المؤامرة على المرأة المسلمة ج1

المؤامرة على المرأة المسلمة ج1 | مرابط

الكاتب: سفر الحوالي

619 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

الحديث عن المرأة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

أيها الإخوة الكرام: فإني أشكر الله تبارك وتعالى الذي جمعنا بكم في هذه الليلة التي نسأله تعالى أن يجعلها طيبةً مباركة، كما أشكر الإخوة القائمين على هذا المسجد، والقائمين على مركز الدعوة بـالرياض أثابهم الله جميعًا، حيث هيئوا ويسروا لنا أن نجتمع وأن نلتقي لنذكر الله تبارك وتعالى، ولنتحدث في أمر عظيم يهم كل مسلم في هذا الزمن.

ولا شك أن ما تعلمونه جميعًا -ولله الحمد- مما شرعه الله تبارك وتعالى بشأن المرأة وحجابها وعفتها وطهارتها لهو غني عن الإعادة والتكرار هنا، وأنتم والحمد لله طلبة علم ودعاة، ولا يخفى على أحد منكم شيء من هذه الأحكام إما على سبيل الإجمال أو التفصيل، وإنما نريد أن نتحدث عن قضية قد تخفى على بعض الإخوة؛ لأننا في زمن كثرت فيه الضلالات، وكثر فيه الدعاة إلى أبواب جهنم الذين حذرنا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت فيه الفتن، وكاد أعداء الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أضعاف ما كانوا يكيدون من الدس والخيانة والتآمر عليها وعلى دينها.

ولهذا وجب على هذه الأمة أن تعلم حقيقة الأمر، وأن تعرف أن ما يتعلق بمسألة المرأة وما يحدث في المجتمعات الإسلامية اليوم من تحولات وتغيرات ليس أمرًا عفويًا ولا اتفاقيًا، وإنما هو نتيجة تخطيط مدروس، وتنظيم عُمل له طويلًا، فهي مؤامرة تدبر من قديم، وهي الآن في طور الاكتمال، ولكن الله غالب على أمره مهما فعل أعداؤه وكادوا.

وموضوع المرأة -أيها الإخوة الكرام- كان إلى زمن قريب موضوع آداب وأخلاق وأحكام يدعو إليها الخطباء والوعاظ والأدباء، ولكنه في هذه الأيام وفي هذا العصر أصبح موضوع عقيدة، أقول: الآن أصبح موضوع المرأة موضوع عقيدة، فلم تعد المرأة تخطئ أو تعصي ربها عز وجل فتتبرج أو تتكشف أو ترتكب بعض ما نهى الله عنه، ثم سرعان ما تعود إلى حظيرة الحق، وينظر إلى ذلك على أنه شذوذ.. لا، إن الأمر قد تعدى ذلك، وأصبحت هناك دعوات صريحة إلى أن تتحلل المرأة من أوامر ربها عز وجل، وترفض كل ما شرعه الله تبارك وتعالى، وتنطلق -كما يزعمون- وتتحرر لتقلد المرأة الأوروبية الكافرة في كل شيء، وهذا الأمر أمر عقيدة؛ لأنه لا يفعله إلا الفتاة التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا بهذا الدين دينًا.

ومن هنا وجب التنبه، ووجب على كل ذي شأن وعلم أن يبين لهذه الأمة طريقها.

 

أسباب التأثر بالحضارة الغربية

إن المؤامرة على هذا الدين -أيها الإخوة الكرام- قديمة قدم الصراع بين الحق والباطل، قدم وجود الحق والباطل، ولكنها في هذا الزمن أصبحت أكثر كيدًا؛ حيث أن الاحتكاك بين الغرب الكافر الصليبي وبين الأمة المسلمة قديم، وقد سبق أن جاء الصليبيون إلى العالم الإسلامي كما تعلمون، واحتلوا كثيرًا من بلاد المسلمين في الأطراف، ولكن المرأة المسلمة، والأمة المسلمة ظلت تنظر إليهم على أنهم همجيون كفار صليبيون حاقدون؛ فلم تأبه بأن تقلدهم في أي شأن من شئون الحياة.
وقد كتب المؤرخون والأدباء وأصحاب السير عن أوضاع المرأة الصليبية عندما جاءت الحملات الصليبية إلى العالم الإسلامي؛ وتحدثوا عن الدياثة التي كان يتصف بها الإفرنجة، ما هي هذه الدياثة؟ قالوا: إن نساءهم يمشين كاشفات الوجوه، ويراهن الرجال، ولا يبالي بعضهم بأن تذهب زوجه مع الآخر، فكل ذلك عده المسلمون -حتى الذين لم يكونوا في منزلة من العلم والدعوة- دياثةً وانحطاطًا وسفولًا تبرأ منه المرأة المسلمة.

ولكن مرت بالأمة الإسلامية عصور تراجعت فيها عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وعن العقيدة الصحيحة عقيدة السلف الصالح، ودخلتها الضلالات والبدع من كل جهة حتى جاءت الحملة الصليبية الكبرى التي تسمى حملة نابليون، وعندما قدم نابليون قدم معه عاهرات الفرنجة مرةً أخرى، ولكن الأمة اختلفت نظرتها هذه المرة عنها في المرة السابقة، فأخذوا يكتبون ويقولون -وإن كتب ذلك بعد نابليون - إن المرأة الفرنسية متحضرة متطورة ناهضة، وأن على المرأة المسلمة أن تقلدها وأن تحتذي حذوها.

كان هذا التحول في عقيدة الأمة لا في واقع الفرنجة، فهم هم في دياثتهم التي كانت فيما مضى، ولكن ما صحبوه هذه المرة من وسائل التطور الحديثة التي جاء بها نابليون: كالمطبعة، والتنقيب عن الآثار، والمدافع، وغيرها من الوسائل لم يكن يعرفها المسلمون، جعلتهم ينبهرون بهذه الحضارة الجديدة، ومع ذلك فقد كان هذا التأثر محدودًا ومحصورًا، وقد ذكر الجبرتي رحمه الله -وقد كان الجبرتي رحمه الله حنبلي المذهب، ومن هنا تأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، وتعاطف معها في كتابه وأيدها- أن اللواتي تأثرن بالحملة الفرنسية كن إما من الطبقة الدنيئة من اللاتي كن يمارسن البغاء والدعارة والرذيلة قبل مجيء الفرنسيين، وهذه الطبقة من أصلها هذا شأنها، والفريق الآخر هو أولئك النساء اللاتي أسرن، وفي الأسر أرغمن على أن يماشين الفرنجة ويلبسن كملابس نساء الفرنجة هكذا يقول رحمه الله، ولكن الذي حدث بعد ذلك في نهاية القرن الثالث عشر هو قدوم الإنجليز واحتلالهم لـمصر، ثم بداية الحملة الصليبية الأخيرة وهي ما نسميه الاستعمار، وما هو في الحقيقة إلا حملة صليبية، ولكنها جاءت هذه المرة مدعومةً بالعلم، والاختراعات، والتطور المادي، والتخطيط البعيد المدى لإفساد هذا الدين وتدميره.

 

مؤامرات الصليبيين

لقد كاد أعداء الله تبارك وتعالى مع قدوم هذه الحملات، ومع النهاية الواحدة المتكررة لجميع حملاتهم الصليبية وهي الهزيمة العسكرية، فخططوا لهزيمة من نوع آخر يلحقونها بالمسلمين، فكانت تلك المؤامرة على هذا الدين وكانت تدور -على سبيل الإيجاز- في أربعة مجالات:
المجال الأول: هدم العقيدة الإسلامية.

وقد عملوا على ذلك بنشر الإلحاد والانحلال، وبعث وإحياء الفرق ذات العقائد المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وبعث الحضارات القديمة، وإثارة النعرات والجاهليات؛ بغرض إبعاد هذه الأمة عن عقيدتها.

والمجال الثاني: هو تحطيم الشريعة الإسلامية وإبعادها عن مجال الحكم؛ لتحل محلها القوانين الوضعية والأوروبية الكافرة؛ ليطمئنوا على أن الحدود لن تقام، وأن أحكام الله لن يعمل بها، وإذا وصلت الأمة إلى هذا الحد فقد فقدت كل مميزاتها.

والمجال الثالث: هو المجال الاجتماعي؛ حيث خططوا لإفساد المرأة المسلمة، وإخراجها عن وظيفتها وأمومتها وحجابها لتقلد المرأة الغربية في كل شيء، وهذا ما سعوا من أجله، وما نفيض إن شاء الله في الحديث عنه.

والمجال الرابع: هو تحطيم وهدم اللغة العربية، والأدب العربي وما يتعلق به، وبذلك يتوصلون إلى قطع صلة المسلمين بالقرآن وبفهم كتب السلف الصالح وما في تراثهم من خير وهدىً وبركة، هذه الأربعة المجالات التي خطط لأجلها أعداء الله تبارك وتعالى.

وأهم ما يهمنا الآن هو المجال الاجتماعي المتعلق بالمرأة، فإن هذا المجال هو المقياس الظاهر الواضح لتمسك أي بلد من البلدان بالإسلام، فأنت إذا زرت أي بلد من البلدان تستطيع أن تحكم على دين أهله من خلال وضع المرأة فيه، فإن كانت متسترةً متحجبة حكمت على المجتمع بالطهر والفضيلة، وإن كانت متهتكةً متخلعة علمت وأيقنت أن هذا مجتمع فاسد منحط -يعني في الأغلب والظاهر- لأن هذا هو المعيار الذي توزن به الأمم قديمًا، وتوزن به الحضارات، حتى أن سولد اسبنجلر الذي كتب كتاب: تدهور الحضارة الغربية؛ يقول: هذا هو المعيار الذي يقاس به سقوط الحضارات من عدمها.

الحضارات جميعًا تسقط وتنهار عندما تترك المرأة عملها ووظيفتها كأم وتتبرج وتتبذل، وقد استعرض حضارات كثيرة جدًا في كتابه هذا وفي غيره.

إذًا: أعداء الله يعلمون أهمية هذه القضية؛ ولهذا حرصوا عليها كل الحرص، وابتدأت المؤامرة كالعادة ساذجةً، أو بتخطيط غير عميق، ولكن الأمر يتطور ويزداد، لقد وجد أولئك القوم كاتبًا نصرانيًا بعد الاستعمار الإنجليزي ببضعة عشرة سنة يدعى مرقص فهمي؛ فقالوا: نريد أن تكتب عن المرأة كتابًا، فكتب كتابًا عنوانه: المرأة في الشرق، وتحدث فيه عن ظلم الإسلام للمرأة، مع أن هذا الصليبي الذي دينه وكنيسته وباباوات ورجال دينه يعتبرون المرأة شيطانًا رجيمًا، وظلوا قرونًا عديدة لا يعتبرون المرأة كائنًا إنسانيًا، واختلفوا في أوروبا هل المرأة لها روح أم ليس لها روح؟!! هكذا كانت أوروبا الصليبية، ومع ذلك يقول مرقص فهمي المحامي في كتابه المرأة في الشرق: إن المرأة في الشرق مظلومة؛ وسبب ذلك هو التشريعات الإسلامية، وطالب بإلغاء الحجاب، وفي خروج المرأة من البيت، وحتى طالب بأن يسمح للأقباط -لأنه قبطي- أن يتزوجوا النساء المسلمات.. هكذا يريد هذا الهدام! ولكنه لم يتمكن من تحقيق ما يريد.

 

دعوة تحرير المرأة

للعلم -أيها الإخوة- أن اللورد كرومر الذي هو أساس التخطيط للإفساد العلمي والاجتماعي في العالم الإسلامي هو يهودي الأصل، وقد جاء إلى مصر لأهداف مبيتة، وأغراض خفية ظهرت فيما بعد، والذي ذكر يهوديته هو كاتب مؤرخ بريطاني معروف، فهذا الرجل اليهودي الخبيث جاء ومعه دنلوب -أيضًا- وهو قسيس خبيث آخر، ولا يبعد أن يكون من أصل يهودي أيضًا، كانوا يخططون لهدم هذا الدين.

وجدوا من أسرة محمد علي امرأةً لا تزال هي الصنم الذي يقتدي به المجرمات في كل زمان وفي كل بلد من أنحاء العالم الإسلامي وبالذات العالم الناطق باللغة العربية، وهي الأميرة نازلي، هذه الأميرة نازلي حفيدة إبراهيم بن محمد بن علي باشا، وإبراهيم بن محمد علي باشا معروف ما الذي صنع بأرض الجزيرة، وما الذي فعل ببلاد التوحيد؛ حيث هو الذي دمر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه عندما قاد الحملات، حفيدته الأميرة نازلي التي أصبحت زوجةً للملك فؤاد وأمًا للملك فاروق، في آخر أيامها -نسأل الله العفو والعافية- ارتدت عن الإسلام، ودخلت في دين النصرانية هي ومن كان معها عياذًا بالله!

هذه المرأة الخبيثة كان اللورد كرومر يجلس في صالونها، وكان يجلس معه بعض المخططين لتنفيذ المخطط والمؤامرة على الإسلام وعلى المرأة المسلمة، وممن كان يرتاد هذا الصالون -كما هو ثابت في جميع المصادر التاريخية- الشيخ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وكثير من النصارى الذين كانوا يرأسون مجلة المقتطف وغيرها، وكذلك مرقص المحامي، كل هؤلاء كانوا يجلسون في ذلك الصالون -صالون الأميرة نازلي- ويتحدثون كيف يخططون للقضاء على الحجاب، وإخراج المرأة المسلمة من الحجاب إلى التحلل وإلى الإباحية.

ويشاء الله سبحانه وتعالى أن مستشرقًا فرنسيًا يكتب كتابًا يتهجم فيه على الإسلام والحجاب، فانبرى له كاتب جاهل لا علم له ولا فهم يدعى قاسم أمين، وكان شابًا نزقًا لا يفقه في الدين شيئًا، فأخذ يرد ويهاجم المستشرق داركور، وشاء الله سبحانه وتعالى أن أولئك يتنبهون لخطر هذا الشاب، فاستدعي، وإذا به يعلن تراجعه عما هاجم فيه ذلك المستشرق، وإذا به هو يكتب كتابًا بعنوان: تحرير المرأة، وهو الكتاب الذي يعتبر إنجيل أو نبراس دعاة الاختلاط في كل زمان ومكان.

والعجيب أن كثيرًا من فصول هذا الكتاب لو قرأتموها تجدون أنه لا يمكن أن يكتبها إلا متضلع بالأحكام الشرعية وبالفقه وبالأصول، ولهذا نُسب في أكثر من مصدر إلى أن الشيخ محمد عبده هو الذي كتب الكتاب أو كتب بعضه؛ لأن قاسم أمين كان يعمل مترجمًا للشيخ في فترة من الفترات في مجلة العروة الوثقى.

والحاصل أن هذا الكتاب قد ظهر من صالون كرومر ونازلي، ماذا كانت دعواه أيها الإخوة الكرام؟ ماذا تتوقعون أن يقول؟ هل يدعو إلى الاختلاط؟ هل يدعو إلى الرذيلة، إلى البغاء، إلى الزنا، إلى الأفلام الخليعة، إلى كذا..؟ لا، كان يقول: إن المرأة لا يجب عليها أن تغطي وجهها وكفيها؛ هذا الذي دعا إليه فقط؛ لأن المرأة المسلمة إلى ذلك الوقت كانت متحجبةً الحجاب الكامل، أي: إلى قبل ثمانين سنة لم يكن في مصر، وهي أول بلد عربي ترك نساؤه الحجاب وبدأت فيه هذه الحركة، إلى ذلك الوقت لم يكن هنالك امرأة مسلمة فيه إلا وهي متحجبة الحجاب الكامل، تغطي وجهها وكفيها وكل جسمها.

ولما طالب بذلك قاسم أمين، والعجيب أن قاسم أمين نفسه كانت زوجته محجبةً الحجاب الكامل، ولم يكن يسمح لأحد أن يراها أو أن يخلو بها؛ لأن المجتمع ما يزال تمسكًا بالمبادئ الإسلامية، والبداية هي هذه.

وهنا أيها الإخوة يجب أن نقف وقفة! ففي كل مجتمع -والعملية واحدة.. والمؤامرة واحدة- تبدأ الدعوى فقط في الحديث عن الوجه والكفين، وبالقول بأنه لا حرج على المرأة أن تكشف وجهها وكفيها، ولكن بم تنتهي؟ تنتهي بنوادي العراة، وبالأفلام الجنسية القذرة، وإلى نهايات لا يعلم مداها إلا الله عز وجل، لكن البداية هي من هنا، والمؤامرة واحدة في كل مكان وفي كل بلد، وهذا يجب أن يعلم؛ ولذلك كشر قاسم أمين عن أنيابه وكشف عن الحقيقة بعد ذلك بأعوام عندما ألف كتاب: المرأة الجديدة، ودعا فيه بصراحة ووضوح: إلى أنه يجب على المرأة المسلمة أن تقتفي نهج المرأة الأوروبية -أو قال: أختها الغربية- في كل شيء.

وهكذا كشف القناع عن حقيقة المؤامرة، وبعد ذلك وبتحريض من الإنجليز وبرعاية منهم ظهرت أو ارتبطت الحركة النسائية بالحركة التي تسمى الحركة الوطنية

 

الحركة الوطنية بداية المؤامرة

ونقف هنا أيضًا -أيها الإخوة- وقفةً أخرى؛ لأن العملية واحدة وتعاد وتكرر الأسطوانة في كل بلد، قيل: إن المرأة المصرية لابد أن تشارك في طرد الإنجليز والمستعمر، ولابد أن تسهم في خدمة وطنها، وفي بناء بلدها، وفي الخدمة الاجتماعية، وفي القيام بالواجب، نصف المجتمع لا يبقى معطلًا... إلى آخر ما قيل في ذلك الزمن.
ومن هنا استغلت الحركة التي كان الإنجليز ينظمها ويرعاها -الحركة الوطنية- وخاصة حزب الوفد الذي كان يرأسه سعد زغلول، دخلوا من هذا الباب، وتبنى أولئك ما يسمى بتحرير المرأة، فكانت زوجة سعد صفية قد نسبت نفسها إليه، فسمت نفسها صفية زغلول وتركت اسم أبيها، وتبنى امرأة هي التي تسمى رائدة الحركة النسائية؛ لأنهم وجدوا أن قاسم أمين رجل، ولابد أن تكون الرائدة امرأة، فهذه المرأة هي هدى شعراوي، دخلت في حزب الوفد وتبناها سعد زغلول، وأفسح لها المجال، ومعها المدعوة الأخرى سيزا نبراوي، ومن هنا بدأت المؤامرة بأيادٍ نسائية.

وعندما قامت الثورة المصرية عام (1919م) -الثورة على الإنجليز كما سميت- وكانت ثورةً علمانية حيث كان شعارها: (الدين لله والوطن للجميع) وخرج الناس وقالوا: يجب أن نخرج جميعًا: اليهود والنصارى والمسلمون، واليهود في ذلك الوقت خرجوا علنًا في مصر، للتظاهر ضد الاستعمار، فكان ممن خرج وشارك في هذه المؤامرة هدى شعراوي، ولجنة الوفد المركزية للسيدات كما سميت، خرج الوفد وخرجت معه هؤلاء السيدات في مظاهرة ضد الإنجليز، وكانت أغرب مظاهرة من نوعها في العالم الإسلامي، ولأول مرة تحدث أن النساء يخرجن ويظن أنهن في المظاهرة يحررن البلد ويشاركن في التنمية.

وكانت كثير من الخارجات متحجبات، حتى إن بعضهن مغطية الوجه أيضًا؛ لأن المسألة لم تكن قد أخذت بعدًا واقعيًا كثيرًا، وكان الحجاب هو الأصل، وكانت التي تنزع عن وجهها الحجاب ينظر إليها على أنها فاجرة ودنيئة ودنسة، ومن أسرة لا أصل لها ولا قيمة لها... إلى آخر ما يقال.

وحرص سعد زغلول على أن يقام سرادقات ضخمة لاستقباله لما رجع من المنفى -كما يسمى- ودخل المعسكر، وكن محجبات، ونزع الغطاء من فوق وجه هدى شعراوي وأمر الباقيات أن ينزعن، فنزعه بعضهن وأخذن يهتفن ويصفقن ويقلن: هذه الوطنية، وعاش الوطن، وليسقط الإنجليز‍.

ما علاقة خروج الإنجليز وما علاقة الوطن بهذا التهتك؟! وما علاقة ذلك بالحرية؟! وما علاقة الحركة الوطنية؟! هكذا أيها الإخوان تربط القضية هذه بتلك، ويقال: إن خدمة الوطن لا تتم إلا بالتبرج والتهتك والتعري، فلو أن امرأة مسلمة قدمت لأمتها خدمة مثلًا في التعليم -ولو أمضت العمر كله وهي تعلم- أو في الطب ولكنها محجبة لا يذكرها أحد، ولكن إذا تهتكت وتعرت واشتركت في الأفلام، وفي مسابقات فنية، أو في أي شيء مما لا يرضاه الله تعالى تحدث عنها القاصي والداني واعتبروها رائدة، ورفعت سمعة بلادها، وساهمت في تنمية وطنها... إلى غير ذلك.

الاسطوانة واحدة تعاد وتكرر في كل مكان.

ثم بعد ذلك أذن لهن سعد زغلول أن يشكلن لأول مرة في تاريخ الأمة الإسلامية تنظيمًا نسائيًا، وتشكل هذا التنظيم النسائي، وستعجبون إذا عرفتم أن المكان الذي انطلق منه هذا التنظيم وخرجت منه المظاهرة هو الكنيسة المرقصية، كنيسة القديس مرقص صاحب الإنجيل، في الكنيسة تجمعن -هؤلاء حزب الوفد- وهن مسلمات في الأغلب، وخرجن من الكنيسة يطالبن بترك الحجاب، وبالتحلل منه؛ لتعلموا ماذا تريد المؤامرة!

 

إقامة المؤتمرات الدولية النسائية

وانطلق التنظيم وتشكل، وشارك في مؤتمرات دولية، منها المؤتمر النسائي الأول في روما، والمؤتمر النسائي الثاني في أثينا.
وهنا أيضًا نقف وقفة عجيبة: لم تصدق المؤتمرات الدولية أن المرأة المسلمة ستترك الحجاب، وحدث أنه في المؤتمر الذي عقد في روما أن جاءت الممثلات اللاتي يمثلن الوفد المصري وكن متكشفات إلا واحدة، انظروا أيضًا من دعاة تحرير المرأة، وجاءت وهي محجبة حجابًا كاملًا، حتى وجهها لا يرى، انظروا حتى لا يقال: المجتمع -الحمد لله- طيب، والنساء محجبات، لماذا تخافون؟ كانت التي تدعو إلى التحرر وعضوة الوفد للتحرر لم تستطع من الحياء أن تنزع الحجاب عن وجهها أمام الأجانب الأوروبيين، ومع ذلك انظروا حال المرأة المسلمة اليوم، والعملية واحدة، والخطة واحدة‍، فأعضاء الوفد قالوا: أنتن غير مصريات. يقول لـهدى شعراوي وسيزا نبراوي: أنتن غير مصريات، مصر استعارتكن لتمثلنها، وأبوا أن يصدقوا أن امرأةً مسلمة تنزع الحجاب، قالوا: هذه التي لم تنزع الحجاب مصرية، هي التي تتكلم باسم المرأة المسلمة في مصر.. حتى أقنعنهم بالجهد حتى اقتنعوا، وصدقوا أن النساء الثلاث مصريات.

ومن هنا بدأت اللعبة تدخل إطارًا عالميًا جديدًا، وتقول هدى شعراوي: إنها تشرفت بمقابلة موسوليني -الزعيم النازي الفاشي المعروف- قابلته، ثم بعد ذلك أخذت الصحافة الإنجليزية تشيد إشادةً عظمى بحركة تحرير المرأة وبدورها وبنشأتها وتطورها، وأخذ الكتاب من أمثال لطفي السيد وطه حسين، وكثير ممن شابههم يكتبون عن هذه القضية.

 

إقامة الأحزاب النسوية

هنا نقف أيضًا ونتذكر شيئًا آخر: في هذه المرحلة -وهي مرحلة الحرب العالمية الثانية- كانت أمريكا قد برزت وأخذت تتسلم قيادة العالم الغربي، ومن ثم ورثت الاستعمار الغربي بكل ضروبه وأنواعه، ونجد الرئيس روزفلت، وتعلمون أن أول رئيس تمكن اليهود من السيطرة عليه بشكل واضح جدًا هو ترومان، ثم بعده روزفلت، وكانت زوجة روزفلت من أعظم المهتمات بشئون ما يسمى تحرير المرأة، وتبنت زوجته الحركة، وأخذت تنفق عليها، وأقامت علاقات مع درية شفيق وأمثالها، ومع حزب بنت النيل، هذا الحزب النسائي، وتأسست أحزاب أخرى تسمى الأحزاب النسائية، وكان غرضها المطالبة بحقوق المرأة حتى طالبوا بمساواتها في الميراث، وطالبوا بخلع الحجاب، وطالبن بالتحلل الكامل من كل أحكام الشريعة الإسلامية.

وهنا يشاء الله سبحانه وتعالى وهو الذي تكفل وتعهد بنصر دينه ولو كره الكافرون، وبأن يخزي أعداءه في الدنيا والآخرة، وبأن ينصر الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد: أنه حصل خلافات سياسية بين الأحزاب أدت إلى كشف الأوراق على حقيقتها، وإذا بحزب بنت النيل يفضح على رءوس الملأ وفي الصحف، ويكشف أن السفارتين الإنجليزية والأمريكية هما اللتان تمولان هذا الحزب والأحزاب الأخرى، وأن الذين بنوا لهم مقرًا من الأثرياء الأمريكان، وبعضهم من اليهود، وأن اللاتي شاركن فيه هن متآمرات متواطئات مع الاستعمار ومع أهدافه وخدمته.

وما أن انكشف ذلك حتى أيقظ الله تعالى من كتبت لها الهداية واليقظة، وأحس الناس بخطر الأمر وارتفعت الأقلام من جديد بالمطالبة بالقضاء على هذه الحركة الخبيثة اللئيمة قبل أن تستشري عدواها، هذا على المستوى الفكري.

أما على المستوى العملي: فأنشئت أول دار للسينما، وأنشئت مراكز أيضًا بما يسمى الترفيه والرقص، وكانت النساء اللاتي يشاركن فيه يهوديات وقبطيات، وبعض المسلمات اللاتي تعمد إدخالهن، وعد ذلك من تحرر المرأة ومن نهضتها وتقدمها كما يقال.

ثم بعد ذلك لما قام ما يسمى بالثورة قامت وتحولت مصر دولة اشتراكية -كما هو الحال في كثير من دول العالم الإسلامي- أخذ الأمر بعدًا أعظم من ذلك، وأصبحت المسألة مسألة حرب سافرة على الإسلام والمسلمين، حتى خلت الجامعة من كل محجبة، وفرضت على المرأة المسلمة شاءت أم أبت أن تكون أوروبية غربيةً بمعنى الكلمة، وكبت صوت الحق وقد كان يقاوم هذه الصرخات والدعوات.

ولا يخفى عليكم ماذا نتج بعد ذلك، وماذا حصل أيضًا بعد الهزيمة المنكرة التي حلت بأولئك المجرمين في عام (1967م) وذلك عندما قامت دعوات من جديد، ورجعة في صفوف الشباب إلى الدين، وعاد الحجاب من جديد إلى الجامعة، وأصبح هذه المرة الدعوة إلى الحجاب دعوةً إسلاميةً سلفية، تقوم على التمسك بالحجاب؛ لأنه من عند الله، لا لمجرد أنه من العادات.

وهنا تعالى الصراخ وما يزال إلى اليوم يتعالى، وتحدث الدكتور زكي نجيب محمود يقول: ما هذه الردة -سماها ردة -‍التي وقعت فيها المرأة في مصر بعد أن تحررت وانطلقت ترتد الآن للحجاب، وكتبت أمينة السعيد عدة كتابات، وكتبًا كثيرة، وما تزال الصحف ووسائل الأعلام التي يملكها هؤلاء تكتب الآن عن هذه الظاهرة، والعجيب أن يقع في فخاخ ذلك أيضًا دعاة أو كتاب ومفكرون يقولون: كيف تتحجب المرأة؟ كيف تغطي وجهها؟ كيف ترجع إلى ما كانت عليه من عادات فارسية وتركية ليست من الدين في شيء؟

واتسع نطاق المؤامرة، ولا يهمنا بعد ذلك العرض التاريخي الذي لا يخفى على أحد منكم، وإنما نقول: هذا هو المسلسل أو المخطط العام لهذه المشاهد والفصول لهذه القضية المهمة.

وبعد ذلك نقول: ماذا يريد هؤلاء؟ وماذا حققوا للمرأة؟ وماذا يجب علينا إزاء هذه الدعاوى الخطيرة؟

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
ثغرات تسدها المرأة المسلمة: البيت والزوجية | مرابط
تفريغات المرأة

ثغرات تسدها المرأة المسلمة: البيت والزوجية


أيتها الأخت المسلمة! في ثغرة الزوجية وبيت الدعوة بيتك يجب ألا يعرف الخراب لأنه يتكون معه أسباب الحماية من الحب والرضا بينك وبين الزوج وهذه ثغرة كل زوجة في القيام بحق زوجها وينبغي أن يكون الزوج أحب الناس إلى زوجته وأن يكون البيت قائما على الالتزام بالإسلام وتربية الأولاد التربية الصالحة والدعوة إلى الله

بقلم: محمد صالح المنجد
415
فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير! | مرابط
مقالات

فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير!


العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه وهو التنكر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته فيجحد الموجود حسرة على المفقود فيجمع بين الشرين!

بقلم: كريم حلمي
298
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2 | مرابط
توثيقات

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2


دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسة ونتيجة لفرقة المسلمين وتشتتهم وهي أرض إسلامية خالصة ولقد فصلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان قصة الإسلام في الصين كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها وهذا في مقال آخر بعنوان كنوز التركستان الشرقية وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأ...

بقلم: راغب السرجاني
597
لماذا تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت؟


الحضانة مثلها مثل أي حكم شرعي في نظام الشريعة لها فلسفة اجتماعية مهمة مرتبطة بزيادة التماسك الاجتماعي في الأمة.. بل في أمور الزواج والطلاق والنفقة والحضانة هذه العلة أوفر وتأكيد التماسك أظهر.. الحضانة مبنية على الشفقة والصبر على تربية الصغير ولذلك يقدم في الحضانة الأقرب فالأقرب لوفور شفقته كلما قرب من الطفل فمن تدلي من النساء للطفل عن طريق الأبوين تقدم على من تدلي عن طريق أحدهما ومن تدلي له عن طريق الأم تقدم على من تدلي عن طريق الأب..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
433
شبهة: أنا مسلم غير متدين! | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: أنا مسلم غير متدين!


إن نفي المسلم صفة التدين عن نفسه يساوي نفي الإسلام عن نفسه وفي الغالب هو لا يقصد ذلك لأننا إذا سألناه عن دينه سيجيب بأنه مسلم ونفيه التدين عن نفسه يعني أنه بلا دين وهذا تناقض. في الحقيقة هذه من العبارات المستوردة من الثقافات العلمانية الغربية التي تتبنى الفصل بين الدين وحياة الإنسان الشخصية

بقلم: د. جمال الباشا
325
مبدأ الليبرالية | مرابط
الليبرالية

مبدأ الليبرالية


الإنسان عند الليبراليين إله نفسه وعابد هواه غير محكوم بشريعة من الله ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلا: الشريعة الإسلامية حق أم لا وهل الربا حرام أم حلال وهل القمار حرام أم حلال وهل نسمح بالخمر أم نمنعها وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور وهل الزنا جريمة أم أنه علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية وهل...

بقلم: شحاتة صقر
679