كيانها خفيا كالسوس فيتعذر على الشخص العادي أو الشخص المنجرف بطبعه وراء اللذات أن يصدق أن تحلله هو وهو فرد واحد- أو أن الجريمة العابرة التي يرتكبها خلسة في الظلام يمكن أن تؤثر في خط سير المجتمع وتؤدي إلى انهياره

بقلم: محمد قطب
2660
ما هو البديل ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ما هو البديل ج2


سؤال ما هو البديل هو أحد أشهر الأسئلة التي ترد عند الاحتساب على منكر معين فيأتي حينها المطالبة بإيجاد بديل مناسب يحل محل المنكر الذي ينهى عنه وهو سؤال مشروع وإيجابي في الجملة ولكن في أغلب الأحيان ينطوي على إشكاليات كثيرة وأباطيل لا بد من الوقوف عليها وهذا ما يقدمه المقال الذي بين يديكم

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله بن صالح العجيري
986
الحضارة المتبرجة | مرابط
فكر مقالات

الحضارة المتبرجة


ولولا هذا التبرج الفاجر في هذه المدنية ولولا هذه الشهوات التي انطلقت تشرف من مسكرات الفن المتبرج ولولا هذه الغرائز الجامحة في طلب السيطرة لإدراك غاية اللذة لما كان النظام الاقتصادي الحاضر في هذه المدنية هكذا مهدما مستعبدا مستأثرا باغيا ولما تعاندت القوة الدولية هذا التعاند الذي أفضى بالعالم إلى الحرب الماضية ثم إلى هذه الحرب المتلهبة من حولنا اليوم وذلك في مدى خمسة وعشرين عاما لم يستجمع العالم خلالها قوته ولم يتألف ما تفرق إلا ليضيع قوته مرة أخرى ويتفرق

بقلم: محمود شاكر
1973