موقف شحرور من وجود الله

موقف شحرور من وجود الله | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

2707 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

"الإيمان بالله لا يمكن البرهنة عليه علميًّا"

يقول شحرور: الإيمان بالله عندي تسليم، وأنا مسلّم بوجود الله واليوم الآخر، وهذه مسلّمة، والمسلّمة هي أمر لا يمكن البرهان عليه علميًّا، كما لا يمكن دحضه علميًّا، ولهذا لا يجوز للملحد المنكر لوجود الله أن يقول: أنا ملحد لأن الإلحاد موقف علمي، ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي، وعندي أن الإلحاد أو الإيمان خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه. (1)

فيُقال: إن عنى بالبرهنة علميًّا بالتجربة المباشرة فهذا ما تفتقده كُتبه، فعليه يكون قد أقر على نفسه بأنها غير علمية، وأنه لا يملك دليلا ولا برهانا في سطر مما سطره في كتبه، وهذه معضلة الفكر الوضعي بشكل عام أن يرفض ما لا يقبل التجربة، ثم يكون نفس ضابطه فلسفيًا لا علميًا، فيعود على أصله بالإبطال.

وإن عنى بقوله "علميًا" ما هو أوسع من هذا بما يشمل حجج العقول فهذا الموقف الذي يقوله شحرور مجرد متابعة منه لإيمانويل كانط، إذ إن "كانط لما كان يرفع البحث في الله فوق القدرة العقلية ليسلم له اللاهوت من أي نقد سدّ على نفسه باب الاستدلال العقلي عليه من جهة أخرى، فالتزم كلامه إلى آخر نتائجه، وسلم بأن إثبات الله عن طريق العقل المحض مستحيل، فكانت طريقته له وعليه، فمن جهة قام بتقزيم دور العقل حتى لا يطال الإله بالنقد لكونه لا يمكن أن يقع عليه الحس، ومن جهة أخرى، فقد منع عن العقل المحض الاستدلال على إثبات الله"(2)

حجج المؤمن والملحد تتكافأ

ومعنى هذا أن حجج المؤمن والملحد تتكافأ، ولا يمكن معرفة الصحيح منها من الباطل، وبالتالي يضحي الموقف متساويا من حيث العلمية، سواء كان إيمانا أو إلحادًا. وما قاله كانط غير صحيح، فللعقل قدرة على معرفة الحق من الباطل، والأصل الذي انطلق منه كانط غير مسلّم، إذ إنه انطلق من أن الإله موضوع غير قابل للحس بتاتا، وليس هذا محل بيان زيف هذا الكلام، إلا أنه ورث هذا من اللاهوت الكنسي، وأقام فلسفته لينقذ اللاهوت من النقد، فامتنع عليه الاستدلال عليه، إلا أن هذا يُظهر أن شحرورًا يسلّم بالإيمان عاريًا عن أدلة، في موقف يقابل الإلحاد، فيتساويان وفي هذا، وانظر إلى قوله "ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي" (3)

فهل هذا يعني أن شحرورا يتحدث في موضوع غير علمي؟ يقول عما يكتبه في الدين "المنهج الذي اعتمدناه يُبنى على أسس علمية" (4) فمنهجه علمي ولكن إثبات وجود الله غير علمي، مع أن شحرورًا يتكلم في القرآن الذي هو فرع على إثبات وجود الله، فهل هذا الرجل يعني ما يخطّه؟

ويمتد الأمر معه ليقول "ويجب على المسلم أن يكون عنده ذرة شك في وجود الله، والملحد عنده ذرة شك في الإلحاد"(5)

الشك في ميزان الإسلام

فإن كان وجود الله عنده حقيقة، وأن له وجودًا موضوعيا خارج الذهن، وأنّ من نفاه كابر الحق فلم إذن يقول لمن اعتقد بهذه الحقيقة عليك الشك بها، وعلى من أنكرها وكابر أن يشك أيضًا؟ فهل يطالب معتقد الحقيقة بالشك فيها حتى يطالب منكرها بالشك بإنكاره؟ أم إن شحرورًا لا يعتقد أصلا أن وجود الله حقيقة، وأنه قد قامت عليها دلائل العقل، واستقرت في فطر الناس، ولذا يطالبهم بالشك في هذا؟ أليس من شروط الإيمان "اليقين المنافي للشك"(6)؟ فأين هو من قوله تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا"

فإن قيل: إن الشك خطوة في البحث عن الحقيقة، فيل له: فإن كنت تسلّم بأن وجود الله حقيقة فمن اعتقد بوجوده فقد وصل إلى المطلوب، فمتى كان الشك وسيلة إلى هذه الغاية، فهو قد وصل إلى الغاية فلم يهدم الغاية ليحقق الوسيلة، وهي ليست مطلوبة لذاتها؟

فإن "الشك والحيرة ليس محمودًا في نفسه باتفاق المسلمين، وغاية ما في الباب أن من لم يكن عنده علم بالنفي ولا الإثبات يسكت، فأما من علم الحق بدليله الموافق لبيان رسوله فليس للواقف الشاك الحائر أن ينكر على هذا العالم الجازم المستبصر المتبع للرسول العالم بالمنقول والمعقول" (7) فكيف يقال: على الإثنين أن يشكا؟

"الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي"

ويبرز هنا سؤال: إيمان شحرور دون دليل بالله كيف يجعله يتصور وجود الله؟ وهو القائل "الله في ذاته كينونة فقط، أي أنه وجود قائم بذاته" (8)

يوضح شحرور نظرته إلى الوجود الإلهي بشكل صريح، فيقول "الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي" (9)

فالوجود الموضوعي خارج الذهن هو الوجود الإلهي عنده، وهذا يعني أن كل الوجود خارج الذهن هو الله! فالله ليس موجودًا وجودًا موضوعيًا خارج الذهن، بل ما هو موجود خارج الذهن عنده هو الوجود الإلهي!

وعلى هذا، فالقاذورات والنجاسات والشياطين والكفار وكل ما في الوجود حقه وباطله، هو الوجود الإلهي عند شحرور، وهذا يفوق كلام النصارى، بل إنهم ينكرون على قائله، فيسألون إنكارًا: هل يُحصى الصانع مع مصنوعاته؟ وكيف يبدو وكأنه أحد المصنوعات التي صنعها هو نفسه؟ (10)

وهذا ليس إلزاما له حتى يقول: لا ألتزمه ولازم المذهب ليس بمذهب، بل يوضحه موقفه من كلام الله.


الإشارات المرجعية:

  1. الإسلام الأصل والصورة، محمد شحرور، طوى للنشر والثقافة والإعلام، ص5
  2. موقف ابن تيمية من المعرفة القبلية وشيء من آثاره الفلسفية، يوسف سمرين، ص18
  3. الإسلام الأصل والصورة، ص5
  4. الإسلام والإنسان من نتائج القراءة المعاصرة، محمد شحرور، ص205
  5. دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، ص60
  6. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، ص91
  7. القاعدة المراكشية، ابن تيمية، تحقيق ناصر بن سعد الرشيد-رضا بن نعسان معطي، ص55
  8. نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص37
  9. الكتاب والقرآن، ص72
  10. شرح الإيمان المسيحي، 31/1

المصدر:
يوسف سمرين، بؤس التلفيق: نقد الأسس التي قام عليها طرح محمد شحرور، ص41

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-شحرور #وجود-الله
اقرأ أيضا
الحياء في الإنسان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحياء في الإنسان


وأما الحياء من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله عز وجل حق الحياء فقيل: يا رسول الله فكيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء قال: من حفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وترك زينة الدنيا وذكر الموت والبلى فقد استحى من الله عز وجل حق الحياء

بقلم: الماوردي
679
إشكالات حول الحدود الشرعية | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

إشكالات حول الحدود الشرعية


باب الحدود الشرعية من أكثر الأبواب التي تتعرض لهجوم العلمانيين وأعداء الملة والدين على مدار التاريخ ولا تجد حدا من حدود الله إلا وقد أثاروا فيها الخلاف وحاولوا النبش في كل التراث الإسلامي أملا في الوصول إلى رأي يدعم موقفهم وفي هذا المقال نقف أمام حد الرجم والردة وهما من أكثر الحدود تعرضا للنقد

بقلم: أحمد يوسف السيد
2188
لحظة فداء | مرابط
فكر مقالات

لحظة فداء


كل ما نعرف من رحمة الأبوة والأمومة بأطفالهم فإنه سيذهب بها هول لحظة مشاهدة النار يوم القيامة فيتمنى الأب العطوف والأم الحنون أن يتخلصوا من هذه النار حتى لو أرسلوا فلذات أكبادهم إليها يقول الحق تبارك وتعالى في مشهد مرعب: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أطفالهم الذين كانوا يفدونهم ويقدمونهم على أنفسهم ستأتي لحظة الفداء الكبرى التي تصعق فيها النفوس من شدة الهلع حين تسمع فوران نار يوم القيامة وشهيق لهبها وهي تأكل الناس والحجارة وأمام ذلك المشهد فإن الوالد يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببني...

بقلم: إبراهيم السكران
1377
الليبرالية الاستئصالية الجزء الأول | مرابط
فكر الليبرالية

الليبرالية الاستئصالية الجزء الأول


مقال تفصيلي يسير بشكل موجز بين أروقة التاريخ ليحدثنا عن الليبرالية الاستئصالية التي ترفع شعار الحرية والمساواة ولكنها على أرض الواقع أبعد ما يكون عن شعاراتها ومبادئها هنا سترى الليبرالية منذ بداياتها مراحل الضعف والانهزام أمام الاشتراكية ثم انهيار الأخيرة وصعود موجات الليبرالية وبداية حقبة جديدة تمتد موجاتها إلى عالمنا الإسلامي

بقلم: إبراهيم بن محمد الحقيل
2461
محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الثاني | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الثاني


من أظهر الأمور الدينية: أن المهمة الأولى لدعوة الرسل والهدف المركزي فيها هو تعبيد الناس لله تعالى وغرس التعلق به في كل حياتهم كما قال تعالى:ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل:36 فمقصد بعثة الرسل وأساس دعوتهم ومنتهى أعمالهم وغاية جهادهم وقطب الرحي في حياتهم والفكرة التي حولها يدندنون ومنها يقصدون وإليها يرجعون وفيها يبذلون هي: عبادة الله وحده وغرس فكرة العبودية في عقول الناس وقلوبهم وإنكار عبادة كل الأوثان

بقلم: سلطان العميري
2321
في الفرق بين الحكم والفتوى | مرابط
فكر

في الفرق بين الحكم والفتوى


تخيل أن تذهب إلى شيخمفتي في عام 2000م فتسأله عن حكم ارتداء قميص عليه ألوان قوس قزح أو جعلها شعارا لشركتك أو متجرك. ثم تذهب لنفس المفتي في عام 2022 م لتسأله نفس السؤال. ثم يشاء الله أن تنحسر الغمة قبل عام 2040م أو أن يتغير شعارها وينفصل تماما عن قوس قزح فتذهب لنفس المفتي- أطال الله بقاءه وبقاءك- فتسأله نفس السؤال.

بقلم: معتز عبد الرحمن
322