اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني

اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: محمد الخضر حسين

1706 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قبول الطالبات في الجامعة

قال الأستاذ: وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام.
 
يريد أن قبول الطالبات في الجامعة لم يَرْضَ عنه فيما مضى إلا قليل من الناس، والواقع أن الذين يرضون عن هذا الاختلاط لا يزال عددهم قليلًا إذا نظر إليهم إزاء مَنْ ينكرونه، ويَشْكُون من سوء مغبته، ولو استُفْتِيت الأمة استفتاءًا صحيحًا لظهر أن أنصاره لا يزالون في قلة، على أن المسائل الاجتماعية إنما يرجع الحكم فيها إلى الأدلة القائمة على رعاية ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، أما كثرة الأنصار فلا تجدي أمام النصوص الشرعية، والأدلة المؤيدة بالتجارب ولو مثقال ذرة.

قال الأستاذ: بعد عشر سنوات من قبول هؤلاء الطالبات، قامت ضجة تنكر علينا هذا الاختلاط فلم نأبه له؛ لأن التطور الاجتماعي معنا، والتطور لا غالب له.
 
ليس هناك تطور يعرض للاجتماع في نفسه، وإنما تطور الاجتماع أثر أفكار وأذواق وميول نفسية، ورقيُّ هذا التطور أو انحطاطه يرجع إلى حال تلك الأفكار والأذواق والميول؛ فإن غلب على الناس جودة الفكر، وسلامة الذوق، وطهارة ميولهم النفسية- كان التطور الاجتماعي راقيًا وهذا هو الذي لا تنبغي معارضته، ويصح أن يقال فيه: إنه تطور لا غالب له.
 
أما إذا غلب على الناس انحراف الأفكار في تصور الشؤون الاجتماعية، أو تغلبت أهواؤهم على عقولهم، كان التطور الاجتماعي في انحطاط، وهذا هو الذي تجب معارضته، وأقل دعوة تقوم لإصلاحه يمكنها أن تقوِّم عوجه، وترد جماحه.
 

الاختلاط والتطور الاجتماعي

وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطور الاجتماعي فهو من نوع ما ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعين على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكاره، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه، ومتى قويت عزائمهم، وجاهدوه من طرقه الحكيمة أماطوا أذاه، وغلبوه على أمره.
 
وما كانت حالة العرب في الجاهلية إلا تطورًا اجتماعيًا، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم يحارب هذا التطور، فقضى عليه في أعوام غير كثيرة.
 
ولو عرض حال فرنسا قبل الحرب، ونظرنا إلى ما كان فيها من تهتك، وحاول بعض عقلائهم التخفيف من شر ذلك الاستهتار- لوجد من يقول له: هذا التهتك تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له.
 
فهل يرضى الأستاذ المحاضر أن يسكت دعاة الإصلاح عما يغلب في الناس من الفساد، وييئسوا من إصلاحه بدعوة أنه تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له؟
 

محاولات الإصلاح

والذي نرى أن الإصلاح يسود بالدعاية الحكيمة، وقد يسود بقوة السلطان العادل متى كانت الأمة في عماية عن طريق الرشد، وصَمَمٍ من مواعظ الحكماء، أما الباطل فإنما يسود بوجاهة أشياعه، أو قوة سلطانهم، وإذا تغلب باطل بالدعاية الماكرة فلأن أنصار الحق كانوا غارقين في نوم ثقيل، ولا يرفع الباطل صوته إلا في بيئة غاب عنها الدعاة المصلحون.
 
وقد حسبنا عندما سقطت فرنسا في هذه الحرب تلك السقطة المزرية أن يأخذ منها رجالنا عبرة بالغة، فيعود الذين كانوا يحبذون السفور، واختلاط الجنسين، دعاة إلى أدب الإسلام من تستر المرأة بثياب العزة، وصيانتها عن مواقف الابتذال، ومواطن الاختلاط.
 
ومن دواعي الأسف أن يتنبه رجال فرنسا قبل أن يتنبه كثير من رجالنا، ويأخذ من سقوط دولتهم عبرة، هي أن سبب ضعف فرنسا وانهيار بنائها هو انحلال أخلاق شبابها، وإغراقهم في الملاذ والشهوات.
 
ولا إغراق في الشهوات أكثر من تخلية السبيل للنساء يخالطن الرجال، ويبدين لهن ما بطن من زينتهن، دون أن تلتهب في نفس أبيها أو أخيها أو زوجها غيرةٌ حامية.
 

بين الأخ والأخت


وقال الأستاذ المحاضر: ومعنا العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص.
 
لا يتنازع أحد في العدل بين الأخ والأخت، ولا يمانع من التسوية بينهما في تحصيل كل منهما أسباب كماله الخاص، [وأن هذا] لا يستدعي اختلاطها بالفتيان، بل يعد هذا الاختلاط عائقًا لها عن الوصول إلى كمالها الخاص، فإنه يذهب بجانب كبير من الحشمة، وهدوء النفس، ويهيؤها لأنْ تنحدر في حفرة من سوء السمعة، ولو كان ولي أمرها الناصح في تربيتها ينظر إلى هذه العاقبة بعين تدرك حقيقتها لحال بينها وبين هذا الاختلاط بكل ما يملك من قوة.
 
ونحن لا نعارض في تعليم المرأة، ولا في استمرارها على التعليم إلى أبعد مدىً، ولكنا نريد الاحتفاظ بأساس كمالها الخاص، وهو الصيانة ونقاء العرض.
 
ولا شك في أن اختلاطها بالفتيان وسيلة قريبة إلى هدم ذلك الأساس، فالذين ينكرون اختلاط الطلاب بالطالبات هم الذين يناصرهم العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص.
 
فللمرأة أن تطلب من العلوم ما وَسِعَها أن تطلبه، ولكن على أساس الصيانة، فإن كان طلبها لبعض العلوم يُعَرِّض هذا الأساس للانتقاص فلتكتف بما وصلت إليه يدها من علم، وفي الرجال كفاية للقضاء، والمحاماة، وعضوية مجلس النواب، إلى ما يشابه هذا من الأعمال التي لو تولتها المرأة لانجرَّت بطبيعة العمل إلى عاقبة سيئة هي الاختلاط بالرجال.
 

آداب ديننا


قال الأستاذ المحاضر: ومعنا فوق ذلك منفعة الأمة من تمهيد الأسباب لتكوين العائلة المصرية على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي.
 
إذا كنَّا لا نستسلم لتقليد أوربا في كل شأن من شؤون الاجتماع، وترفعنا عن أن نجعل حال الأوربيين المثال الكامل للارتقاء القومي- قلنا: إن أساس ارتقائنا القومي هو الاحتفاظ بآداب ديننا، وأن يكون في فتياتنا علم واسع، وعزم صارم، وإرادة ماضية، وصبر على تحمل المشاق، وأن يكون في فتياتنا حشمة، وصيانة، وعلم يساعدهن على تأدية واجباتهن في الحياة من نحو تدبير المنزل، والقيام على تربية الولد، وقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على هاتين المهمتين بقوله: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.
 
وأشار صلى الله عليه وسلم إلى مهمة تدبير المنزل بقوله: والمرأة راعية على بيت زوجها...
 

الزينة والاختلاط

وإذا كان النظر إلى زينة المرأة، والتأمل في محاسن وجهها وسيلةَ تعلقِ القلب بها، وتعلقُ القلب مدرجة الفتنة- فالاختلاط الذي يستدعي تكرار النظر، ويجر إلى الأخذ بأطراف الحديث يكون بلا ريب أمرا منكرًا؛ إذ هو الوسيلة المباشرة لزلزلة نفوس الفتيان والفتيات بعد سكونها زلزلة قد تذهب بأعراضٍ كانت مصونة، وإذا دخل ابتذال العرض في الأسرة، فمن أين لنا أن نكونها على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي ؟.
 
وليس في حماية الفتاة من الاختلاط بغير محارمها، تضييق لدائرة الحياة في وجهها، وإنما هو احتفاظ بكرامتها، وتوفير لهنائها؛ إذ بصيانتها عن الاختلاط تعيش بقلب طاهر، ونفس مطمئنة، وبهذه الصيانة تزيد الصلة بينها وبين زوجها، وأولي الفضل من أقاربها متانة وصفاءً.
 
وأنا لا أستبعد صحة ما أسمعه كثيرًا من أن النزاع بين الرجال وزوجاتهم أصبح أكثر مما كان، وأن منشأ هذا الخصام تهافت النساء على التبرج الممقوت، وتساهلهن في الاجتماع بغير محارمهن.
 

أنصار اختلاط الجنسين ودعاة الإصلاح


والواقع أن أنصار اختلاط الجنسين لا يؤيدهم تطور اجتماع صحيح، ولا يناصرهم العدل بين الأخ وأخته في تحصيل كل منهما أسباب كماله الخاص، ولا تقف بجانبهم مصلحة الأمة في حال، وليس معهم إلا أنهم فعلوا ذلك، ففتحوا أبواب الجامعة للطالبات، وكان منكرو هذا الاختلاط على كثرتهم في تفرق، فلم يصدعوا بإنكارهم، واقتصروا على أن يرددوا هذا الإنكار في مجالسهم، وربما كتب أحدهم مقالة في صحيفة، أو قال كلمة في محاضرة.
 
 
ولو عقد دعاة الإصلاح مؤتمرًا أخلاقيًا، ونظروا في شأن اختلاط الجنسين نظرًا خاليًا من كل هوى، وبسطوا القول في وجوه مفاسده- لكان لقرارهم شأن، وكان لرجال السياسة الرشيدة في أمر الفتيات رأي يجمع بين إعطائهن حظهن من التعليم، وصيانتهن من مواضع الفتنة والابتذال.

 


 

المصدر:

مجلة الهداية الإسلامية ج 6 من المجلد الثالث عشر. نقلا عن كتاب مقالات لكبار كتاب العربية في العصر الحديث

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاختلاط
اقرأ أيضا
أخطاء لغوية شائعة | مرابط
لسانيات

أخطاء لغوية شائعة


مقتطفات من كتاب التدقيق اللغوي للكاتبة أسماء رزق نجد هنا عرضا سريعا لبعض الكلمات الشائعة التي يستخدمها الكتاب والناس بشكل عام وتبين لنا الكاتبة الصواب من الناحية اللغوية ومثال ذلك: يقولون: مبروك النجاح والصواب أن يقال: مبارك النجاح

بقلم: د أسماء رزق
476
مع نظرية المصلحة عند نجم الدين الطوفي | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

مع نظرية المصلحة عند نجم الدين الطوفي


تعتبر مقولة نجم الدين الطوفي الشهيرة: تقديم المصلحة على النص من أشهر المقالات الفقهية والفكرية فى هذا العصر لأنه تم توظيفها بمهارة لتكون بساطا يسير عليه أي تحريف معاصر يرغب في تخطي بعض النصوص الشرعية ومع الجهود العلمية الحثيثة في توضيح هذه القضية وبيان الشذوذ والخلل فيها إلا أن المقالة الطوفية ما تزال حاضرة في أي مشهد ثقافي يرغب في حذف بعض أحكام الشريعة

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1519
ادعاء نسبية الأخلاق | مرابط
أباطيل وشبهات

ادعاء نسبية الأخلاق


تعتبر النسبية من أضر الفلسفات التي حطت رحالها في بلاد المسلمين وفي هذا المقال نناقش دعوى أن الأخلاق أمور اعتبارية نسبية لا ثبات لها تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان ومن أمة إلى أمة. فالذي يعتبر منافيا للأخلاق عند شعب من الشعوب لا يعتبر منافيا للأخلاق عند شعب آخر وبعض ما كان مستنكرا فيما مضى قد يعتبر مستحسنا في عصر آخر

بقلم: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني
447
من ثمرات التوحيد | مرابط
مقالات

من ثمرات التوحيد


قال بعض الشيوخ: إنه ليكون لي إلى الله حاجة وأدعو فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك لأن النفس لا تريد إلا حظها فإذا قضي انصرفت

بقلم: ابن مفلح
517
آداب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي | مرابط
تفريغات

آداب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي


محاضرة ثرية وهامة للشيخ محمد صالح المنجد تدور حول وسائل التواصل الاجتماعي التي وصلت إلى كل البيوت تقريبا وصارت تشكل مساحة كبيرة من حياة الإنسان وللأسف يستخدم المسلمون هذه الوسائل والمواقع بدون ضوابط ولا حدود ومن هنا تأتي محاضرة الشيخ المنجد لتقدم لنا آداب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي

بقلم: محمد صالح المنجد
3727
يا شباب العرب | مرابط
مقالات

يا شباب العرب


ويقولون: إن الأمر العظيم عند شباب العرب ألا يحملوا أبدا تبعة أمر عظيم ويزعمون أن هذا الشباب قد تمت الألفة بينه وبين أغلاطه فحياته حياة هذه الأغلاط فيه وأنه أبرع مقلد للغرب في الرذائل خاصة وبهذا جعله الغرب كالحيوان محصورا في طعامه وشرابه ولذاته ويزعمون أن الزجاجة من الخمر تعمل في هذا الشرق المسكين عمل جندي أجنبي فاتح ويتواصون بأن أول السياسة في استعباد أمم الشرق أن يترك لهم الاستقلال التام في حرية الرذيلة

بقلم: مصطفى صادق الرافعي
1096